مشاركة السفير محمد إبراهيم الحصايري في ندوة "دور المغاربيين في دعم نضالات فلسطين" بالرباط

 مشاركة السفير محمد إبراهيم الحصايري في ندوة "دور المغاربيين في دعم نضالات فلسطين" بالرباط

تحت عنوان "من أشكال الحراك الداعم للقضية الفلسطينية في تونس ما بعد 14 جانفي 2011: تجريم التطبيع نموذجا" قدم السفير السابق ومستشار هيئة تحرير "ليدرز العربية" محمد إبراهيم الحصايري عشية يوم الاثنين 09 جويلية الجاري مداخلة في الدورة الثالثة من ندوة"دور المغاربيين في دعم نضالات فلسطين"التي انعقدت، هذه المرة، يومي 09 و10 جويلية 2018 بالرباط، بالتعاون بين مركز جامعة الدول العربية بتونس والمندوبية السامية المغربية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير.

وفي مستهل مداخلته، أوضح السفير محمد إبراهيم الحصايري أنه اختار الحديث عن هذا الموضوع لأنه أراد أن يطرق باب الحاضر، وأن يتطرق الى موضوع من "الزمن الراهن" مواكبةللأحداث المتسارعة في هذه المرحلة غير المسبوقة من تردّي واقع العرب، وليس واقع الأمة العربية، إذ لم تعد هناك أمة عربية وانما أشتات أمة...

وبداية، لاحظ أن هناك شبه إجماع على أن "الزلزال" الناجم عمّا سمّي بثورات "الربيع العربي" أدّى فيما أدّى إليه، إلى فقدان القضية الفلسطينية وهجها المعهود، وإلى تراجع حضورها في المشهد السياسي العربي على الصعيدين الوطني والإقليمي، حتى بات البعض يشعر بأنها سقطت أو كادت من وجدان العرب فرادى وجماعة...

وقال إن ذلك يعتبر ذلك واحدة من أغرب المفارقات التي تمخّضت عنها ثورات "الربيع العربي" التي قامت من أجل المطالبة بالحرية والكرامة، لكنها قلّصت، على غير ما هو منتظر منها، من الاهتمام بمأساة أكثر شعوب الأرض حرمانا من الحرية والكرامة في ظل أفظعأ استعمار استيطاني مقيت عرفه التاريخ.

وقد أرجع هذه المفارقة إلى المآلات التي عرفتها ثورات "الربيع العربي"، والتي أنشأت عند المواطن العربي "جغرافيا ذهنية" جديدة، جعلته لا يهتم بما وراء الحدود القطرية، كما جعلت الأنظمة الحاكمة التي جاءت بها الثورات تبدو وكأنها أسقطت القضية الفلسطينية من حسابها، ولم تعد تخفي تبرّمها بها، وباتت، في حالات عديدة، تعتبرها عائقا دون تطوير علاقاتها الدولية.

وقد استعرض بعد ذلك أسباب "الانفضاض" العربي من حول القضية الفلسطينية، فأرجعها الى عدة عوامل منها انتشار الإرهاب في بلدان المنطقة وفي العالم، وهو ما أدى إلى تبديل الأولويات وتغيير التشريعات الوطنية والدولية، والى إعادة رسم الحدود والمجالات، وإلى بدء معارك مستجدّة، تحت عناوين مغايرة تماما، على غرار محاربة الإرهاب والتطرف، ومكافحة الجريمة المنظمة وغيرها... ومنها تواصل بل واتساع الشرخ بين الفصائل الفلسطينية في ظل هذه التحولات الإقليمية والدولية الكبيرة التي أفرزت خلطا متعمّدا بين مفاهيم الإرهاب والتطرف ومفاهيم المقاومة والكفاح الوطني...

