عبد الحميد الجلاصي: سي المولدي الرياحي، رجل المباديء والقرارات الصعبة
-1- للسياسة ايضا بعض المزايا.
إنّها تتيح لنا فرصة اكتشاف شركاء رائعين. تنتقل العلاقة من مساحة المشترك في البرامج الى التواطيء الإنساني.
مرحلة الترويكا كانت كسرا لقوالب جاهزة تسوق لثقافة الخصومات و متانة الجدر بين الدكاكين الأيديولوجية. رجال و نساء تجاوزوا مخاوفهم وشكوكهم ليلتقوا على أرضية الممكن من الحلم . وبموازاة النقاش حول المشتركات وصعوبات الإدارة كانت عملية تأمل واكتشاف لما خلف الأقنعة.
2- عشرات الاجتماعات التي كان يحتضنها مقر النهضة باريانة او إحدى قاعات القصر الرئاسي بقرطاج شكلت محطات للتشاور من أجل قيادة صناعة تونس ما بعد الثورة.
لم يغب سي المولدي الرياحي عن اي من تلك المحطات ولا عن اجتماعات قصر الضيافة بقرطاج أواخر ربيع وبداية صائفة 2013 لصناعة التوافقات الوطنية حول دستور جمهوريتنا الثانية.
يذكر البعض انضباط كانط للحد أنّ البعض كان يعدل ساعته على توقيت مروره في جولاته اليومية .
سي المولدي ايضا كان مدرسة في الانضباط والدقة والمنهجية.
لم تكن كراسته تفارقه وفيها يسجل كل شيء .كان عقلا مولعا بالكليات والخلاصات ، وكان عقلا يبني ويبحث عن المشتركات.
وكان من تلك المدرسة التي تلعب بأوراق مكشوفة في السياسة.
هو رجل تعاقدات. صريح في قول لا، وفي عند قول نعم.
3-السياسة عند سي المولدي حلم ومشروع. يعرف عادة كيف يختار موقفه وموقعه . ويعرف كيف يزاوج بين الواقع والمباديء، فلا يجور أحد الشريكين على صاحبه.
- ساهم في بناء حركة الديمقراطيين الاشتراكيين عندما كان مشروعا لكسر التفرد تحت مباديء الديموقراطية و الاشتراكية والعدالة الاجتماعية.
- وساهم في بناء التكتل عندما انحرفت الحركة الام عن المباديء و النهج.
- وكسر قالب الصراع الأبدي بين الإسلاميين و العلمانيين عندما بعد الثورة على التقارب و التشارك.
- بعد الانتكاسة الانتخابية لخريف 2014 كان احد المؤمنين بحاجة البلاد للتكتل،فقاوم دواعي الإحباط وهي كثيرة ،و بث الامل، وتلك عادته .
- أثناء المؤتمر عرف كيف يتأخر، وذلك من أخلاق الكبار .
4- في منتصف سبعينات القرن الماضي كنت تلميذا بالمعهد الثانوي بقليبية.
أساتذة اللغة والآداب الفرنسية ساهموا في تشكيل وعيي السياسي . بعضهم كان يطلعنا على مقالات منتقاة من Le Monde أو افتتاحيات بن يحمد في Jeune Afrique في سياق مناهضة الاستعمار والاحتفاء بالعالم الثالث وتيارات المقاومة الثقافية
والسياسية فيه.
وكانت الروايات محامل للنقاش وتعميق الوعي في مواجهة حضارة التشيئة و الاستعباد : Le docker noir,Elise ou la vraie vie,325 mille francs... كانت الاآسة التليلي إحدى أساتذتي...كانت صارمة ، وهادئة،و جدية ... بعد أربعين سنة أكتشف انها زوجة سي المولدي، ولاكتشف أيضا أنّ سي المولدي دشّن حياته المهنية أستاذا شابا في نفس المعهد، ولأحظى بشرف ترشف فنجان قهوة من يدي استاذتي.
5-اعرف أنّ "الرجل الشجاع "لم يغادر مجال المعركة . فالبلاد تحتاج لرجال و نساء من طينته. التحزب ما هو إلا صيغة من صيغ الخدمة الوطنية.
يمكن إن توجد صيغ أخرى. والبلاد تحتاج الخبرة و الذكاء والمصداقية .تحتاج صنفا، نسميه الحكماء.
قد يكون من حقهم على الوطن أن تتوفر لهم الأطر التي تستفيد منهم.
6- سي المولدي : اتشرف ان تكون احد اصدقائي. لا زلنا شركاء في المباديء و الطريق.
الأصدقاء في التكتل والعائلة الديموقراطية الاجتماعية :التوازن الحزبي والسياسي والثقافي في البلاد يحتاجكم.
عبد الحميد الجلاصي
- اكتب تعليق
- تعليق
شكرا جزيلا سي عبد الحميد على مودّتك و رفعة أخلاقك و إخلاصك في الصداقة. أنا معتزّ بهذه الشهادة التي أدليت بها في موقع " ليدرز " باللغة العربية تجاه شخصي، على إثر إعلاني الاستقالة من كلّ هياكل حزب التكتّل. فعلا، إنّه قرار صعب على النفس و على الفكر بالنسبة إلى مسؤول مؤسّس، لكنّ الأهمّ - كما وضّحت في بيان استقللتي - هو الثبات على مبادئ الحريّة و العدالة و الكرامة، و الثبات على خدمة تونس و علويّة مصلحتها و استقرارها، خاصّة في هذه الظروف الصعبة التي تمرّ بها البلاد. لك منّي خالص المودّة و التقدير، و كذلك إلى صديقتي النائبة المؤسّسة منية إبراهيم زوجتك المحترمة النائب المؤسّس المولدي الرياحي