استــراتيجــيــة صينيــة لبنــاء مجتمـــع الذكــاء الاصطناعـي
عندما أطلق الزعيم الصيني دنغ شياوبينغ في ديسمبر 1978 برنامج الإصلاحات الأربعة في قطاعات الفلاحة والصناعة والعلوم والتكنولوجيا والدفاع مع تبنّي سياسة انفتاح اقتصادي لتحويل بلاده إلى قوّة اقتصادية كبرى في بداية القرن الحادي والعشرين لم يكن الكثيرون يتوقَّعون ربّما أن يدرك هذا البلد الشيوعي ما أدركه في غضون بضعة عقود من تقدّم لافت في مختلف المجالات ولا سيّما في المجالين العلمي والتكنولوجي. وقد بدأت الحكومة الصينية منذ نهاية السبعينات بإيفاد مئات الآلاف من الطلبة، لإكمال دراستهم في الخارج، واعتمدت على العائدين منهم إلى البلاد لوضع وتنفيذ خططها الرامية إلى تحقيق تطوّرها في هذين الميدانين.
ثمّ سَنّت في عام 1993 قانون التقدّم العلمي والتكنولوجي، الذي حدّد أهداف ذلك التطوّر علميًّا وتقنيّا، ومصادر تمويله، قبل أن تصوغ في عام 1995 استراتيجية للنهوض بالعلوم والتعليم وتوظيفهما كرافعتين للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. وفي الآن نفسه، أنفقت الصين مئات المليارت من الدولارات على البحوث والتطوير العلمي والتكنولوجي وهي تطمح اليوم إلى التفوّق على الولايات المتحدة في هذا الإنفاق بحلول عام 2022. وانصرفت جهودها بوجه خاصّ إلى الاستثمار في الذكاء الاصطناعي حتّى غدت تتبوّأ موقع الريادة في هذا المجال على الصعيد العالمي. فليس من محض الصدفة أن تختار شركة «هواوي» الذكاء الاصطناعي محورا لملتقاها السنوي الذي انتظم بمدينة شنغهاي يومي 10 و 11 أكتوبر بحضور أكثر من عشرين ألف شخص من 150 دولة، ممثلين عن شركائها وحرفائها، علاوة على عديد الخبراء في القطاعات التكنولوجية والعلمية. هذه الشركة التي تأسّست في سنة 1987 على يد عقيد سابق في الجيش الصيني تمثّل اليوم أحد أذرعة البلاد في مجالات التكنولوجيا الحديثة وتطبيقاتها وشاهدا حيّا على نجاحها الباهر في التحكّم في مسالك الثورة الصناعية الرابعة.
وتختصّ «هواوي» بتقديم الحلـــول في قطـــاع تكنولوجيا المعلومات والاتصال وبصنع معدّات الاتصالات والهواتف الجوّالة التي تعتبر ثاني مروّج لها في العالم وتعمل على تنويع منتوجاتها وخدماتها، متطلّعة إلى أن تكون فاعلا أساسيا في تكنولوجيا المستقبل. ويشمل حقل نشاطها الموسوم بطابع التجديد شبكات الاتصالات والمحطّات الطرفية ونظام كلاود (الخدمة السحابية) والطاقات الجديدة والمتجدّدة، فضلا عن الجيل الخامس للاتصالات والبيانات الضخمة وأنترنات الأشياء. وبلغ رقم معاملات الشركة في سنة 2017 ما يناهز 89 مليار دولار 70% منه تمّ تحقيقه بالخارج في حين يقدّر عدد العاملين فيها والمتعاونين معها في 140 دولة بحوالي 180 ألف شخص 50 % منهم مهندسون.
ومردّ مراهنة «هواوي» على الاستثمار في الذكاء الاصطناعي تنبّؤها بحصول تحوّل تكنولوجي عميق في أفق عام 2025 حيث من المتوقّع أن يبلغ عدد الأجهزة الذكية في العالم 40 مليار جهاز في حين ستكون نسبة استخدام البيانات في حدود 86 بالمائة، ممّا سيؤدّي إلى قيام عالم مترابط كليًّا وإلى تغيير جذري سيطال الصناعات والمؤسّسات على الصعيد الكوني. كما يُتوقّع أن تتمّ في سنة 2020 85% من معاملات الحرفاء مع المؤسّسات مباشرة دون أيّ واسطة بشريّة. هي إذن مغامرة جديدة يقبل عليها الإنسان تتعادل فيها الفرص والتحدّيات. لاستثمار هذه الفرص ومواجهــة هذه التحدّيات أعلنـــت «هـــواوي» على لسان رئيســـها في الـدورة الحـاليــة إيـــريـك كســـو في افتتـاح الملتــقي «Huawei Connect 2018» الاستراتيجية التي تعتزم اعتمادها في مجال الذكاء الاصطناعي وفق خمسة محاور تتمثّل في الاستثمار في البحوث وبناء نظام يتيح استخداما ناجعا وميسّرا لمختلف الخدمات المقامة على الذكاء الاصطناعي وإقامة تعاون وثيق مع المؤسّسات الأكاديمية والصناعيين والشركاء بالإضافة إلى إدراج تقنيات الذكاء الاصطناعي ضمن منتوجات وخدمات الشركة الحالية لضمان قيمة مضافة وتعزيز القدرة التنافسية وتوطين تقنيات الذكاء الاصطناعي داخل «هواوي» تحقيقا لمزيد النجاعة والجودة.
ويبرز المعرض المقام في إطار هذه التظاهرة الكبرى الخطوات العملاقة التي قطعتها «هواوي» في مجال الذكاء الاصطناعي والحلول التي تقدّمها لحرفائها من المؤسّسات والحكومات ومن بينها المدن الذكية والمراقبة الإلكترونية للمدن لجعلها أكثر أمنا، كما عرضت نموذجا للقيادة الآلية للسيارة باستخدام الذكاء الاصطناعي. قد يسود الانطباع لدى زائر المعرض أنّه بصدد مشاهدة أجهزة وشاشات وتطبيقات أعدّت فقط لإنجاز فيلم من أفلام الخيال العلمي لكنّه يدرك في الأخير أنّ ما كان ينتمي بالأمس إلى عالم متخيّل هو اليوم واقع ملموس وحقيقة ماثلة أمام الأعين وذلك وجه من أوجه المعجزة الصينية..
عبد الحفيظ الهرقام
- اكتب تعليق
- تعليق