أخبار - 2018.05.20

ريـاض المـوخّـر: لا خوف من الهيمنة على البلديّات ولا على تـصـدّع وحـدة الـدّولـة (فيديو)

ريـاض المـوخّـر: لا خوف من الهيمنة على البلديّات ولا على تـصـدّع وحـدة الـدّولـة

ما الذي سيتغيّر في المدن والقرى والتجمّعات السكنية الريفية التونسية بعد الانتخابات البلدية ليوم 6 ماي 2018؟ وكيف سيتعامل المستشارون البلديون الجدد مع واقع صعب ومعقَّد؟ وما هي التأثيرات المتوقّعة لمجلّة الجماعات المحليّة التي صادق عليها مجلس نوّاب الشعب يوم 26 أفريل الجاري على مستقبل العمل البلدي بمختلف أبعاده؟ وكيف سيتمّ نقل صلاحيات أوسع للبلديات في إطار اللامركزية؟ وما هي المنهجيّة المعتمدة في هذا الخصوص؟ وما هو مدى انعكاس ذلك على وحدة الدولة؟

طرحنا هذه الأسئلة وغيرها على السيد رياض الموخّر، وزير الشؤون المحليّة والبيئة الذي أخذ مسار إعداد مجلّة الجماعات المحليّة بمختلف مراحله جانبا هامًّا من اهتماماته منذ تولّيه هذا المنصب في 27 أوت 2016، إذ لا يكفي القيام  بعمل تقني لصياغة أحكامها بل كان من الضّروري رسم استراتيجية متكاملة تضمن تحقيق نقلة نوعية للعمل البلدي وإنجاح  تجربة الحكم المحلّي، تكريسا للدستور في بابه السابع، وذلك في نطاق «مشروع سياسي تحمله الدولة» و«ينطوي على تغييرات كبرى». وفِي  ما يلي نصّ الحديث:

إلى أيّ مدى ستكون المجالس البلدية الجديدة قادرة على النهوض بالعمل البلدي بمختلف أوجهه في المدن والقرى التونسية؟

المهمّ هو أنّ لنا اليوم مجالس بلدية منتخبة، وهذا أفضل بكثير من النيابات الخصوصية، على الرغم من أنّ العديد من هذه النيابات حاولت خلال السبع سنوات الأخيرة الاضطلاع بدورها وهي تُشْكر على ذلك. هناك فرق جليّ بين شخص معيّن وشخص منتخب، والمنتخب في رأيي سيكون أكثر التصاقا بمحيطه وأوفر التزاما بالنهوض بالمسؤولية. لكن لا بدّ أن نستحضر مسألة جدّ مهمّة وهي تنمية القدرات البشرية، سواء تعلّق الأمر بأعضاء المجالس المنتخبين أو بالإدارة البلدية، لذلك سنضع برنامج تكوين واسعا لهذا الغرض، وقد نصّت على ذلك مجلّة الجماعات المحلية التي صادق عليها مؤخّرا مجلس نوّاب الشعب، حيث أنّ كلّ بلدية مدعوَّة إلى تخصيص 0,5 بالمائة من ميزانيتها للتكوين. وسيشمل برنامج التكوين هذا، علاوة على التّعريف بأحكام مجلّة الجماعات المحليّة، مختلف جوانب العمل البلدي، الإدارية، منها والقانونية والمالية. وسينجز هذا البرنامج بإمكانيات الدولة ولكن أيضا بفضل التعاون الدولي، وقد حصلنا على هبة قدرها 45 مليون دولار (حوالي 110 ملايين دينار) من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAiD) دعما للبلديات التونسية. كما لنا برنامج تكوين في إطار التعاون مع ألمانيا وسيتمّ تعميمه تدريجيا على البلديات. اليوم، وبعد إجراء الانتخابات البلدية، يصبح اهتمام الوزارة  مركّزا أكثر على رسم الاستراتيجيات ووضع السياسات لتطوير العمل البلدي - وهذا هو دورها الأساسي - في حين كانت مشاكل العمل البلدي اليومي في السابق ترفع إليها لمعالجتها والبتّ فيها.

