أخبار - 2018.08.01

عامر بوعزة: هل يعتبر نقد الحكومة جلدا للذّات؟

عامر بوعزة: هل يعتبر نقد الحكومة جلدا للذّات؟

يعتقد الوزراء في تونس أن الشعب يعاني من مرض اسمه «الإفراط في جلد الذات»، فالأرقام التي يعتمدونها للتدليل على سلامة الأداء الحكومي تصطدم غالبا بالتهكّم واللامبالاة، ولا تقوى على مجابهة سيل من الوقائع والأحداث يتداولها الناس ليؤكدوا أنّ البلاد ليست بخير. من ذلك حديثهم عن انقطاع الماء والكهرباء في أوج الصيف واختفاء الحليب من المغازاتوالأدويةمن المستشفيات والصيدليات، فضلا عما يتردّد بخصوص تراجع مستوى المدرسة العمومية وتطور أصفارها، وتردي خدمات الناقلة الجوية وحكاياتها،وقصّة القطار العجيب الذي قطع المسافة بين ضاحيتين دون سائق، وغيرها من القصصالمؤلمة والمسلّية في آن معا، تلكالقصص التي يعجّ بها الفايسبوك تقضّ مضجع السياسيين في منصّة السلطة لأنها تعكّر صفو اطمئنانهم إلى الأرقام التي تقدّمها لهم مؤسّسات الإحصاء عن تطوّر المؤشّرات الاقتصادية وتحسّن الأوضاع الاجتماعية وارتفاع عدد السّواح، الخ

في تعقيبه على تدخّلات نواب الشّعب أثناء الجلسة المخصّصة لمنح وزير الداخلية الجديد الثّقة عاب يوسف الشاهد رئيسُ الحكومة على التونسيين ممارسة «جلد الذّات» متسائلا: لماذا لا يكذّب الناسالاّ الأرقام الجيدة ويتقبّلون بسهولة كلالمؤشرات السلبية؟، وقبله بأيام قليلة رفض عماد الحمامي وزير الصحة عند سؤاله في إذاعة موزاييك عن الأدوية المفقودة الردّ علىما سمّاه«كلام الفايسبوك»،وتجاهل ملاحظة الصحفية بأن الذينيكتبون ذلك الكلام هم من كبار الأطباء وأن مواقع التّواصل الاجتماعي تُعتمدُ حتى من قبل رئاسة الحكومة ذاتها، وتمادى الوزير في تناقضاتهوامتداح سائقه الشخصي القادر على استحضار أي دواء «يُشاعُ» أنه مفقود! هذان مثالان يظهران بوضوح أن هناك «سوء تفاهم» بين الحاكم والمحكوم في تونس اليوم،فالحكومة تعتبر النقد الذي يمارسه المواطنون مرضا،واستخدام عبارة «جلد الذات»يتعمّد الإشارة إلى المازوشية التي تقترن فيها اللذّة بالألم،وهذا الموقف لا يختلف كثيرا وإن بدا مثقفا ومتعالما عن مواقف السّاسة في ظلّ الاستبداد عندما يعبرون دائما عن استعدادهم لتقبّل النّقد شرط أن يكون «بنّاء» معتبرين مآخذ المعارضة مؤامرة على سمعة الوطن وصورته في الخارج.

كل الحكايات التي يتداولها الناس تتّصل بمصاعب الحياة اليومية في ظلّ ارتفاع الأسعار وتردّي الخدمات الأساسية في قطاعات الماء والكهرباء والصحة والتربية والنقل والإدارة، وهي تنبئ بانهيار الاستقرار الاجتماعي وشيكا وما يمكن أن ينجم عن ذلك من فوضى وعنف واستهتار بالقانون، إن الشعب ببساطة يتحدث عن حاضرهالمرير ومستقبله الغامض بما يعكس انعدام الشعور بالأمن النفسي وهنا يتجلى بوضوح الإخفاقُ الحكومي، فمن الصعب تكذيب هذا الواقع الذي يتخبّط فيه الانسان ومن المستحيل الاعتقاد في أن الغد سيكون أفضل ولا شيء يدلّ اليوم على ذلك فعلا. وهكذا تفقد الأرقام والإحصاءات كل معنى لأنها حتى وإن كانت صحيحة وواعدة فهي الآن وهنا لا تسمن ولا تغني من جوع. ولا يمكن البتة مداواة الفقر بعبارات المواساة وخطابات التفاؤل.

إنّ ما تسميه الحكومة «جلد الذات» هو أيضا إفراط في ممارسة حرية التعبير على منصّات التواصل الاجتماعي، وبما أن الحكومات المتعاقبة منذ الثورة لم تستطع تغيير حياة المواطنين نحو الأفضل فإنّ هذه الحرية هي الشيء الوحيد الذي يُشعر الناس أن حياتهم تغيرت، والغريب أن هؤلاء السّاسة ذاتهم يسارعون عند الإشارة إلى تقهقر الواقع الاقتصادي والاجتماعي وتراجعه عمّا كان عليه قبل الثورة إلى اعتبار البؤس ثمنا معقولا للحرية. لكنهم في تذمرهم من النقد يودون لو استطاعوا إطفاء هذه الشمعة الوحيدة التي تضيء النفق.

عامر بوعزة
 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.