من اتّفاقيّة سايكس ـ بيكو إلى «صفقة القرن», قراءة في مسلسل المؤامرات على المنطقة العربيّة
تحلّ الذّكرى الحادية والخمسون لحرب الأيّام السّتة أو «نكبة حزيران 1967» والعرب غارقون في أزماتهم الاقتصاديّة والاجتماعيّة وخلافاتهم السّياسيّة المزمنة التي تحوّلت إلى حروب ضارية أتت على الأخضر واليابس في سوريا واليمن وليبيا. أمّا حكّامهم فهم اليوم أشبه بالوُكلاء في أرضهم للقوى الخارجيّة بعد تخلّيهم عن القيم والمبادئ والقيم المشتركة التي تظاهروا بالاجتماع عليها في مواجهة عدوّ اغتصب أرضهم وأهان كرامتهم.
لقد بنوا بيتهم العربي على أسس هشّة فبات أشبه بخيمة منفلتة الأطناب تتلاعب بها رياح تُبعثر في هبوبها قيَمَهُم وثوابِتَهم وقضاياهم مثل قضيّة فلسطين والقدس، التي طالما اسندوا إليها شرعيتهم. لقد أصبح أكبر همّهم الحفاظ على بقايا سلطة بلا سيادة تـُعْطَى لهم تَفَضُّلاً من قِبَلِ تلك القوى، وتراهم اليوم يلهثون خلف سلام واهم مع عدوّ غير مأمون الجانب يخفي في جعبته أشنع السّيناريوهات للتّحكّم لا في مصير المنطقة فحسب بل وفي مستقبل العالم العربيّ الإسلامي على امتداده. أمّا عن الشّعوب فلا تسأل، فرغم فوَرات الغضب العاطفيّة والخروج الصّاخب إلى الشّارع مع كلّ أزمة أو اعتداء طارئ، فإنّ اغتراب تلك الشّعوب يحول بينها وبين الوعي بفداحة المصير الذي تُجَرُّ إليه جرّا رغم تواتر والأحداث والمؤشّرات بمزيد التّمزّق والاستلاب والفوضى. والحقيقة أنّ مشكلة الشّعوب العربيّة لا تنحصر في التّهديدات الخارجيّة بقدر ما تتمثّل في اتّساع الهوّة بينها وبين أنظمة الحكم التي تقمعها وتصادر آمالها في الحريّة والكرامة والعدالة الاجتماعيّة، ويثبت التّاريخ الحديث للمنطقة العربيّة أنّ بعض أنظمتها السّياسيّة متواطئ ـــ أو في حكم المتواطئ ـــ مع القوى الخارجيّة على إذلال شعوبها واستغلالها؛ فهل لا يزال لهذه الأخيرة أملٌ ما في استفاقة تحيي ضميرها المحتضر فتنتفض لاسترداد إرادتها وإفشال المؤامرات الدّاخليّة والخارجيّة التي تحاك ضدّها لإبقائها في وضع الاستلاب والعجز عن بناء مستقبل أفضل؟
لم تكن هزيمة 1967 سوى نكبة في سلسلة نكبات بدأت مع اتّفاقيّة سايكس ـــ بيكو (1916) التي مرّ عليها اليوم قرن وسنتان، ولعلّها لن تكون الأخيرة في ظلّ الأحداث المتسارعة التي تعصف حاليّا بالشّرق الأوسط حيث القوى الخارجيّة تمضي على رِسْلِها مطمئنّةً في إنشاء القواعد العسكريّة وتوجيه سياسات الدّول بما يخدم أجنداتها ومصالحها، ولا تتوانى عن تغذية الصّراعات بين الأنظمة وإذكاء النّعَرَات الطّائفية والعرقيّة بين مكوّنات الشّعوب. وبينما يغرق أولو الأمر في حساباتهم الضّيقة، تستمرّ القوى المناوئة وعلى رأسها إسرائيل في مخطّطاتها الرّامية إلى تقسيم جديد للمنطقة من خلال مشاريع متنوّعة منها ما يُرَوَّجُ له حاليّا تحت مسمّى «صفقة القرن» برعاية دونالد ترامب، الهادفة إلى تصفيّة القضيّة الفلسطينيّة والعبث بمصير الفلسطينيين.
