النفاذ إلى المعلومة في تونس: الحقّ المغيّب في الممارسة

كانت تونس من الدول الأوائل التي أقرت حقّ كلّ شخص طبيعي ومعنوي في النفاذ إلى المعلومة قصد تكريس الشفافيّة والتصدّي للفساد فصدر القانون الأساسي عدد 22 لسنة 2016 المتعلّق بهذا الحقّ في 24 مارس من السنة نفسها.

وقد علّق الإعلاميون بالخصوص آمالا عريضة على تطبيق هذا القانون الذي من شأنه أن يساعدهم على القيام بدورهم على الوجه الأكمل في إنارة الرأي العام وفِي إماطة اللثام عن العديد من القضايا الحسّاسة التي تبقى الحقيقة مغيّبة بشأنها.

ولعلّ من المفارقات العجيبة في تونس اليوم أنّ عقبات كأداء تقف أمام النفاذ إلى المعلومة  في الوقت الذي توفّرت فيه حرّية التعبير وزالت فيه القيود التي كانت تكبّل الإعلامي في السابق وتمنعه من القيام بأيّ عملي استقصائي بالدقّة الكافية . فغالبا ما لا يجد الصحفي ردّا على الأسئلة لدى المسؤولين والمكلفين بالإعلام والاتصال في الوزارات والمؤسّسات والمنشآت العمومية وتغلق في وجهه كلّ مصادر المعلومة.

ورغم إصدار رئيس الحكومة منشورا في 18 ماي الماضي من أجل تفسير القانون "وذلك لضمان حسن تطبيقه وتحقيق مختلف الأهداف التي يرمي إليها" فإنّ حجب المعلومة لا يزال مستمرّا إلى اليوم.

وقد أتاح الملتقى الذي انتظم يوم الأربعاء 26 سبتمبر 2018 بالعاصمة في إطار الاحتفال باليوم الوطني لحقّ النفاذ إلى المعلومة الذي يتزامن مع اليوم العالمي للنفاذ للمعلومة فرصة الخوض في كلّ الإشكاليات التي تحول دون تكريس هذا الحقّ في تونس.  

مواصلة العمل بالموروث القائم على أساس ثقافة التكتّم 

وقد أشار رئيس هيئة النفاذ إلى المعلومة عماد الحزقي إلى وجود العديد من التحديات التي تعيق تطبيق القانون على ارض الواقع وأهمّها التحديات التشريعية والمتعلقة ببطء إصدار بعض النصوص الترتيبية اللازمة وعدم انسجام بعض النصوص القانونية مع مقتضيات قانون حق النفاذ إلى المعلومة ومواصلة العمل بالموروث القائم على أساس ثقافة التكتم وحجب المعلومة من قبل بعض المسؤولين عن الهياكل الحكومية الذين لن يستوعبوا التطورات السياسية في تونس والعالم عموما.

واعتبر أنّ التحديات المرتبطة بمحدودية الإمكانيات البشرية والتكنولوجية خاصة الموضوعة على ذمّة المؤسسات والهياكل العمومية على غرار بعض البلديات والمعتمديات والمؤسسات الصغرى تستوجب توفير إطار بشري وحد أدنى من التجهيزات حتّى يتسنى لها الإيفاء بوعودها في الالتزام بتطبيق قانون حق النفاذ إلى المعلومة.

وشدّد على ضرورة تضافر جميع الجهود من هياكل عمومية ومكونات المجتمع المدني وإعلاميين من أجل إنجاح أحكام القانون المتعلق بحق النفاذ إلى المعلومة الذي يعد حقا دستوريا ومبدأ أساسيا في ممارسة الحقوق والحريات والقاطرة الأساسية نحو بناء دولة القانون، ملاحظا انه لا يمكن التصدي للفساد وتكريس الشفافية والنزاهة دون تجسيد حق النفاذ الى المعلومة.

تعيين مكلّف بالنفاذ إلى المعلومة في كلّ مؤسسة تتمتّع بالتمويل العمومي 

وأبرز رئيس النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين ناجي البغوري من ناحيته غياب الإرادة السياسية في تطبيق القانون المتعلق بحق النفاذ إلى المعلومة المصنف حسب تعبيره من افضل خمسة قوانين في العالم.

وطالب رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية والبرلمان بضرورة القيام بدورها في إجبار المؤسسات والهياكل العمومية بنشر وتحيين المعلومات الخاصة بها لتكريس الشفافية والتصدي للفساد ولتعزيز واسترجاع ثقة المواطن في الدولة.

وقال إنّ تطبيق هذا القانون يستوجب بالأساس وجود مكلف بالنفاذ إلى المعلومة  في كل مؤسسة معنية من رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة والولايات والوزارات والهيئات والمنظمات التي تتمتع بالتمويل العمومي مع توفير كل الإمكانيات المطلوبة له حتى يقوم بالنشر الاستباقي والحيني لكل المعطيات والمعلومات المتعلقة بالمؤسسة.

ودعا البغوري الى تضافر جهود كل الأطراف المعنية من مجتمع مدني وإعلاميين من أجل الدفع في اتجاه تطبيق وتفعيل كل القوانين التي من شانها ترسيخ المسار الانتقالي الديمقراطي في تونس على غرار قانون السمعي البصري وقانون حق النفاذ إلى المعلومة.

وتطرق نائب المدير العام لمنظمة اليونسكو معز شقشوق الى الدور الهام الذي تقوم به المنظمة بالتعاون مع هيئة النفاذ إلى المعلومة في تعزيز ثقافة النفاذ الى المعلومة باعتبارها وفق تعبيره عنصرا مهما في ترسيخ دولة القانون مضيفا في هذا السياق أنّ المنظمة عقدت مؤخرا دورات تحسيسية لفائدة عدد هام من الممثلين عن الهياكل العمومية قصد تعريفهم باهمية هذا القانون ومحتوياته.