ومنها تخلي السلطة الوطنية الفلسطينية عن خيار المقاومة بشكل يكاد يكون كليا ونهائيا، ووقوع الدول العربية المعروفة بدول الممانعة والمقاومة ضحية للغزو الخارجي تارة وللحروب الاهلية أو لكليهما تارة أخرى، وذلك الى جانب تعدّد وتفاقم الصعوبات التي تعترض الدول العربية التي مستها ثورات "الربيع العربي" والتي نجت من الحرب والاحتراب، حيث أنها ما تزال تتخبط في مرحلة الانتقال الصعبة التي فرضت على سلطاتها الجديدة تركيز جهودها على الحفاظ على استقرارها الداخلي الهش،كما فرضت على شعوبها الانشغال بمشاكلها الداخلية السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

كما أرجعها من ناحية أخرى إلى اعتلاء "الإسلام السياسي" سدة الحكم في معظم الدول التي مستها ثورات "الربيع العربي"، واخفاقه في إدارة شؤونها لعدم درايته وقلة خبرته بالممارسة السياسية الميدانية، وإثارته لكثير من المخاوف الداخلية والخارجية، والى استغلال اسرائيل لانشغال العرب والعالم بثورات "الربيع العربي" للتصعيد من وتيرة الاستيطان، وتهويد في القدس وقمع الشعب الفلسطيني ومحاصرة ومحاربة قطاع غزة وهو ما قضى على أي إمكانية لتجسيم حل الدولتين.

وعموما فقد لاحظ أن إصابة العقل السياسي العربي بما يشبه الخلل الاستراتيجي في التفكير جعله قاصرا عن البحث عن بدائل أو على الأقل عن روافد لتحالف العرب الحصري مع الولايات المتحدة الأمريكية والغرب، وعن إقامة تحالفات مع دول عظمى أخرى مثل الصين وروسيا والهند، وعن تحسين علاقاته مع دول الجوار الإقليمي (تركيا وإيران التي تحولت الى عدو بعض العرب الأول، بدلا من اسرائيل).

غير أنه استدرك ليؤكد أن ما تقدم لا ينفي وجود نقاط ضوء تنير، ولو قليلا، النفق المظلم الذي تردت فيه القضية الفلسطينية، ومما يدل على ذلك، في رأيه، الحراك الشعبي الذي قوبلبه نقل سفارة الولايات المتحدة الامريكية الى القدس، في أواسط شهر ماي الماضي، حيث أن هذه الخطوة المستفزّة أعطت دفعا للمحاولات الرامية الى تجريم التطبيع مع إسرائيل وتحريمه، في تونس وفي العديد من الدول العربية الاخرى.

وبعد أن ذكر بإن الحراك من أجل تجريم التطبيع في تونس حراك قديم سابق على 14 جانفي 2011، تطرق الى أهم المحطات التي عرفها بعد "الثورة"، بدءا بطرح موضوع تجريم التطبيع على مجلس الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي، ثم على المجلس الوطني التأسيسي بعد انتخابه في 23 أكتوبر 2011، وانطلاق مناقشاته حول الدستور التونسي الجديد، ثم وبعد رفض المجلس التنصيص على تجريم التطبيع في صلب الدستور أو في التوطئة أو في باب المبادئ الأساسية، اقتراح اصدار قانون تجريم التطبيع...

وفي أواخر سنة 2016 احتد الجدل حول هذه المسألة من جديد، وذلك عقب عملية اغتيال المهندس محمد الزواري في ولاية صفاقس يوم 15 ديسمبر 2016، كما احتد مرة أخرى في أواخر سنة 2017 على إثر اعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قرار الاعتراف بالقدس 2017 المحتلة عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارة الولايات المتحدة اليها، إذ أعادت "الجبهة الشعبية 14 جانفي" طرح مشروع القانون الذي كانت تقدمت به سنة 2015، والذي تضمن ستة بنود تقضي بتجريم كل من يمارس التطبيع مع إسرائيل بأي شكل سواء كان سياسياً أو اقتصادياً أو ثقافياً أو غيره...

