عادل الأحمر: ولّــى شــاف...وشــي مـا شاف!
«من الصغرة وأنا كشّاف، كنت نحب نولّي شاف»: هكذا اعترف لي صديقي العيّاش ذات عشية، ونحن في قعدة أخوية، كلها ودّ وصفاء، بين خضرة وماء، لا تظللنا إلا السماء...لكن الأقدار لم تشأ أن تحقق له حلم الريادة، فقد خرج من الكشّافة قبل أن يرتقي إلى القيادة.
وعندما انتدب بالإدارة حط في مخّو وهو في أسفل السلم، أن يصعد يوما إلى رتبة «معلّم»، معناها يولّي شاف، العباد منّو تخاف. فالشاف، كما يقول العيّاش، موش لعبة، بل صاحب سيطرة وهيبة، يتحكّم في مجموعة من الموظفين، يأتمرون بأوامره، ويخضعون إلى مراقبته، يحسب عليهم أنفاسهم أشدّ حساب، وله عليهم سلطة الثواب والعقاب، وتلك ألذّ سلطة لدى الشيفان، كما يراها العيّاش بحكم تجربته في الإدارة أزمانا وأزمان. فهو كموظّف صغير، يعرف ما معنى أن تكون تحت إمرة مدير، يضيّق عليك الخناق باسم الانضباط وحسن التسيير، واقف لك كيفما سؤال الملكين في القبر، شاهرا سيف العقاب مثل كف القدر، محاسبا بالدقيقة والثانية على أوقات الدخول والخروج، حتّى تولّي م الخدمة فادد وممروج. لكن ما لا يقوله العياش في هذه القضية، هو أنّه اختصاصي رقم واحد في الفصعة والشهادات الطبية، وحيّر كل الشيفان بعملاته الشيطانية. وبقدر كره العيّاش للمعلمية، كان حبّه لتحمّل المسؤولية. وهذا تناقض، كما يعترف العيّاش، لا يعلمه إلاّ من تقلّب في الأجواء الإدارية. لكن التناقض الأكبر الذي لا ينكره العياش كان بين طموحه إلى الصعود والارتقاء، وسلوكه المنافي لبلوغ القمّة الشماء. فالعيّاش لا يعرف قفّة ولا بندير، ولا صبّة ولا تكعبير، وهو لا يحسن التملّق والتزلف، ولا الكلام الجميل المتكلّف....وهذه صفات لا تحبّبك إلى مسؤول أو مدير، ولا يمكن التعويل عليها يوم الحسم الكبير. وزيد العيّاش ما عندوش أكتاف بالكل، وهذا عائق آخر ليس معه أمل.
لذلك قرّر العيّاش أن يعوّل على الزمن، وهو أحسن رفيق لمن يصبر على المحن. وبالفعل جا نهار وتحقّق المأمول، وولّى العياش مسؤول: «مسؤول صغير» كيف ما قالو الحسّاد، لكن ماهو إلّا شاف بالفم والملا في عينين العباد، تحتو موظّفين يأتمرون بأوامره، ويخضعون إلى مراقبته، باش يوّريهم النّجوم في القايلة، ويمشّيهم ع الحصحاص إذا سيرتهم معاه ماكانتش هايلة. ولن أروي لكم ماشهدته إدارة العياش والحومة، من متفرّحات قمقومة، بمناسبة هذا الحدث العظيم، ودخول العياش إلى جنّات النعيم.
ولم يمر يومان على تسمية العياش وتسلّم مسؤوليته، حتّى فاجأني بخبر استقالته، في زيارة فجئية، إلى بيتي عشية. ولمّا سألته عن الأسباب، أسرع بالجواب. قال العيّاش: «على غير عادتي عندما كنت مجرّد مستكتب إداري، قصدت الإدارة م الفجاري، لكي أعطي المثال في احترام مواعيد العمل، ولكن كذلك (وخاصّة) لأمسك بالكمشة الموظفين القادمين إلى الشغل دون عجل، فإذا بي أجد نفسي في مكاتب القسم وحيدا مثل الغول، بعد مرور أكثر من نصف ساعة على وقت الدخول، ثم بدأ الموظفون يتقاطرون، هذا في يده قهوة ولخرى كسكروت زبدة ومعجون، ولا أحد منهم اعتذر، أو إليّ نظر. ولما حمّرت عينيّ وهدّدتهم باستجواب، قد يليه عقاب، بعثوني نشيّت بكل أريحية، وثمّة حتّى شكون تمقصد عليّ»: «كان تحب تعاقب حد أهوكة قدّامك الميترو والكار، هوما لي عملو روتار !»، فما كان لي أن أعلنت الانسحاب، متوعدّا ومهدّدا بأشدّ العقاب.
«ولما انتهى الجماعة من فطور الصباح، وسكتوا أخيرا عن الكلام المباح، اعتقدت أنّ وقت العمل قد حان، فأخذت في توزيع العمل على الأعوان، لكني لم أجد إلّا وجوها عابسة، ومواقف رافضة، هذه تتعلّل بالمرض والتّعب، والآخر يرى نفسه مظلوما دون سبب: الخدمة الكل طايحة عليه، وغيرو لاحد سائل عليه، والثالث قال اشنوّه عندو خدمة مازال يكمّل فيها، وأنا بيناتهم كي الكورة يشوطو فيها. وعندما جمعتهم في مكتبي وحرّشت معاهم الكلام، أجابوني دون احترام. «ياخــي ناسي يا سي فلان، لي أحنا عملنا ثورة باش ماعادش نتهان؟ فبحيث افهم روحك قبل فوات الأوان!»، وخرجوا كلّهم في الحين، يالإضراب ملوْحين.
قال العيّاش: «وبالفعل فهمت روحي قبل ما يفهموني بالسّيف، وقلت لنفسي: «يزّي يا عيّاش م التشفشيف! خلّيك موظف تحكم بأحكامك، ولا شاف حد ما يسمع كلامك!»...
عادل الأحمر
- اكتب تعليق
- تعليق