ألا يخشى أن يكون لانعدام الانسجام داخل المجالس البلدية المتألّفة من تيّارات مختلفة انعكاسات سلبية على العمل البلدي؟

لا يمكن إنكار هذه الانعكاسات السلبية على العمل البلدي، ولكن أظنّ أنّ العامل المؤثّر لن يكون الانتماء السياسي بل الانتماء المشترك إلى نفس الحيّ أو إلى نفس الدائرة البلدية، وقد لاحظنا ذلك في البرلمان فغالبا ما يتّحد نوّاب من نفس الجهة حول هدف جامع، زِد على ذلك نقص التشتّت إذ انخفض عدد القائمات المترشّحة للانتخابات البلدية مقارنة بتلك التي تقدّمت إلى الانتخابات التشريعية ويبلغ المعدّل الوطني لعدد القائمات في كلّ دائرة بين 6 و 7 قائمات، ثمّ لا ننسى أنّه يتمّ استبعاد القائمات التي تحصل على أقلّ من 3 بالمائة من الأصوات المصرّح بها. ثمّ فوق كلّ هذا، هناك فصل في مجلّة الجماعات المحليّة أثار جدلا واسعا عند مناقشته، وقد حرصت شخصيا على أن يمرّ، وهو الفصل المتعلّق بالمصادقة على ميزانية البلدية والذي ينــصّ على أنّ المجلـس الذي لا يصادق على الميزانية يُمنح مهلة بثلاثة أشهر وإذا لم يقدر على ذلك بعد انقضاء هذه المهلة يعتبر منحلّا قانونا. والغاية من هذا الفصل ليس حلّ المجالس البلدية وإنّما اجتناب القفز في المجهول في فترة تجربة وذلك بتمكين الإدارة من «سلاح ردعي» يضمن استمرارية مرفق عامّ قبل اللجوء إلى إجراء انتخابات جديدة عند حلّ أيّ مجلس من المجالس. في الحقيقة لم نترك الأمر سائبا وباستطاعتنا تصحيح المسارإذا ما ظهر أيّ خلل في تطبيق أحكام المجلّة. لا نزعم أنّنا أصدرنا أفضل قانون ممكن.

هذا يجرّنا إلى الحديث عن مجلّة الجماعات المحليّة. لقد قلت يوم 26 أفريل 2018 إثر مصادقة البرلمان على هذه المجلّة إنّها تمثّل بداية مسار كامل ورجّحت في الوقت ذاته إمكانية الرجوع إلى المجلس النيابي لتعديل بعض فصولها في صورة صعوبة تطبيقها، معنى ذلك أنّ المجلّة ستخضع لفترة اختبار.ألم يكن من المجدي التنبّه مسبقا إلى الصعوبات المحتملة؟