ومعلوم أن تحرك الجبهة لقي داخل المجلس دعما كبيرا من قبل كتل مختلفة، وهو ما مكنها من جمع أكثر من مائة توقيع على رسالة تدعو الى الإسراع في مناقشة مشروع قانون تجريم التطبيع، وبناءً عل ذلك أُدرج المشروع في جدول أعمال لجنة التشريع العام، من أجل مناقشته، قبل تمريره إلى جلسة عامة للتصويت، غير أن امتناع المجلس عن عقد هذه اللجنة  اعتبر"تسويفا" منه ومن الحكومة، وهو ما أدى الى تنظيم وقفة احتجاجية امام المجلس، للضغط عليه من اجل "الكف عن المماطلة والتسويف"...

وفي 20 فيفري 2018 الذي كان من المفترض أن يشهد مناقشة مشروع قانون "تجريم التطبيع مع إسرائيل" في البرلمان، احتد الجدل بين نواب المعارضة ونواب الحزب الحاكم حتى وصل الى حد الاشتباك بالأيدي وتبادل الشتائم والاتهامات، وبالموازاة مع ذلك، نفذ عدد من النشطاء وقفة احتجاجية أمام المجلس احتجاجا على هذا التعطيل الراجع الى تمسك الائتلاف الحاكم أي حزب نداء تونس وحركة النهضة بتأجيل البت في شأنه بتعلة "مراعاة المصالح الاقتصادية لتونس وعلاقاتها الخارجية" و"ضرورة النظر في مشاريع قوانين أخرى ذات أولوية".

وبعد هذه الأزمة بيومين، وخلال الجلسة العامة المخصصة للاستماع لوزير النقل، انفعل النائب عن الجبهة الشعبية عمار عمروسية، بشدة، فقام بتمزيق العلم الإسرائيلي، واتهم رئيس مجلس نواب الشعب والائتلاف الحاكم بـ"الخيانة"، بسبب عرقلة المصادقة على مشروع القانون.

وبعد أن أقدم الرئيس الأمريكي دونالد ترامبعلى تنفيذ قراره المتعلق بنقل سفارة الولايات المتحدة الى القدس، تعددت التحركات المنددة بهذه الخطوة المستفزة الجائرة، ومن ذلك أن جمعية القضاة التونسيين والهيئة الوطنية للمحامين بتونس نفذا في 16 ماي 2018 وقفة احتجاجية دعوا خلالها مجلس نواب الشعب إلى الاسراع في اصدار قانون تجريم التطبيع.

كما دعت المنظمتان، أثناء هذه الوقفة، الحكومة إلى اتخاذ موقف واضح بخصوص نقل سفارة الولايات المتحدة الأمريكية إلى مدينة القدس، وتبليغ هذا الموقف للإدارة الأمريكية.

ومما لا شك فيه ان حالات المدّ والجزر التي عرفتها هذه المسالة راجعة إلى أن موضوع تجريم التطبيع كما يقول النائب سالم الأبيض "موضوع معقّد وصعب ويدخل في باب المحرمات السياسية".

ويرى السفير محمد إبراهيم الحصايريأن هذا هو الذي يفسر إخفاق المحاولات المتكررة لتجريم التطبيع، وهو يعتبر أن أول وأكبر معرقل للتحرك في هذا الاتجاه يتمثل في الضغوط الدولية التي سلطت وتسلط على تونس كلما تمت إثارة هذا الموضوع، وبالفعل، فبمجرد أن تم التلويح بفكرة دسترة تجريم التطبيع حتى بدأت هذه الضغوط بأشكال مختلفة وعلى أصعدة متعددة.

وفي هذا الصدد، يؤكد القيادي في حركة النهضة الصحبي عتيق "أنّ القضية الفلسطينية هي القضية التي جمعت الشعب التونسي دون اختلاف، لكن مجرّد التلويح بتجريم التطبيع في المسوّدة الأولى من الدستور خلق نوعا من الضغوطات الدولية الكبيرة".

