أخبار - 2018.10.15

منتدى الاقتصاد والأعمال التركي الإفريقي الثاني (1 من5): في أهمية التساند بين السياسي والاقتصادي

منتدى الاقتصاد والأعمال التركي الإفريقي الثاني (1 من5):  في أهمية التساند بين السياسي والاقتصادي

عندما سافرت إلى إسطنبول لحضور "منتدى الاقتصاد والأعمال التركي الإفريقي الثاني" لم تكن غايتي من الحضور تغطية وقائع المنتدى، فوكالات الأنباء والمحطات الاذاعية والتلفزيونية كفيلة بذلك وبصورة فورية، وإنما كانت محاولة فهم الأسباب التي تجعل تركيا تهتم كل هذا الاهتمام بالقارة السمراء، ومعرفة الأسرار التي تكمن وراء ما حققته من نجاحات في مضاعفة حجم تعاونها مع البلدان الإفريقية.

وفي هذا الإطار تندرج الورقات الخمس التي ستنشرها "ليدرز العربية" تباعا ابتداء من اليوم، والتي سأتحدث فيها عن قراءتي لبعض هذه الأسباب، وهذه الأسرار...

لم يكن غريبا أن ترعى رئاسة الجمهورية التركية، وأن ينظم مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية التركي "منتدى الاقتصاد والأعمال التركي الإفريقي" الذي انعقد، في طبعته الثانية، يومي الأربعاء والخميس 10 و11 أكتوبر 2018 بإسطنبول.

كما لم يكن غريبا أن يترأس الرئيس رجب طيب أردوغان افتتاح أشغاله بحضور نظيره الأثيوبي مولاتو تشومي ورتو، ورئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فكي محمد، وبمشاركة وفود من حوالي خمسين دولة إفريقية (49 بالتحديد)... فالأمر المؤكد أنّ تركيا أدركت أهمية هذا المنتدى الذي انعقد في دورته الأولى يومي 2 و3 نوفمبر 2016 في تحقيق بعض أهداف استراتيجيتها لتطوير العلاقات التجارية والاقتصادية مع القارة السمراء.

وإذا علمنا أنّ حجم التبادل التجاري بين تركيا وبين بلدان القارة الإفريقية تضاعف خمس مرات فيما بين سنتي 2003 و2018، (ارتفع من 3.7 مليار دولار سنة 2003 إلى 20.6 مليار دولار سنة 2017)، وأنّ قيمة الاستثمارات التركية المباشرة في إفريقيا، تقدربـ 6.5 مليارات دولار، وأنّ المقاولين الأتراك تولّوا إنجاز 1150 مشروعا بقيمة 65 مليار دولار في دول إفريقية مختلفة، وأنّ الخطوط الجوية التركية تطير اليوم إلى 51 وجهة في 33 بلدا إفريقيا وهي تعمل على زيادة عدد رحلاتها إلى بلدان القارة، حتى تسهم في تيسير التنقل، عبرها، بين الدول الإفريقية وبين جميع أنحاء العالم... فإنّ ذلك كله لم يكن من باب الصدفة، وإنما كان نتيجة ما أسمّيه التساند بين إرادة السياسي وحركية الاقتصادي.

ويتجلّى السّند الذي يقدّمه رجل السياسة لرجل الاقتصاد في جملة من التدابير الحكومية التي يتمثل أهمّها فيما يلي:

  • بعد أن كان الحضور الدبلوماسي التركي في إفريقيا قبل عقد من الزمن محصورا في بعض البلدان، ومقصورا على مجالات محدّدة، تتوفّر تركيا على سادس أوسع شبكة دبلوماسية في إفريقيا على الصعيد العالمي، حيث ارتفع عدد بعثاتها الدبلوماسية من 12 سنة 2009 إلى 42 بعثة اليوم، وهي تواصل العمل على افتتاح سفارات في بقية دول القارة، خلال المرحلة القادمة، وفي الأثناء فإنّ أنقرة تحتضن سفارات 33 دولة إفريقية.
  • في إطار اهتمامه بتعزيز أواصر التعاون مع الدول الإفريقية، قام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بـ 24 زيارة رسمية إلى عدد من الدول الافريقية، رافقه فيها وزراء ومسؤولون ورجال أعمال أتراك...
  • أعلن الرئيس التركي أنّ بلاده تخطّط لعقد القمة الثالثة للشراكة التركية الإفريقية السنة القادمة في إسطنبول التي كنت احتضنت القمة الأولى سنة 2008، فيما عقدت القمة الثانية سنة 2014 في مالابو عاصمة غينيا الاستوائية.
  • قررت تركيا إلغاء تأشيرة الدخول بالنسبة إلى مواطني عدد من الدول الافريقية من حاملي جوازات السفر الرسمية.
  • تقدّم تركيا التي أصبحت سنة 2008 شريكا استراتيجيا للاتحاد الإفريقي دعمًا سنويا لموازنة الاتحاد بقيمة مليون دولار، منذ 2009.
  • في عام 2015، بلغت قيمة الدعم التركي الرسمي لتنمية بلدان إفريقيا جنوب الصحراء 395.7 مليون دولار.
  • أنشأ مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية التركي مجالس أعمال مع 43 دولة إفريقية، في إطار جهوده الرامية إلى تطوير العلاقات التجارية والاقتصادية مع القارة.
  • قام عدد من الوزارات التركية بتنظيم مؤتمرات تركية إفريقية قطاعية لتدعيم التعاون في مجالات اختصاصها، ومن ذلك أنّ وزارة الزراعة نظمت في مدينة أنطاليا الاجتماع الأول لوزراء الزراعة التركي الافريقي يومي 27 و28 أفريل 2017، بينما نظمت وزارة التعليم بالتعاون مع وقف المعارف التركي، مؤتمر وزراء التعليم التركي الإفريقي الأول في إسطنبول من 19 الى 21 أكتوبر2017.
  • قدمت تركيا منذ سنة 1992 إلى اليوم منحا دراسية للبكالوريوس والماجستير والدكتوراه لأكثر من 8 آلاف طالب من إفريقيا.
  • يقوم "بنك أكسيم التركي" (EximBank Turquie) بتوفير التمويل التجاري والقروض لمشاريع البنى التحتية في إفريقيا.
  • سهرت الحكومة التركية على توقيع اتفاقيات للتعاون التجاري والاقتصادي مع 46 دولة إفريقية، كما وقعت اتفاقيات لتشجيع وحماية الاستثمارات المتبادلة مع 28 دولة، واتفاقيات تجارة حرة مع 5 دول، واتفاقيات لمنع الازدواج الضريبي مع 12 دولة.
  • على الصعيد الإنساني، افتتحت تركيا عدة مستشفيات في إفريقيا، حيث يعالج آلاف من المرضى، وبالمقارنة مع دخلها القومي تعدّ تركيا الدولة الأولى في العالم من حيث تقديم المساعدات الإنسانية.
  • تتوفر وكالة التنسيق والتعاون التركية (تيكا) الخيرية على 21 مكتبا لتنسيق البرامج في إفريقيا، تدير من خلالها مشاريع تركّز على التنمية المستدامة طويلة الأمد من خلال إنشاء البنى التحتية وتوفير فرص العمل ودعم الشباب والنساء.

وما من شك أنّ مجمل هذه التدابير وغيرها ساعدت على خلق بيئة ملائمة هي التي هيأت أسباب النجاح لمنتدى الاقتصاد والأعمال التركي الإفريقي الذي شهد إقبالا ملحوظا على أشغاله إذ قدم إليه من إفريقيا أكثر من 30 وزيرا، وحوالي 1000 رجل أعمال من 49 دولة إفريقية...

وقد تحوّلت قاعات مركز المؤتمرات بإسطنبول وردهاته بعد الجلسة الافتتاحية وعلى امتداد يومين كاملين إلى ما يشبه خلايا النحل، ففيها عقد رجال الأعمال وأصحاب الشركات والمقاولون والمستثمرون الأتراك لقاءات مع ضيوفهم الأفارقة الذين جاؤا لتمثيل أكثر من 500 شركة إفريقية.

وفي الأثناء قام كبار المسؤولين عن المؤسسات والشركات التركية بالتعريف بالمشاريع التي أنجزوها أو التي هم بصدد إنجازها في البلدان الإفريقية لإبراز ما تتوفر عليه مؤسساتهم وشركاتهم من قدرات وخبرات، بينما قام الوزراء ورؤساء الوفود الإفريقية بتقديم بلدانهم وبالتعريف بمزاياها وببرامجها الانمائية وما تعتزم إنجازه من مشاريع كبرى في مختلف المجالات.

ووفقا لمنظمي المنتدى فانّه مكّن من إجراء أكثر من 3 آلاف لقاء ثنائي، تم خلالها التباحث حول صفقات تجارية أو فرص تعاون، أو تبادل معلومات ووثائق، أو التوقيع على اتفاقيات جديدة.

ويمكنني القول من خلال متابعتي لفعاليات المنتدى إنه كان في نفس الوقت احتفاء بالنجاحات التركية خلال الفترة الماضية، وتحضيرا لنجاحات مماثلة مؤكّدة في الفترة القادمة لا سيما بعد أن استطاعت تركيا أن تثبت أقدام مؤسساتها وشركاتها في العديد من بلدان القارة، وفي العديد من المجالات الحيوية.

وفي رأيي فإنّ ميزة المنتدى ومزيّته أنّه، حتى وإن بدا مكلفا، جاء إلى رجال الأعمال وأصحاب الشركات والمقاولين والمستثمرين الأتراك بالأفارقة بدلا من أن ينتقلوا إليهم في بلدانهم، وفي ذلك ربح للوقت والمال، دون ريب...

ثم هو مناسبة لـ"إبهار" الأفارقة بمدينة إسطنبول، هذه المدينة الفريدة من نوعها التي يحب أهلها أن يتغنوا بفرادتها من خلال مقولة جميلة مفادها أنّه "لو قُيِّضَ للعالم أن يكون دولة واحدة لكانت عاصمته إسطنبول"...

محمد إبراهيم الحصايري

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.