مقاومة الأمية في تونس: الاستراتيجية والخطط (ألبوم صور )
إنّ التذبذب في النتائج الخاصة بمقاومة الامية في تونس دليل على غياب رؤية واضحة في هذا المجال، وأفاد مدير برنامج محو الأميّة وتعليم الكبار بوزارة الشؤون الاجتماعية السيد هشام بن حميدة أنه «تمّ الاتفاق على إعداد استراتيجية وطنية لمحو الأمية وتعليم الكبار للفترة 2018 – 2030 تعمل على رسم خطــط تنفيذية وأهداف وأنشطة للوصول بنسبة الأمية في تونس إلى ما دون 10 ٪ والترفيع في عدد المتحرّرين منها إلى 43 ألف سنويا في غضون سنة 2030.
ويتولّى إعدادها المكتب الإقليمي لليونسكو بالرباط . وفعلا أُنجزت هذه الاستراتيجية وأُحيلت على رئاسة الحكومة لاعتمادها. وفي انتظار المصادقة عليها ارتأت وزارة الشؤون الاجتماعية تنفيذ عدّة إجراءات عاجلة وأخرى متوسّطة المدى مستوحاة من تلك الاستراتيجية . ويتمثّل الإجراء الأوّل في تطوير المناهج التعليمية القديمة التي أنجزت في تسعينات القرن الماضي لمواكبة التطوّرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية وذلك بالتعاون مع منظمة الألكسو. وانطلق التطوير منذ شهر جوان الماضي على أن ينتهي قبل انطلاق السنة الدراسية القادمة. ويقوم الإجراء الثاني على إرساء شراكات استراتيجية فتمّ إمضاء اتفاقيات شراكة مع وزارة التكوين المهني والتشغيل ووزارة الفلاحة والصيد البحري والموارد المائية والاتحاد الوطني للمرأة ويتواصل النقاش لإمضاء اتفاقيات شراكة أخرى مع وزارة التربية ووزارة الثقافة ووزارة الشباب والرياضة ومع منظمات وجمعيات تنموية.ويتمثّل الإجراء الثالث في تطوير الهيكلة الإدارية والارتقاء بالبرنامج من إدارة إلى مركز وطني يتمتّع بالاستقلالية الإدارية والمالية وله حرية التصرف لأنّ طبيعة عمله تقتضي المرونة والتنسيق مع عديد الأطراف ويكون المركز تحت إشراف وزارة الشؤون الاجتماعية. ويركّز الإجراء الرابع على اعتماد منظومة الحوافز المالية والعينية من جديد والتي وقع إيقاف العمل بها سنة 2013 ليستفيد منها الدارسون المميّزون على مستوى محلّي وجهوي ووطني كما في السابق، إضافة إلى الحوافز التي تتمتّع بها الجمعيات التي تعمل في شراكة مع البرنامج . ويتعلّق الإجراء الخامس بوضع خطّة اتصالية شاملة لمحو الأمية وتعليم الكبار على المستــوى المحلي والجهوي والمركزي لأنّ هــــذا البرنامج يتطلّب تســويقا اجتمــاعيا.
أمّا الإجراء السادس فيهمّ تحسين وضعية المدرّسين المتعاقدين الذين كانت وضعيتهم هشّة فأصبحوا يتمتّعون بالمنحة على مدى 12 شهرا، إضافة إلى التغطية الاجتماعية. ويتمثّل الإجراء السابع في إعداد مشروع قانون توجيهي لمحـــو الأميــة وتعليــم الكبار».
إجراءات ثورية
وأضاف السيد هشام بن عبدة أنّ مشروع تطوير برنامج محو الأمية وتعليم الكبار يعتبر ثورة من حيث التصوّر العام لمجال محو الأمية والمقاربة التي يعتمدها. وأكّد أنّه من الخطإ الشائع الاعتقاد أنّ محو الأمية وتعليم الكبار هو تمكين الأمّي من مستوى أدنى يجعله قادرا على القراءة والكتابة والحساب فقط، مشيرا إلى أنّ اعتماد المقاربة الادماجية الجديدة هو إجراء ثوري يثمّن البعدين القرائي والحرفي المهاري عبر تثمين التعلّمات وبالتالي تثمين الشهادة التي يحصل عليها الدارس لتصبح شهادة قانونية مقيّسة بينما كانت في الماضي رمزية. وتمكّن هذه الشهادة الدارس من بعث مشروع صغير بمساعدة المنظّمات أو الجمعيات التنموية أوبنك التضامن ليصبح محو الأمية رافدا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية ومشكَّلا للوعي الذاتي للفرد ومعدَلا لسلوك الدارسين بهدف التغيير الاجتماعي.فالفلاح الأمّي لا نعلّمه كيف يزرع ولكن نعدّل سلوكه الزراعي وفق التطوّر العلمي في المجال ونرافقه وفق مناهج «الأندراغوجيا» Andragogie ( ظهر هذا المصطلح في ألمانيا في سنة 1833 ويعني تعليم الكبار ) ممّا يؤثّر في نوعية الإنتاج وكميته. وأوضح أنّ من الأخطاء الشائعة أيضا أنّ الأمي يدرس بنفس مناهج التعليم الابتدائي النظامي وبنصوص مكتوبة إذ أثبتت التجارب العالمية الناجحة أنّ هذا التمشي الذي كان مطبّقا في السابق لا يحقّق الأهداف المرجوّة منه، ذلك أنّ محو الأمية الذي يعتمد على نصوص سابقة وجاهزة يؤدّي إلى الرتابة ونفور الدارسين لأنّه لا يحقّق الحاجات الحقيقية لهم. لذلك تعتمد المقاربة الجديدة الثورية أيضا على استنباط المدرسين لنصوص انطلاقا من الحوار مع الدارسين المباشرين لهم فهم يصنعون المنهج مع المدرّس الذي يعتمد في مقاربته دينامية المجموعـــات نظرا لخصوصية النشاط الذي يقــوم بـــه ولعــدم اعتماده على منهج واحد.
إنّ هذا التصوّر وتلك المقاربة يعنيان حسب مدير البرنامج، أنّ محو الأمية مجال أوسع ممّا يتصوّره البعض فهو يشمل الأميين والمتعلّمــين عن طــريق مبــدأي التعلم مــدى الحيــاة والتعلم للجميع أو مدرسة الفرصــة الثانية بغـاية إنماء التعلم الذاتي لدى الدارسين.
خالد الشّابي
قراءة المزيد:
الأمية في تونس : الواقع المفزع (ألبوم صور
- اكتب تعليق
- تعليق