ومن جانبه اتهم حزب التيار الشعبي رئيس البرلمان الألماني والسلطات الفرنسية والأمريكية بـ"ممارسة ضغوطات سياسية" على قوى المجلس الوطني التأسيسي من أجل منع تجريم التطبيع مع إسرائيل في الدستور الجديد.

وخلال مؤتمر صحفي انعقد بمناسبة مرور ستة أشهر على اغتيال مؤسس الحزب محمد البراهمي في 25 جويلية 2013، قال زهير حمدي، منسقه العام إن "التراجع عن إقرار مادة تجريم التطبيع، جاء عبر قرار استعماري خاصّة من قبل ضغوطات السفارة الألماني بتونس ورئيس البرلمان الألماني إلى جانب ضغوطات أمريكية فرنسية"، كما حمّل بنفس المناسبة حركة النهضة المسؤولية الأولى عن عدم التنصيص على "تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني" بالنظر الى أنها كانت تتوفر على أكبر عدد من المقاعد في المجلس الوطني التأسيسي.

أما عن أسباب تحميل الحركة المسؤولية عن إخفاق المشروع، فهي تتمثل في أنها، على إثر صعودها الى سدة الحكم، كان عليها أن تؤكد مدى قدرتها على التأقلم مع طبيعة موقعها الجديد وتطويع خطابها لما يتلاءم مع مقتضيات التعامل مع اكراهات البيئتين الإقليمية والدولية، لا سيما من خلال التخلي او على الأقل تليين البعض من الشعارات الراديكالية التي كانت ترفعها، بخصوص عديد القضايا، وخاصة المتعلقة منها بالصراع العربي الصهيوني...

وبالفعل فإن هذه الحركة التي هي جزء لا يتجزّأ من تيار الإسلام السياسي الصاعد في أكثر من دولة من دول "الربيع العربي" استطاعت ان تثبت أنها قادرة على انتهاج مسلك سياسي واقعي وبراغماتي، واجتهدت في تعديل مواقفها، سواء من تلقاء نفسها أو من جراء الضغوط الدولية وحتى العربية في بعض الأحيان، أولا للحفاظ على موقعها في الحكم، وثانيا لتجنب التصادم مع القوى المهيمنة على العالم، وقد تجلى ذلك بكل وضوح في تراجعها السريع و"المدوّي" عن موقفها من مسألة تجريم التطبيع، بتبريرات لا تخلو من الغرابة على غرار ما جاء على لسان النائب الحبيب خذر الذي كان يرأس لجنة صياغة الدستور، حيث قال إنه  "لا داعي إلى النصّ على تجريم التطبيع، لأن دستور تونس سيكون أطول عمراً من دولة إسرائيل".

وعلى العموم يمكن القول إن الحركات الإسلامية استطاعت بناء علاقة تفاعلية تبادلية مع الدول الغربية مكنتها على الأقل حتى الان من تخفيف ضغوط هذه الدول عليها بمقدار ما تبديه هي من تجاوب مع رغباتها ومن مرونة في مواقفها من القضايا التي تهمها...

والى ذلك تنبغي الإشارة إلى أن إسرائيل أصبحت حسب تعبير أحد المحللين بمثابة "ملاح عولمي كبير" يتوفر على استراتيجية لاختراق العالمين العربي والإسلامي والتغلغل فيهما، وممارسة شتى أشكال الضغوط عليهما إما بشكل مباشر أو بواسطة الحلفاء، أو بالاعتماد على العملاء المنتشرين في مختلف ربوعهما...

ويرى السفير محمد إبراهيم الحصايريأن تجريم التطبيع، بالرغم من هذه المعرقلات وبالرغم من الإخفاقات التي عرفها حتى الآن، يبقى ويجب ان يبقى مطلبا قائما لأن الدوافع إليه والغايات المنشودة منه قائمة.