لماذا يعجز العرب عن استشراف المستقبل؟
وإزاء ذلك الواقع المتأزّم يتبادر إلى الذّهن سؤال مُلِحّ: هل حقّا هو ذهول من الأنظمة العربيّة إزاء مخطّطات التّقسيم تلك، المستمرّة على مدى قرن من الزّمان؟ لقد وعى قلّة من الحكّام بالأخطار المحدقة وحاولوا ـــ إلى حدّ ما ـــ شقّ طريق مستقلّ عن استراتيجيات القوى العظمى، غير أنّهم دفعوا في مقابل ذلك ثمنا باهظا تمثّل في تدمير أوطانهم وإلحاق بالغ الضّرر بشعوبهم. واختار آخرون الاستكانة والمهادنة طمعا في المحافظة على السّلطة، ولن يشفع لهم ذلك في ظلّ ما يتهدّد الجميع من مشروعات تقسيم لا تفرّق بين متطرّف ومعتدل ومُعادٍ ومُوال؛ فهل يُعقل أن يكون المهادنون على جهل بما يُطبخ للمنطقة من مؤامرات مرعبة بينما يتتالى نشر الوثائق المعلنة عنها بما لا يترك مجالا للشكّ في حقيقتها؟. إنّ الذّهول هنا هو ذهول شعوب لم يُتَحْ لها الانتقال من نظام الرّعيّة إلى نظام المواطنة فظلّت مغيّبة عن أيّ قرار يهمّ مصيرها ولم تكتسب حقّها الطّبيعيّ في الإحاطة بحقائق الأمور والملابسات التي تحدّد مستقبلها إبّان حدوثها وبالقرارات المصيريّة التي لا تزال تُتّخَذُ في غفلة منها. لقد بات واضحا ما للسّلطة في العالم العربي من أساليب متطوّرة للتّعامل العنيف مع شعوبها عند أيّ بادرة منها للتّعبير عن إرادتها، وتراها تُسارعُ عند حصول أيّ اعتداء خارجي إلى امتصاص غضب الشّارع بالشّجب والإدانة والدّعوة إلى القمم وتحريك مؤسّسات العمل المشترك النّائمة لتحبير بعض القرارات الفاقدة للجدوى وبعد ذلك يخلد الجميع إلى النّوم وتمضي أسرائيل في فرض إرادتها على العرب على نحو مهين؛ فما الذي يكسر إرادة الشّعوب العربيّة إلى هذا الحدّ، ولِمَ هذا التّأخّر عن سائر الأمم عن الوعي بأدنى أسباب المناعة وشروطها؟ وأيّ تفسير لذلك العجز عن استشراف المستقبل تحسّبا لأيّ طارئ، ولماذا يصدق فيهم رأي إسرائيل شاحاك المحلل السياسي الإسرائيلي والأستاذ بالجامعة العبرية – القدس، عندما يقول: «لقد أثبت العالم العربي عجزه عن التّحليل المنطقي للمستقبل.... لذلك يحبّذ الخبراء الصهاينة نشر استراتيجياتهم المستقبلية علنًا لتوعية أكبر عدد ممكن من اليهود والإسرائيليين بها، دون أدنى قلق من اطّلاع العرب عليها، فإمكانية تصدّي حكوماتهم لتلك الخطط إزاء معرفتهم بها شبه معدومة» ؟.
وفي سياق الجواب عن تلك الأسئلة قد يفيد التّذكير هنا ببداية المأساة مع اتّفاقيّة سايكس ـــ بيكو التي دشّنت مرحلة مفصليّة في التّاريخ المتقلّب لشعوب المنطقة العربيّة.
