آخر تطوّرات الحرب على اليمن: هل هي صحوة الضمير الإنساني؟ أم هو المكر السياسي الغربي المتجدّد؟
من المشروع، في نظري، أن نطرح هذين السؤالين بعد أن صدر في الثامن والعشرين من شهر أوت 2018 التقرير الذي أعدّه فريق الخبراء المستقلين الإقليميين والدوليين الذي شكّله مجلس حقوق الإنسان التابع لمفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، عن الوضع الإنساني والحقوقي في اليمن، خلال الفترة الممتدّة من سبتمبر 2014 إلى جوان 2018.
ومثلما هــو معلوم، فإنّ هــذا التقرير الذي يعدّ أول تقرير أممـــي من نوعه، تضمّن اتّهامـات خطيرة لمختلف أطراف النزاع في اليمن، وانتهى إلى أهم النتائج التالية:
- أنّ الاطـــراف الرئيســية في النزاع هي القوات المسلحة الملكية السعودية، والقوات المسلحة الإماراتية، والقوات المسلحة اليمنية، و«سلطات الأمر الواقع» من قيادات جماعة الحوثي المسلّحة.
- أنّ أفرادا في هذه الأطراف أي في الحكومة الشرعية اليمنية والتحالف العربي (المملكة العربيــــة السعــــودية والإمارات العربية المتحدة)، وفي «سلـــطات الأمر الواقع» من جماعة الحوثي، ارتكبوا أفعالا قد تصل إلى الجرائم الدولية، وقد أعدّ فريق الخبراء قائمة سرية في هؤلاء الأفراد، وقدّمها إلى مفوّض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان.
- أنّ أطراف الصراع ارتكبت وما تزال ترتكب جرائم وانتهاكات للقانون الدولي.
- أنّ غارات التحالف الجوية أسفرت عن وقوع أكثر الضحايا المدنيين، بشكل مباشر، وأنّ مناطق سكنية، وأسواقا وتجمّعات عزاء وأفراح، ومنشآت اعتقال، وقوارب مدنية، وحتى منشــآت صحية تعرّضت للقصف الجوي.
- أنّ لدى خبراء الفريق، بناء على الحوادث التي تمّت دراستها، أسبابا معقولة تجعلهم يعتقدون أنّه من المحتمل أن يكون أفراد في الحكومة اليمنية والتحالف قد نفّذوا هجمات تنتهك مبادئ التمييز والتناسب وواجب اتخاذ التدابير الوقائية، بما قد يصنّفها جرائم حرب.
- أنّ تحقيقات فريق الخبراء تؤكّد انتشار الاعتقال التعسّفي في أنحاء اليمن، وإساءة المعاملة والتّعذيب في بعض المنشآت، كما أنّ دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والقوّات الحكومية اليمنية متّهمة بانتهاك حقوق الإنسان، وبارتكاب انتهاكات صارخة في حقّ معتقلين يتعرّضون للصعق الكهربائي والاغتصاب.
- أنّ فريق الخبراء تلقّى معلومات تشير إلى أنّ حكومة اليمن وقواتها المدعومة من التحالف وقوات الحوثي - صالح قامت بتجنيد الأطفال واستخدامهم للمشاركة بشكل فاعل في الأنشطة القتالية. وفي معظم الأحيان تراوحت أعمار الأطفال بين الحادية عشرة والسابعة عشرة من العمر، مع ورود تقارير مستمرّة بشأن تجنيد أو استخدام أطفال في الثامنة من العمر.
- أنّ رئيس الفريق كمال الجندوبي، أكّد في المؤتمر الصحفي الذي عقده بمناسبة تقديم التقرير أنّ الانتهاكات التي تم توثيقها كانت «مروّعة»، وقد حثّ كل الأطراف على منح الأولوية لضمان كرامة البشر في هذا الصراع الذي وصفه بـ«المنسي»... كما حثّها على اتخاذ التدابير الضرورية لرفع القيود عن الدخول الآمن والعاجل للإمدادات الإنسانية وغيرها من السلع المهمّة للمدنيين، وعن تنقّل الأشخاص بما في ذلك عبر مطار صنعاء الدولي بما يتوافق مع القانون الإنساني الدولي.