فـ"تجريم التطبيع هو بمثابة حصن أخير ينبغي اقامته من أجل منع توغّل الكيان الصهيوني في أعماق الدول العربية، ومن أجل الحيلولة دون تكرار ما تم من تطبيع مجاني خلال التسعينات من القرن الماضي، بعد مؤتمر مدريد واتفاقيات أوسلو.

وتأسيسا على ما تقدم، فانه من المهم مواصلة العمل على اعتماد هذا القانون بالاستناد الى تحرك عقلاني مدروس، مع محاولة الاستفادة من الحقائق والمستجدات التالية:

  • أن الحراك من أجل تجريم التطبيع يؤكد أن جذوة القضية الفلسطينية لم تنطفئ في وجدان الشعب التونسي والشعوب العربية رغم جميع الانهيارات السياسية والقانونية والدينية والاخلاقية والفكرية التي عرفتها القضية سواء على الصعيد الفلسطيني، أو الصعيد العربي والاسلامي، أو الصعيد الدولي...
  • أن حالة الوهن التي رانت على أغلب الأنظمة العربية لم تستطع أن تتسرب إلى الشعوب، وهو ما يجعل الامل في إمكانية إعادة الوهج الى القضية الفلسطينية في عمقها العربي والإسلامي، أمرا واردا وممكنا...
  • أن ثورات "الربيع العربي"، بالرغم من كل تداعياتها السلبية والمأساوية في بعض الاحيان، ساهمت في تحرير الشعوب العربية من عقدة الخوف التي تملكتها على امتداد عدة عقود حتى بات من الميؤوس منه أن تتحرك لتغيير واقعها. والامر المؤكد أن إحدى أهم نتائج هذه الثورات هي أنها غيرت الصورة النمطية للإنسان العربي الذي كان ينظر اليه على أنه انسان "مستكين، جبان، يقبل الدونية"، وهي أيضا أنها مهدت الطريق أمام الجماهير العربية لإجبار طبقاتها الحاكمة في العالم العربي على وضع رأيها في الاعتبار عند بلورة سياساتها تجاه إسرائيل، ومن المفترض ان يساعد ذلك على تكريس حالة القطيعة معها...
  • أنها أدت الى تداعي أنظمة الدول التي وقعت فيها، ووجهت رسائل تحذير الى بقية الأنظمة العربية وهو ما حفزها على القيام، بدرجات متفاوتة، بإدخال العديد من الإصلاحات والتغييرات التلقائية والسلمية.
  • أن الجهات والأطراف التي حلت محل الأنظمة المتداعية، عملت على الأقل في المرحلة الأولى من تقلدها السلطة، على تحقيق بعض تطلعات الشعوب فيما يتعلق بأساليب الحكم وإقرار الحريات وتكريس حقوق الانسان...
  • أن إمعان إسرائيل والولايات المتحدة في التغول قد يدفع بعض العرب إلى مزيد من الاستكانة والاستسلام، ولكنه لن يلبث أن يحفزهم على الرجوع الى الجادة، والبحث عن وسائل مستحدثة للممانعة والمقاومة.
  • أن التغيرات المرئية وغير المرئية الجارية في العالم العربي ستصبّ حتما في مصلحة القضية الفلسطينية التي تظل حية في وجدان الحراكات السياسية العربية وضميرها. 
  • أن هذه الحراكات تبشّر بإمكانية فتح الباب أمام قيام مشروع نهضوي عربي جديد، متماسك وقوي قد يُحدث تحولات سياسية واقتصادية واجتماعية عميقة من شأنها أن تغير موازين القوى في المنطقة، ومما يؤكد هذه الامكانية أن إسرائيل والولايات المتحدة والغرب عموما رأت في هذه الحراكات خطرا على أجنداتها في المنطقة فقابلتها بعدائية بينة، وعملت على حرف وتشويه مساراتها، وعلى تعطيل تنفيذ أهدافها وإجهاض أحلامها في المهد.

