محسن بن عيسى: عندما نخطئ في فهم وترسيخ العقيدة الأمنية
العقيدة الأمنية موضوع مطروح وقابل للجدل اختلفت الآراء فى تحديد مفهوم هذا الاصطلاح ولازالت تتضارب إلى اليوم، والحال أنّ هناك وثائق ونصوص وتقاليد أمنية ومهنية يُفترض أن تكون راسخة وواضحة لترسم ذاتيا طبيعة وحدود هذه العقيدة.
هناك هاجس كبير ينتاب الكثير تجاهها بالنظر لبعض التجارب العربية التي انحرفت فيها بانحراف النهج السياسي والطائفي والقومي، وانزلاقها إلى مسارات قادتها إلى تفتيت المجتمع والدولة. وهذا أمر وارد فالعقيدة على هذا المستوى إذا انحرفت ينحرف معها العمل الأمني بمختلف تفرّعاته وتنحرف معها الاستراتيجيات الأمنية التي هي أساسها. ومثلما نرى،فالقضية مطروحة بإلحاح في سياق الرؤى السياسية المتعدّدة والتحديات الطارئة لدينا في مشهد وطني يتّسم بالانشقاقات والاختراقات والتجاذبات والولاءات.
ما هي العقيد الأمنية؟
أطرح هذا السؤال لأني أعلم وأنّ هذا المصطلح بقدر ما هو مألوف في الأدبيات الأمنية فهو مجهول لدى الكثير من الحاملين للزّي أو المدنيين. وبالرغم من ممارسة هذا المضمون في المهام الأمنية بشكل أو بآخر إلا أنّ هناك افتقارا إلى المعرفة العميقة بحيثيّاته وإطاره ومستوياته.
العقيدة الأمنية هي تعبير عن وجهات النظر الرسمية بخصوص الأمن بما يتوافق مع طبيعة التحدّيات والتهديدات، وتمتدّ من أعلى التنظيمات السياسية في الدولة لتتدرّج حتى أدنى المستويات على الميدان.
وهي بذلك مجموعة من القيم والمبادئ التي تهدف إلى إرساء نظريات واستراتيجيات وبناء قدرات لضمان جاهزية قوات الأمن الداخلي بما يحقق الأهداف والمصالح الوطنية وليس المصالح الشخصية.
وعلى هذا المعنى فهي تشمل الأسس الأمنية التي تقررها الدولة و تبني عليها القوانين الأساسية للهياكل الرسمية، كما تضمّ كل الإجراءات المعنوية والسياسية لدعم ودفع العمل الأمني على الصعيد الوطني.
وتتفرّع عن "العقيدة الأمنية العامة " ما يمكن أن نسميه "عقيدة رجل الأمن"، وهي عقيدة مهنية بحتة متعلقة بالعمل الأمني ودور رجل الأمن ومهامه أثناء تأديته لواجبه. وتتعدى الخدمات لتندرج كطريقة حياة ومبادئ راسخة لديه.
ومن الأساسيات التي تبنى عليها العقيدة الأمنية على مختلف مستوياتها هي دروس الماضي وخلاصة التجارب. ويعتبر التاريخ الأمني سندا فعالا لبنائها وتطويرها، لأنه حصيلة خبرة وتجارب فرضت نفسها. ولذلك نجدها تتأثر بالذاكرة والتاريخ وترتبط بالمبادئ التي تلتزم بهاالدولة أو الأمة.
قضية الأمن على الحدود
لا شك أنّ مصادر التهديد والتغيرات التي تحدث على المستوى الاقليمي لها تأثير واضح على الاستراتيجيات الأمنية الحدودية ومستوياتها. ويلعب هذا العنصر دورا كبيرا في تطويرها من مقومات ضمان الأمن القومي ومواجهة التهديدات المفترضة إلى حماية أمن المواطن على الحدود وداخلها. وتأتي لعبة التوازنات الاقليمية والدولية ومحاولات اختراق السيادة واستباحة الحدود لتعطي أمن الحدود أهمية كبرى.
صحيح أنّ التدابير الأمنية على الحدود أسهمت في الحد من انتشار التهديدات وفي حماية حدود البلاد، وصحيح أيضا أنّ مسارات التعاون مع دول الجوار حقّقت هي الأخرى بعض النتائج، ولكن لازلنا نسمع باختراقات بما يوجه التفكير إلى العودة إلى تجاربنا..إلى تأطير وتعبئة المواطن على الحدود وإجراء تعديلات في النظريات الجارية.
لقد كان سكان الحدود رفقاء لنا وأعين ساهرة إلى جانبنا في هذا الفضاء الشاسع. أذكرالكثير منهم بكل خير على وطنيتهم الصادقة وتشبّعهم بقدسية الأرض على صعوبتها وشحّتها واعتزازهم بالتعاون معنا.
لقد ساعدنا هذا "الحزام المدني" المتقدّم على تطهير الحدود من العناصر الإجرامية وعصابات التهريب والمتسلّلين. حماية الحدود مهام توارثناها في الحرس الوطني منذ الاستقلال، خبرنا فيها الصحراء والبحر والجبال. مراحل عديدة قطعها هذا السلك للقيام بدوره على أكمل وجه. لازالت مجالات الإصلاح والتطوير مفتوحة و لعلّ أبرزها رفع الالتباس الذي بدأ يظهر منذ 2011 حول المسؤولية الكاملة لهذا السلك على الحدود، وعن طبيعة التعاون وحدوده مع بقية الأجهزة الأخرى.
أعلم أنّ جانبا من تاريخنا وتقاليدنا أصابه كبقية المؤسسات والهياكل شيء من التشويه والتقليل من القيمة والنيل من الفاعلية، ولكن على أجيالنا الصاعدة التشبّث بقيمنا وهويّتنافهي العمود الفقري لخصوصيات الحرس الوطني ومكوّناته الأمنية وإضافاته الحضارية.وبناء على ذلك فالاعتزاز بمكتسباتنا والمحافظة عليها وتعهّدها مسؤولية ورسالة وواجب.
إنّ أعظم الممارسات قسوة أن تهدم الأجيال الصاعدة ما ورثوه عن أسلافهم من تجارب وقيم ومبادئ.
محسن بن عيسى
العقيد متقاعد من الحرس الوطني
- اكتب تعليق
- تعليق