- أنّ الفريق حثّ مجلس حقوق الإنسان على ضمان إبقاء الوضع في اليمن على أجندته، من خلال تجديد ولاية الفريق.
والمتأمّل في محتوى هذا التقرير، وما تضمّنه من اتّهامات صريحة وخطيرة لأطراف النزاع في اليمن، لا بّد أن يراوده نوع من الإحساس بأنّه قد يؤشّر إلى بداية صحوة الضمير الإنساني الذي ظلّ، على امتداد ثلاث سنوات ونصف، غائبا أو مغيّبا عن هذه الحرب التي يؤكّد مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، أنّها تسبّبت، حتى الآن، في مقتل 6600 وإصابة أكثر من 10500 مدني، ومن المرجح أن تكون الأرقام الحقيقية أعلى من ذلك بكثير.
فهل حقّا هي بداية صحوة الضمير الإنساني؟
إننّا نتمنّى ذلك، من باب التفاؤل، غير أنّ الواقع لا يتطابق، بالضرورة، مع ما نتمنى، ذلك أنّ ردود أفعال الحكومة اليمنية ودول التحالف العربي التي تدعمها على التقرير، لا تدلّ على أنّها تتّجه، في ضوء نتائجه، نحو مراجعة نهجها، والتراجع عن هذه الحرب العبثية الوحشية المدمّرة، ويكفي في هذا السياق أنّ نلاحظ أن هذه الأطراف قابلته بزوبعة من الانتقادات الشديدة فشكّكت في مصداقيته، وحياديته، ومهنيته، كما وصفته بالضّعيف جدّا وبأنه لا يختلف عن تقارير منظّمات المجتمـــع المدني غير الحكومية، أو أيّ تقارير إعلامية أخرى، وعابت عليه عدم الدقّة والارتباك والفوضى في استعمال المصطلحات وانتقاء التسميات...
على أنّ الأخطر من ذلك هو الموقف الذي عبّر عنه وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي الذي أكّد في إحدى تدويناته أنّ «لكلّ أزمة تحدياتها السياسية والإنسانية، ولكن يبقى الأساس في أزمة اليمن قيام التحالف بدوره نحو استعادة الدولة اليمنية، وحفظ مستقبل المنطقة من التغوّل الإيراني وتقويض أمننا لأجيال قادمة، هــــذه هي أولويتنا وعلينا انطلاقا منها القيام بما يلزم على الصعيد الإنساني والإغاثي والتنموي».
وقد أضاف في تدوينــة أخــرى قائلا إنّ «الحروب تحمل في طياتها آلامها وأفغانستان والعراق وسوريا شواهد، ولكنّنا في خاتمة المطاف مسؤولون عن أمننا واستقرارنا وهنا أولويتنا».
ولا يحتــاج هذا الكلام الى بيان أو تبيين، فهو يحمل رسالة واضحة إلى الدول لا سيّما الغربية منها التي تدعم التحالف العربي ولكنّها لا تتورّع عن انتقاد ممارساته في اليمن، بأنّ عليها أن تتذكر سلوكها هي في البلدان التي تدخّلت أو تتدّخل فيها، كما يؤكّد، بالتالي، أنّ التحالف مصرّ على الاستمرار في الحرب، وربما في نفس الممارسات، حتّى تحقيق غاياته.
وهذا الموقف هو الذي يدفعنا الى طرح السؤال الثاني، أي هل يكون التقرير في نهاية المطاف مجرّد إفراز من إفرازات المكر السياسي الغربي القديم الجديد في تعامله مع الأوضاع والقضايا العربية عموما؟
إنّ العديد من القرائن تدلّ على ذلك وهي إجمالا تتمثّل فيما يلي:
1 - أنّ نشـــر التقرير جاء أيّاما معدودات بعد عملية قصف الحافلة المدرسية التي أودت يوم 09 أوت 2018 بحياة 51 مدنيا منهم اربعون طفلا، وقد أثارت هذه «المجزرة» ضجّة كبرى في العالم بأسره، وحُمِّلَت المسؤولية عنها لا للطيران العسكري السعودي وحده، بل أيضا للولايات المتحدة الأمريكية التي تزوّد المملكة بالأسلحة الفتّاكة التي تستخدمها في تقتيل اليمنيين.