اتّفاقية سايكس ـــ بيكو السّريّة
مضى قرن وسنتان على توقيع الاتّفاقيّة في العام 1916 من قِبَلِ الدبلوماسيين فرانسوا جورج بيكو عن فرنسا ومارك سايكس عن بريطانيا وبتصديق من روسيا القيصريّة؛ وكان من ضمن بنودها تقسيم منطقة الهلال الخصيب التّابعة للأمبراطوريّة العثمانيّة المتهاوية. ولم تبق الاتّفاقيّة طيّ الخفاء طويلا، إذ كشف الشّيوعيّون عنها ونشروها فور وصولهم إلى السّلطة بعد نجاح الثّورة البلشفيّة سنة 1917. وكانت تلك أولى خيبات أمل القوميين العرب الذين وعدتهم بريطانيا بالمساعدة على إقامة دولة عربيّة مستقلّة في مقابل الثّورة على الحكم العثماني، وقد أخلفت بريطانيا الوعد وغدرت بهم بينما كانوا يخوضون حرب عصابات بقيادة فيصل ابن الحسين أمير مكّة وبتوجيه من جاسوس بريطانيا المعروف بــ «لورنس العرب». وإثر انتهاء الحرب العالميّة الأولى صادق مؤتمر السّلام سنة 1919 على اتّفاقيّة سايكس ـــ بيكو ثمّ صادق مجلس عصبة الأمم على وثائق وضع المنطقة تحت الانتداب البريطاني والفرنسي؛ وقد أقيمت عليها، لاحقًا، دولٌ مثل مملكتي شرقي الأردن والعراق وجمهوريتي سوريا ولبنان بينما أُهْدِيَتْ فلسطين للعصابات الصّهيونيّة بمقتضى وعد بلفور الصّادر سنة 1917، لتقيم عليها «دولة إسرائيل» سنة 1948.
الإرث الكارثي لاتّفاقيّة سايكس ـ بيكو
من المعلوم ما كان لتلك الاتّفاقيّة من نتائج لا تحصى وآثار خطيرة في تحديد مصير المنطقة بما يستجيب للأهداف الإستراتيجية العامّة للقوى العظمى ومنها الاحتفاظ فيها بمناطق نفوذ لخدمة مصالحها السّياسيّة والاقتصاديّة (التّحكّم في منابع النّفط ومراقبة المعابر البحريّة).
وأمام الأمر الواقع المتمثّل في قيام دولة إسرائيل، طرحت الدّول العربيّة عددا من المبادئ والمواثيق المستندة إلى الهويّة والتّاريخ المشترك واستمرّت إلى وقت قريب في التّأكيد على ضرورة التّصدّي للكيان الصّهيوني كواجب قومي عبر ما يصدر عنها من خطابات وقرارات منفردة أو في إطار المؤسّسات المشتركة مثل جامعة الدّول العربيّة. غير أنّ ذلك الغطاء «القومي» الجامع لم يكن يخفى واقع الحذر بين الحكّام وانقسامهم الإيديولوجي الذي وصل إلى حدّ التّنافر بل العداء في مراحل استقطاب حادّ عرفها التّاريخ العربي خلال عقود طويلة تميّزت بالعجز عن الظّفر بحلّ مشرّف لقضيّة فلسطين؛ وانتهى الأمر بعد نكسة 1967 إلى ابتلاع إسرائيل لكامل فلسطين وأراض عربيّة أخرى مثل سيناء وهضبة الجولان السّوريّة. وكان أن ظهرت في السّبعينات نزعات انعزاليّة لدى بعض الدّول المعنيّة أوّلا بمصالحها الخاصّة وبدأت مرحلة السّعي إلى التّصالح مع الكيان الصّهيوني بانتهاج سياسات «براغماتيّة» تتوهّم إمكانية حلّ الصّراع العربيّ ـــ الإسرائيليّ بالمهادنة وطرح الحلول السّلميّة حتّى وإن كان ثمنها الاستهانة بإرادة الشّعوب. فكان أن أُبْرِمَت مجموعة من الاتّفاقيات والمعاهدات برعاية أمريكيّة وهي: اتّفاقية السّلام المصريّة ـــ الإسرائيليّة «كامب ديفيد»، 1978 بين مصر وإسرائيل، أعقبها اتّفاق سلام «أوسلو» بين إسرائيل ومنظّمة التّحرير الفلسطينيّة (1993) ثمّ معاهدة السّلام الأردنيّة ـ الإسرائيليّة («وادي عربة» 1994). كلّ ذلك وإسرائيل تماطل وتضرب عرض الحائط بقرارات الشّرعيّة الدّولية مستنصرةً بالفيتو الأمريكي، ولم تقدّم تنازلا واحدا، عدا التّخلّي لمصر عن سيناء (ولعلّه تنازل إلى حين إذا ما اعتبرنا إستراتيجيات الصّهيونيّة المعلنة وحساباتها على المدى البعيد). ولا غرو أنّ ما تحقّق لإسرائيل من مكاسب على حساب العرب بغطاء ودعم من القوى العظمى من الشّرق والغرب، إنّما يحمل ـــ مُورّثات (جينات) سايكس ـــ بيكو ويرتبط بها على نحو منطقي متسلسل ضمن خطّة هيمنة شاملة هدفها إضعاف العالم العربيّ والإسلامي برمّته مثلما تشهد بذلك الأدبيّات الصّهيونيّة وارّؤى الأُخْرَوِيّة للمحافظين الجدد الأمريكيين.