تطبيق أيّ قانون يصطدم في غالب الأحيان بواقع ناجم عن متغيّرات تفرض تنقيحه، وقد يحصل أن يتجاوز حجم التنقيحات حجم القانون نفسه. يجب أن نتحلّى بالتواضع لنقرّ بأنّ القانون ما هو إِلَّا قانون والقانون وحده لا يصنع الواقع، خاصّة إذا ما اعتبرنا أنّ اللامركزية تجربة جديدة نخوضها. وعلينا أن نتفهّم تخوّفات الذين يعتقدون أنّ هذه التّجربة لا يمكن أن تنجح في بلاد عاشت طويلا في ظلّ سلطة مركزية. اللامركزية مسار كامل يبدأ بوضع الاستراتيجيات الضرورية، وهي مشروع سياسي تحمله الدولة، لكنّه ينطوي على تغييرات كبرى، وهذه التغييرات يمكن أن تفضي إلى أوضاع غير متوقّعة ينبغي تصحيحها. صيغت 19 مسودّة للمجلّة قبل إحالتها إلى البرلمان  وسجّلنا قرابة 530 طلب تعديل لعدد من فصولها من قبل النوّاب وتوصّلنا في نهاية الأمرإلى توافقات بشأنها، ممّا جنّبنا إمضاء وقت طويل في مناقشة القانون. عندما سننقل، غدا،  في إطار اللامركزية، للبلديات صلاحيات أوسع وصلاحيات مشتركة مع الدولة، يجب أن نتيقّن أنّ البلدية أو الجهة ستنجح في تحمّل هذه المسؤولية الجديدة. لكن لا بدّ أن نشير إلى أنّ نسبة التأطير في البلديات لا تتعدّى 11 بالمائة على المستوى الوطني، فعلى سبيل المثال نسبة التأطير في بلدية تونس تقدّر بـ 8 بالمائة. ونقصد بذلك التأطير الإداري والتأطير التقني الذي يبلغ 1,6 بالمائة. أيّ بلدية تريد أن تقدّم خدمات أفضل وتضمن نوعية حياة جيّدة لمتساكنيها في حاجة إلى مهندسين وتقنيين مختصّين في عديد المجالات وتنمية القدرات البشرية هي مفتاح النّجاح في العمل البلدي. وهذا لن يتأتّى إِلَّا من خلال استراتيجية  تمكّننا من أن نمرّ من نسبة تأطير تبلغ حاليا 11 بالمائة إلى نسبة 15 بالمائة بعد 3 سنوات ثمّ 21 بالمائة بعد 6 سنوات لندرك نسبة 25 بالمائة في أواخر 9 سنوات الأولى من مسار إرساء اللامركزية.

إذن سيكون المسار تدرّجيا؟

لا يمكن أن يكون إِلَّا مسارا تدرّجيا فلن نقفز في المجهول. وعندما نتحدّث عن برنامج للإدارة الإلكترونية ولرقمنة المصالح البلدية لا بدّ من أن نشير إلى أنّ ذلك لن يتمّ إلا في نطاق الاستراتيجية التي وضعتها الدولة في هذا الشأن وغدا سيكون هناك مهندسون مختصّون في الإعلامية سيسهرون على تنفيذ هذا البرنامج في البلديات.في البداية كان التدرّج كمبدإ من مبادئ اللامركزية مدرجا في الأحكام الانتقالية للمجلّة لكن في النهاية وبعد النّقاش تمّ تضمينه في صلب النصّ.  ما أريد تأكيده أنّ نقل الصلاحيات إلى الجماعات المحلية سيتمّ بصورة تدريجية. وهذا يقودني إلى الحديث عن تخوّف عدد من التونسيين من ضرب وحدة الدولة تبعا لذلك. وهناك من وصف هذه العملية بـ«تفتيت المفتّت وتجزئة المجزّأ». لنقل بكلّ وضوح إنّ مجلّة الجماعات المحليّة لا تشكّل أيّ خطر على وحدة الدولة. هناك فصل في المجلّة تناقشنا حوله أيّاما عند إعدادها يتعلّق بتحديد السلطة الترتيبية للبلدية وعلاقتها بالتشريع الوطني وحرصنا على ألّا تتنافى مع القوانين التي يسنّها البرلمان والأوامر الحكومية التي يصدرها رئيس الحكومة. لا يمكن لقرار بلدي أن يمسّ من الحريات أو من المساواة بين المواطنين أو بمبادئ جوهرية أقرّها الدستور، أو أن يغيّر قواعد الأداء التي يضبطها قانون المالية، بينما يظلّ من صلاحيات البلدية أن تتّخذ ما تراه مناسبا من قرارات تهمّ، على سبيل المثال، تنظيم حركة المرور أو تحديد معلوم الوقوف بمآوي السيّارات.