وانطلاقا من أن القنبلة المستخدَمَة في قصف الحافلة وهي قنبلة موجّهة بالليزر ويبلغ وزنها 227 كيلوغراما كانت أمريكية الصنع فقد كان من الضروري أن تحاول الولايات المتحدة تبرئة نفسها سواء من خلال الايعاز بالتعجيل بنشر تقرير فريق الخبراء، أو من خلال تكرار التصريحات التي تتحدث عن إمكانية تقليص الدعم العسكري والاستخباراتي للمملكة إذا لم يبذل السعوديون جهداً للحد من قتل المدنيين في الغارات الجوية.
وتجـــدر الملاحــــظة أن المملكة العـــــربية السعودية وجدت نفسها مضطرّة للإقرار، يوم 01 سبتمبر 2018، بأن عملية قصف الحافلة المدرسية كانت نتيجة خطإ، غير أنها واصلت تحميل الحوثيين المسؤولية عن هذا الخطإ، لأنهم يستخـــدمون المدنيين كــدروع بشرية.
2 - أن فريق الخـــبراء الذي أعـــد التقرير كان برئاسة كمال الجندوبي التونسي العربي وكأن الذين شكلوا الفريق أرادوا أن يكون الشاهد على مرتكبي «الفظاعات في اليمن» من أهلهم، أي من العرب، تدعيما لمصداقية شهادته واستبعادا لأيّ تهمة بالتحيز وعدم الموضوعية لو كان الرئيس أجنبيا...
ومن المهم في هذا السياق أن نلاحظ أن الولايات المتحدة أعربت عن «قلقها» مما جاء في التقرير من انتهاكات محتملة للقانون الدولي، وأكدت أن «لا شيء يبرّر مثل هذه الجرائم إذا كانت حدثت فعلا» ودعت أطراف النزاع إلى «اتخاذ الإجراءات الضرورية لتفادي مثل هذه الانتهاكات»، غير أنها، في مقابل كل ذلك، لم تتخذ أي قرار بتقليص الدعم الأمريكي للتحالف العربي، بل إنها حرصت على التأكيد مجدّدا على أنّ الرياض «حليفة استراتيجية» لها.
وليس هذا فحسب، فقد اكتفى وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس الذي أقر بان «كل خطأ مأساوي»، بالدفاع بقوة عن التحالف العربي، وقال إن الدعم الأميركي له «ليس غير مشروط» وأن «على السعوديين بذل ما بوسعهم انسانيا لتفادي أية خسارة لنفس بشرية بريئة ودعم عملية السلام التي ترعاها الأمم المتحدة»، وإلى ذلك فإنه من غير المتوقع، في نظر المراقبين، أن يوافق الرئيس الأمريكي غريب الأطوار دونالد ترامب الذي يرى في السعوديين حليفا رئيسيا، على تخفيض الدعم الذي تقدمه واشنطن للرياض.
3 - بالنظر إلى ما تقدم، يٌخشَى ألا يكون التقرير سوى وسيلة من وسائل التمويه وذر الرماد في العيون، وألا يكون سوى أداة من أدوات الاستمرار في الابتزاز السياسي والمالي لدول التحالف العربي، لا فحسب حتى نهاية الحرب، بل حتى بعد نهايتها، إذ ستُفتَح، يومئذ على مصراعيها، أبواب المحاسبة والمعاقبة على جرائم الحرب وانتهاكات القانون الدولي التي وثقها التقرير...
وعلى كل فإن غدا لناظره قريب، وما من شك أن تعثّر انطلاق محادثات السلام التي كان من المقرر أن تبدأ بجنيف يوم السادس من سبتمبر الجاري بين الحكومة اليمنية والحوثيين برعاية الأمم المتحدة، لا يدعو إلى التفاؤل، وهو قد يؤكد أن لا بصيص ضوء يلوح في أفق تدرج النزاع في اليمن على طريق الحل.
محمّد ابراهيم الحصايري
- اكتب تعليق
- تعليق