مشاريع تقسيم جديدة في الأفق
لقد ظلّ تلاعب القوى المتنفّذة بالمنطقة على نسقه طوال القرن الماضي وحتّى اليوم متمثّلا روح اتّفاقيّة سايكس ـــ بيكو سيّئة الذّكر، مجدّدا أهدافها في صيغ متنوّعة؛ ولا يعقل أن لا يتكون لبعض الأنظمة العربيّة علم بها والحال أنّ أغلبها قد أعْلِنَ عنه ونُشر مرارا؛ وكلّ ما في الأمر أنّها تتعمّد إخفاءها عن شعوبها حسب أسلوبها المعتاد في التّعامل مع الحقيقة داخل كهوفها الإعلاميّة. ومن تلك الخطط ما تضمّنه المقال الذي كتبه يودد يينون (Yoded Yenon) الموظّف بوزارة الخارجيّة الإسرائيليّة ونشره بمجلّة «كيفونيم» الإسرائلية سنة 1982 تحت عنوان «إستراتيجيّة من أجل إسرائيل في الثّمانينات»، ولا تهدف الخطّة إلى لَبْنَنَة المنطقة العربيّة فقط بل تتعدّاها إلى مجموع العالم الإسلامي في شكل دويلات ليسهل التّحكّم فيه مُستغلّةً مشكلاتها المزمنة من صراعات إيديولوجيّة وطائفيّة وعرقيّة ونزاعات حدودية ممّا يجعلها مهدّدة بالانفجار من الدّاخل؛ وقد أعاد صياغة الخطّة ريتشارد بيرل (Richard Perle) وجماعته من المحافظين الجدد الأمريكيين وقدّمها في شكل مذكّرة لبنيامين نتنياهو سنة 2006. ومنها خطّة برنارد لويس (Bernard Lewis) البريطاني ـــ الأمريكي (1916ـــ2018) وهو ضابط مخابرات ودبلوماسي وأكاديمي ومن كبار الخبراء في قضايا الشّرق الأوسط إضافة إلى اشتغاله مستشارا لبنيامين نتنياهو عندما كان سفيرا لإسرائيل في واشنطن، إضافة إلى ارتباطه بأوساط المحافظين الجدد. وتشترك خطّته مع خطّة يينون في عناصر كثيرة كاستغلال التّعدّدية العرقيّة والطّائفيّة واللّغويّة في العالم الإسلامي من أجل إثارة الاضطرابات داخله وتقسيمه إلى كيانات ودول ضعيفة. وتُنْسَبُ إلى برنارد لويس مقولة «صِدام الحضارات»؛ وتبدو خطّته أكثر تفصيلا من خطّة يينون حيث يُرفقها بخرائط توضيحيّة ويقترح ضمنها إشعال حروب بين الدّول على غرار الحرب بين إيران والعراق التي دبّرتها قوى الغرب لإضعاف الدّولتين. كما أنّ هناك خطط تقسيم أخرى لرالف بيترز (Ralph Peters) الضّابط الأمريكي المتقاعد، منظِّر المحافظين الجدد ونصير الصّهيونية ويلحّ في مشروعه على تفتيت كلّ من السّعوديّة وإيران وباكستان باعتبارها أطراف صراع في مواجهة اليمين المسيحي اليهودي. وقد نشــــر خريطته للتّقسيم سنة 2006 بمجلّة القوّات المسلّحــة الأمــريكيّة. وهـنـاك خطط تقسيــم أخـرى مثــل الوثيقـة المســمّـاة خـريطــة أتـلانـتـيـكــا (2008) لجيفــــري غــولـدبــيـــرغ (Jeffrey Goldberg) الإسرائيلي الأمريكي وأحد أبرز عناصر اللّوبي الصّهيوني بأمريكا الذي تحدّث عن تقسيم السّودان قبل حدوثه؛ وله خريطة تقسيم جديدة للمنطقة تبدو فيها سيناء كدولة منفصلة؛ ولنتساءل، هنا، لمن ستُسند هذه الدّولة؟ لعلّها ستكون من نصيب الفلسطينيين المهجّرين من بلادهم تعويضا لهم عن خسارة وطنهم أو أنّها ستعود بصيغة أو بأخرى إلى الاحتلال الإسرائيلي حيث أعلن الكيان الصّهيوني سنة 2013 أنّ له وحدة مقاومة إرهاب تابعة لجيشه تعمل هناك.