هل أنّ الموارد المالية للبلديات ستتطوّر بانطلاق هذا المسار؟

الاستراتيجية التي وضعناها تهدف إلى الترفيع في نسبة ميزانيات البلديات مقارنة بميزانية الدولة من 4 بالمائة حاليا إلى 10 بالمائة خلال الخمس سنوات القادمة، لذلك يجب - كما سبق لي أن قلت- أن تحمل الدولة بمختلف وزاراتها وأجهزتها هذا المشروع حتّى تقدر البلديات على تنمية مواردها المالية الذّاتية بمختلف السّبل، وهذا يمثّل مفتاح النّجاح الثّاني في العمل البلدي بعد تطوير الكفاءات البشرية. في هذا الصّدد، أودّ أن أشير إلى أنّ معدّل استخلاص الأداءات البلدية يتراوح بين 15 و20 بالمائة، وطبقا لفصل من فصول مجلّة الجماعات المحلية الدولة مطالبة بتحويل 50 بالمائة من الموارد المتأتّية من هذه الأداءات إلى البلديات بصفة آلية، لذلك يتعيّن بذل مجهود لتحسين نسبة الاستخلاص. ونظرًا إلى أنّه ليس بمقدور كلّ البلديات تنمية مواردها المالية، هناك صندوق التّعديل والتّسوية والتّضامن الذي سيتولّى توزيع تحويلات الدولة حسب معايير موضوعية، خاصّة منها التمييز الإيجابي، الذي يأخذ بعين الاعتبار عدد السكّان ونسبة البطالة ومؤشّر التّنمية والطّاقة الجبائية للبلدية وكذلك طاقة تداينها، فالبلدية التي لا تقدر على الحصول على قروض من صندوق القروض ومساعدة الجماعات المحلية والبيئة لإنجاز مشاريعها تنتفع بتحويلات صندوق التّعديل والتّسوية والتّضامن، وفي ذلك تكريس لمبدإ التضامن مع البلديات الصّغرى والمستحدثة.

التّوأمة بين البلديات يمكن أن تكون أحد الحلول

إلى جانب ذلك، ينبغي تعزيز التّعاون بين البلديات وتجميع الوسائل خاصّة فيما يتعلّق باستخدام بعض الآليات الميكانيكية الضّرورية لعدد من الأشغال البلدية، وذلك عوض أن تقتني كلّ بلدية آلية من هذه الآليات، وهذا الأمر لم ينجح في الحقيقة في تونس بالرّغم من أنّ القانون في السّابق نصّ على مثل هذا التّعاون. ستشجّع  الدولة مستقبلا البلديات على التّعاون في ما  بينها من خلال حوافز تقرّها، كمنحها مساعدات أو قروضا بشروط ميسّرة. وخلال الاجتماع الأخير لمجلس إدارة صندوق القروض ومساعدة الجماعات المحلية والبيئة أُقرّ توجّه يقضي بمنح نفس هذه الحوافز للبلديات التي تقدم على إنجاز مشاريع ذات قيمة مضافة، كتلك التي تخصّ النّجاعة الطاقية واستخدام الطّاقات المتجدِّدة ورقمنة الإدارة والاستفادة من خدمات مدينة ذكيّة. سيكون للبلديات كامل الحرية في اتّخاذ قراراتها في إطار التّدبير الحرّ في حين سيتمثّل دور سلطة الإشراف في التشجيع والتحفيز من خلال دفع السياسات العمومية ورسم الاستراتيجيات. وهذا هو الذي سيتغيّر في العلاقة بالبلديات. ينبغي أن تشمل اللامركزية عدّة مجالات كمعالجة النّفايات والتصرّف فيها وجهر الأودية العابرة للمدن. إنّه تغيير كبير يتطلّب منهجيّة، والأصعب في الأمر ليست الأفكار وإنّما قيادة هذا التّغيير.

عبد الحفيظ الهرقام

 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.