عادل الأحمر: حلف على التلفزة بـــالثـلاث
عندما رنّ في منتصــف الليــل جـــرس التليفون، قلت في نفسي إنّه لا يمكن أن يكون إلاّ صديقي المجنون، فمكالماته لا تخضع إلى توقيت وفي كلّ لحظة قد يصبّ الزيت، لا عندو ليل إمخّر ولا صباح بكري، ولا واحد في فرشو راقد ولا سيدي بن زكري.
ولمّا رفعت السماعة باش نرد عليه، كنت عازما على أن أسمعه وسخ وذنيه، لكن العيّاش لم يترك لي مجالا للكلام، وبادرني دون تحيّة أو سلام : «بارك لي أيّها الصديق، وهنّئني كما يليق»، فقلت: «وعلام أبارك يا عيّاش ؟ ألهذا تـــوقظني مـــن عـــز النـــوم في الفـــراش ؟»، فأجــــاب : «لقـــد طلّقتها وحلفت عليها بالثلاث، دون تعقيب أو استئناف»، قلـت: «وهـــل تـــريــد أن افرح وأنت تطلّق تلك السيدة الطيبة الرقيقة ؟ وما الــذي دهـــاك حتــى تنفصل بهذه الطريقة، عن شريكة حياتك، ورفيقتك في محنك ومسراتك ؟».
فضحـــك العيـــاش بجنون، حتى كـــادت ضحكـــاته تفجّـــر التليفـــون، ثم نطق أخيرا وتكلّم : «ومن قال إنّي انفصلت عن زوجتي يا معلّم؟ راني نحكي لك ع التلفزة، وما سببته لي من نرفزة، جعلتني أقطع علاقاتي الدبلومـــاسية، مع هذه الوسيلة الإعلامية، وقد أردت أن تكـــون أول العـــالمين بهـــذا القــرار الجليل، ولنا في الغد صباحا موعد مــع التفـــاصيل ..». وعلى هذه الكلمات قطع العيّاش الاتصـــال، فعدت إلى الفراش وأنا سارح البال.
ومن الغد ذهبت إلى العيّاش لآخذ منه مبروك الطلاق، وأستمع منه إلى أسباب هذا الفراق، فقال بعد ما قدّم لي ما طاب من الحلويات : «الكلّو يا سيدي من السياسيين والسياسيات، عيّفوني في النقاشات، وكرّهوني في البلاطوات، لقد أصبت من كلامهم بالغم، وخفت على نفسي من ارتفاع ضغط الدم، فقلت كما قال المرحوم عبد العزيز العروي فيما مضى : «ثم فلسة بيناتنا انزل عليها وكفى».
قلت: «ومالذي أزعجك في تدخّلات رجال ونساء السياسة ؟»، فأجاب دون أدنى كياسة : «الكذب والتبلعيط، والتبرويل والتسفسيط، والكلام لي يقولوه يعاودوه، حتّى الناس كرهوه وملّوه، سيّما وأنك ترى دائما نفس الوجوه في نفس القنوات، وكأنّهم عاملين فيها اشتراكات. وزيد على هاذومة، جماعة ما أبعدهم ع الــعـــسل في القرجومة، يجيو يقولو «صحّة» يقولو آك الكلمة المشومة، كلامهم كي الظلام ، معارضة وإلا حكّام، وأحيانا كيف يسكتو خير، على خاطر في كلّ كلمة يحفرو لرواحهم بير ...وما نحكيش علي يسخايبو عندنا ألزهايمر اللّهم عافينا، يحكيولنا اليوم حكاية، ويرجعو غدوة ينفيوها عينيهم في عينينا».
وهنا قاطعت صديقي : «ألا تعتقد أنّك على السياسيين قاس شديد؟»، فقال: «بل هذا قليل من كثير وإليك المزيد، و أضف إلى هؤلاء السابقين، جماعة المتحذلقين، الذين باسم الشعب يتحدّثون، وعلى لسان التوانسة كلّهم يتكلّمون، هذا يقول : «الشعب يريد»، والآخر عليه يزايد ويزيد، وثالث يصيح أن الشعـــب اختـــار، و قـــراره لا يوجد بعده قرار، وآخرون يتكلمون على «شعبنا» بكل أريحية، وكأنّه مسجّل باسمهم في إدارة الملكية العقارية. ولست أدري من فوّض لهؤلاء القوم أن يتكلمـــوا باسمنـــا، وهـــل أخذوا في هذا الموضوع أو ذاك رأينا، وعن أيّ شعب يتحدّثون، والشعب أثناش مليون، توزّعوا على طيف واسع من المواقف والآراء، ومن أصناف الفكر والانتماء، فكيف تضعونهم في نفس السلّة، وهم ألف ملّة وملّة ؟...».
عنــد هذا الحـــد حـــاولت إيقــاف العيـــاش عـــن تيـــار كـــلامه، لكنه استرســـل في مـــلامـــه: «دعني يا صديقي أتّمم لك هذا المشهد الحزين، وأقول كلمة في آداب الحديث عند أغلب هؤلاء المتدخلين: واحد يفك الكلمة للآخر ويقص عليه اثنية ، وجماعة يتكلمو في نفس الوقت كأنّهم ديوان ورقلية، وزوز يتناقرو م الصباح للعشية، والمنشّط بيناتهم يحز في العركة، وهذا داخلها بعود حطب والآخر بفركة .... وكان عذرهم قبل مدة أنّنا مازلنا في السنة الأولى ديمقراطية، لكن جاء الوقت اليوم لنقول لهم : «يا جماعة راكم دوبلتو قدّاش من مرّة، وباش نطردوكم م المدرسة الابتدائية»..
عادل الأحمر
- اكتب تعليق
- تعليق