ما العمل من أجل تحرير الذّهن العربي؟
ولنعد الآن إلى تساؤلنا المطروح في المقدّمة: هل من أمل في أن تستفيق الشّعوب من غفوتها وينتفض ضميرها لاسترداد حقوقها وإفشال المؤامرات التي تحاك ضدّها؟ هل بإمكانها التّمرّد على المصير الذي سُطّر لها منذ سايكس ـــ بيكو إلى اليوم؟ يعلّمنا التّاريخ أنّ هناك شعوبا ذاقت من الويلات والمصائب من الاستبداد أو الهيمنة الخارجيّة ما يجل عن الوصف واستطاعت النّهوض من الرّكام لتخطّ لنفسها طريقا نحو الحريّة والكرامة الإنسانيّة وسط ظروف عصيبة. لقد ظهرت في المنطقة العربيّة بوادر انتفاضات واعدة ضدّ القمع والظّلم بشّر بها الرّبيع العربيّ انطلاقا من تونس.ورغم ردود فعل الأنظمة النّاقمة عليه وما بذلته من أموال في سبيل إخماد شعلته بحجّة نشره للفوضى وتهديده للاستقرار، ورغم آلة القتل والتّشريد والدّمار المُسلّطة على الشّعوب التي حلمت به، فقد شكّل بدوره مرحلة مفصليّة في تاريخ العرب الحديث وكسر الطّوق المضروب على الذّهن العربي وبشّر بإنسان جـديد لا يتهيّب من دفع ضريبة الحريّة الثّقيلة بعد أن ثبت لديه أن لا استقرار مع الاستبداد ولا كرامة بدون حرّية. والمضحك في الأمر أن يتّهم أصحاب السّلطة «أيادي خارجية» بتحريك الثّورات العربيّة وهم أقدم الممارسين لأساليب التّواصل مع تلك الأيادي الخارجيّة التي طالما انتهكت حقوق شعوبهم.
ومن النّتائج الإيجابيّة للثّورات العربيّة أنّها فضحت المستور وأسقطت ورقة التّوت عن الأنظمة ذات الشّرعيات المتآكلة وأخرجت خـــطاب التواطؤ من غموضه الملتحف بالأسلوب الدبلوماسيّ إلى وضوحه الفجّ ورقاعته العارية كما يبدو للجميع في الواقع. ومن نتائجه أيضا أنْ اكتسبت الشّعوب العربيّة بفضله ردود أفعال لم تعهدها من قبل وأسلحة معنويّة غير مسبوقة تستعين بها في مواصلة مقاومتها للاستبداد والقهر مثل حملات مقاطعة المنتوجات الاستهلاكيّة والمطالبات الجماهيريّة بتعديل القرارات الحكوميّة وغيرها من وسائل الضّغط. وأخيرا وليس آخرا فإنّ المرحلة الحاليّة من كفاح الشّعوب العربيّة لفتت مزيد الانتباه إلى مسألة فلسطين والقدس التي انتقلت من قضيّة عربيّة إلى قضيّة كونيّة تُطرح اليوم على ضمير الإنسانيّة جمعاء من خلال ما تكتسبه من مؤيّدين يزداد عددهم باطّراد عبر العالم، ومن مقاطعين لنتاجات المستوطنات الإسرائيليّة؛ وقد كانت إلى وقت قريب حكرا على أنظمة تخلّت الآن عنها بعد أن تاجرت بها طويلا.
علي اللواتي
- اكتب تعليق
- تعليق