هذا من الناحية السياسية، أما من الناحية اللوجستية فلا بد من الإشارة إلى أهمية الدور الذي أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي تضطلع به في حياة المجتمعات، مما يحتم العمل على استثمارها بطريقة جيدة ومدروسة في خدمة القضية الفلسطينية، لا سيما من خلال العمل على كشف الوجه البشع للاحتلال الإسرائيلي، وايصال صوره ومشاهده اللاإنسانية للرأي العام العالمي، ومن خلال التنبيه الى خطورة تداعيات السياسات الأمريكية الجائرة والمخالفة للشرعية الدولية على الامن والسلم في المنطقة وفي العالم.

ومع ضرورة الحث على استعادة خيار المقاومة وشرعنته، من جديد، والدفع باتجاه تحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية والاتفاق على مشروع وطني فلسطيني جامع، في أقرب وقت ممكن، ينبغي العمل، بصبر وأناة ونفس طويل لا ينقطع، على مقاومة كافة أشكال التطبيع بالاعتماد على آليتين أساسيتين هما مواجهة نشر ثقافة التطبيع بنشر ثقافة اللاتطبيع، ومقابلة تكريم المطبعين والاحتفاء بهم بتقزيمهم والتشنيع عليهم...

كما ينبغي من ناحية أخرى أن يعمل المجتمع المدني على تحويل هذا الحراك النابع من أعماق الشعوب، إلى تيار شعبي حقيقي يكون أقوى وأبعد أثرا من جهاز المقاطعة العربية الذي ضيّعه تخاذل الأنظمة العربية... مع السعي إلى توسيع نطاقه وطنيا وعربيا واسلاميا وحتى دوليا إن أمكن... لكي يكتسب حدا أدنى من المناعة التي تقيه من عواصف الضغوطات الداخلية والخارجية التي ستعترض طريقه لا محالة... 

ومن الممكن أن يتحقق كل ذلك من خلال خلق شبكة من الروابط والجمعيات الساعية الى نفس الغاية في مختلف أنحاء البلاد العربية والاسلامية وحتى في غيرها من البلاد...

وعلى كل، فإن السفير محمد إبراهيم الحصايري يعتقد أن أي تقدم عربي باتجاه الديمقراطية سيصب في النهاية في خدمة القضية الفلسطينية، وسيضعف التحالف الإسرائيلي الأمريكي الغربي ومخططاته في المنطقة، وهو يذكر في خاتمة مداخلته، بما جاء على لسان الأستاذ عبد الرحيم الجامعي عن تجريم التطبيعفي الملتقى الوطني لمناهضة التطبيع الذي انعقد بالرباط في ماي 2010 وأسفر عن تأسيس المرصد الوطني لمناهضة التطبيع، حيث قال "إن استنطاق فلسفة القانون يمكننا من أن نكتشف أن التطبيع يدخل ضمن جريمة المس بالكرامة أو الشرف أو المركز القانوني لمؤسسة أو شخص، وبهذا فهو إرهاب ومعاملة مع الإرهاب وإشادة بالإرهاب. بل هو دفاع عن الإفلات من العقاب. كما أن التطبيع هو تعامل مع العدو، أي هو مسّ بكيان الدولة والمجتمع... وهو ما يستدعي فتح نقاش مع الفاعلين السياسيين والحقوقيين والبرلمانيين من أجل بلورة اتفاقية في هذا الاتجاه"... 

ويستخلص السفير قائلا إن نفس الملتقى دعا الى "خلق جبهات شعبية على امتداد الوطن العربي لمواجهة المشروع الصهيوني"، ومؤكدا أنه يثنّي على هذه الدعوة ويزكّيها.

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.