محسن بن عيسى: الصراع داخل السلطة.. وأزمة الأخلاق

محسن بن عيسى: الصراع داخل السلطة.. وأزمة الأخلاق

تراود المواطن أسئلة عديدة عن طبيعة الصراع داخل السلطة في تونس، وما يُثار عن محاولات بعض الأحزاب التحكم في مفاصل الدولة ونظام حكمها. الغريب أنّ المحرّك الرئيسي للصراع لم يكن على التوجهات والمشاريع المستقبلية بل ظلّ على المستويات العليا اي على المصلحة الحزبية والشخصية.

أغلبنا، إن لم نكن جميعنا، بات ينظر إلى الوضع بعين القلق والخوف والترقب. نحن نعيش حالة اضطراب وقلق عام.

الأزمة السياسية - الأخلاقية

يخضع الصراع على السلطة والتمسّك بالسلطة لدينا لنفس المنطق المتعارف عليه في الوطن العربي وهو" القيام على المصالح الضيّقة"، و"تحويل المؤسسات الرسمية" إلى آليات تُعكس فيها المفاهيم والأساسيات التي بُعثت من أجلها. وهو واجهة للسياسات المعتمدة، واجهة زائفة ما لم تقم على الالتزام بقضايا المجتمع، وما لم تتعلق بالخيارات الكبرى للدولة.

نفهم أن يعمل بعض المسؤولين والسياسيين وفقا لمصالحهم الشخصية، ولكن ما لا نفهمه هوالتناقض الصارخ في مواقفهم وتحالفاتهم التي بمقتضاها سيظل الواقع السياسي هشّا وتبقى التوافقات بلا معنى.

كم من تُرّهات تُرتكب لدينا باسم التحول الديمقراطي والاستقرار. تُرّهات أبرزت تفاقم عجز الدولة عن فرض سلطتها واستعادة هيبتها. وما كان صدفة أن تتحوّل الدولة الى حالة تقاسم أو حالة تسلّط من طرف تيارات معيّنة.

لقد انقسم المجتمع إلى موالين وغير موالين ( ومضمونين وغير مضمونين)، وانعكس ذلك سلبا على طبيعة العلاقات الاجتماعية بما يدفع نحو العودة إلى مظلة العائلة والعرش والقرية كرابط قوي يعوّض ما افتقده المواطن وما يمكن أن نسمّيه " الأمن الاجتماعي".

كثيرة البيانات المتضمنة لصور خاطئة للواقع وتصوّرات مغلوطة وأحكام مسبقة. اعتقد أنّ الشعب يقف منذ 2011 أمام الخيار بين نموذجين للوعي الوطني، بين ثقافتين وبين نوعين من الدولة : دولة تبحث في العلن وتعتمد على قيمها الوطنية وتسعى لتلبية حاجات المجتمع بطاقات وسواعد ابنائه، وأخرى في الظل تعتمد ثقافة الباطل والاستقواء بالأجنبي والتدفقات الخارجية.

ليس غريبا في ظل هذا الواقع أن تعجز الطبقة السياسية على تشكيل آليات دستورية أو مجالس وطنية لأن الخيار المأخوذ هو خيار دولة التوافقات أي دولة العجز.

لا يكفي الحديث عن تكريس مفهوم الدولة بل العمل على تفعيل دورها ..فالدولة موجودة برموزها المتمثلة في العلم والنشيد والدينار وغيرها، بل هي موجودة بمؤسساتها وهي تعمل بوجود حكومة أو بدونها..ولكن كيف الخلاص بها لتلبية الحقوق المنصوص عليها دستوريا والتي هي حق للمواطن وواجب على الدولة الايفاء بها. 

إنّ هذه القضايا المطروحة وغيرها سببها حرص المنظومة السياسية القائمة على التخلص من كل ما يشير إلى الماضي ووضع أسس لنظام مستقبلي يضمن لهم هيمنة معينة. وهم بذلك وقعوا في مفارقة بين التخلص من إرث الهيمنة وبين إعادة الهيمنة وإن اختلفت الظروف والقيادات.

أين النخبة عقل الدولة؟

يبدو الأفق مسدودا ، ما لم تُراجع السياسات ، وما لم تعد الدولة إلى مقوّماتها الوطنية، وما لم يعد فكر النخب الثقافية والسياسية إلى المواطن كمرجعية سياسية. لقد فقدت النخبة الواعية والمفكّرة والمؤمنة بالحوار مكانتها ودورها، فالعدالة والنهضة تستند إلى رضا الأغلبية وليس الأقلية الموالية.

علينا أن ندرك أنّ المستهدف اليوم ليس حزبا معيّنا وإنّما الشعب والوطن بمجمله، وأنّ موضوع الصراع في الوقت الراهن هو الدولة.

يبدو متناقضا القول إنّ لدينا منظومة سياسية يجب الحفاظ عليها. علينا أوّلا تحرير المنظومة من رواسب الماضي وشبهاته. لقد مضى عهد على التنظيمات السرية التي لم تستفد منها الأحزاب والدول التي راهنت عليها . لقد كانت وستظل تحركات سرية من الصعب التعرف على بواعثها وأهدافها.علينا أن نبني الدولة بالسياسة، بالوطنية، بالتنمية، بالتسامح، بالاختلاف، بالإجماع، بالتعدّد في إطار الدولة.

لازال مشروع بناء الدولة يحمل في قيامه وانتظامه فرصة استعادة الشعب للإرادة. فالكل يعلم أنّه لا معنى لوجود شعب دون إرادة. يمكن حكم الشعب بوسائل العنف والتهديد والاستبداد لكنه يستحيل على من يظلم ويستبد أن يصادر عقول الناس. يمكن تشتيت الوعي الوطني وإقناع بعض المواطنين بغير مصالحهم لكن يستحيل إقناع الشعب بغير حاجاته الأساسية والضرورية للعيش والبقاء.

لا مجتمع دون دين ولكن لا تلزمنا جمعيات الدعاة وأحزاب الهداية، فهي أصوليات تعيش خارج الزمن وتنطلق من اعتبارات تخص مجتمعات جاهلية. الخوف هو أن يبقى المجتمع التونسي ضعيف أمام هذه التيارات فيخسر كل شيء بما في ذلك الدين والمقدسات.

قد يحتكر السياسيون الراي، فتأتي المواقف عشوائية متقلّبة، لذلك على النخب تحويل وجهة الصراع، من صراع حول التمسك بالسلطة إلى نضال من أجل قضايا الشعب المتعلقة بالنمو والمعرفة والتماسك الاجتماعي. على النخبة الوطنية أن تخوض صراعا من أجل المواطنين في وجودهم ومطالبهم اليومية و المعيشية وتأمين شروط البقاء.

يمارس "البترو دولار" مثل "الإمبريالية" سياسة الإخضاع، وعلى نخبنا أن تمتنع عن اعتماد ايديولوجيا الخضوع، فهي "المهمة الأنبل" التي تجعل منها نخبة.

العقيد محسن بن عيسى

متقاعد من سلك الحرس الوطني

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.