عبد الحفيظ الهرقام: حتّى ننقذ المؤسّسات الصّغــرى والمتوسّطة
ما عدا قلّة من المؤسّسات الصّغرى والمتوسّطة استطاعات أن تبني قصص نجاح لافت، متّخذة لها مواقع في الأسواق داخل تونس وخارجها، تخوض اليوم أغلب المؤسسات من هذا النوع صراعا مريرا من أجل البقاء، في ظلّ أوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية هشّة، في حين باتت الصعوبات الاقتصادية التي تعتري سير العديد منها تهدِّد كيانها بالزّوال وتعرّض إطاراتها وموظّفيها وعمَّالها إلى البطالة والضّياع. تعاني هذه المؤسّسات من تدنّي قيمة رأس مالها، وارتفاع مديونيتها، وفِي غالب الأحيان من تأخّر حرفائها في سداد مستحقاتها، زِد على ذلك التنافس غير الشريف الناجم عن الاقتصاد الموازي وضغط الجباية وتنامي النزعة المطلبية لدى أجرائها.
ولعلّنا لا نبالغ في شيء إذا قلنا إنّ إنشاء مؤسّسة هذه الأيّام وتوفير شروط سلامة انطلاقتها لهو من قبيل العمل البطولي الذي لا يقبل عليه إلّا من يتحدّى المخاطر، وإنّ ضمان ديمومة المؤسّسة ضرب من الجهاد اليومي، في حين يمكن اعتبار تحقيق الربّح وتوسيع مجال النشاط والزيادة في عدد الانتدابات إنجازا ذا بال يستحقّ عليه صاحبه التحيّة والتّقدير. فلا غرو أن يعدل 80 بالمائة من حاملي أفكار المشاريع عن وضعها موضع التّنفيذ بالنّظر إلى ما يلاقونه من صعاب ويتجشّمونه من مشاقّ وذلك حسب مركز المسيّرين الشبّان، إضافة إلى أنّ عدد المؤسّسات الصّغرى والمتوسّطة التي تغلق أبوابها بعد أقلّ من سنتين من النشاط يظلّ مرتفعا.
ولا مناص من أن نقرّ بإنّ نسبة هامّة من المؤسّسات الصّغرى والمتوسّطة التي تمثّل 80 بالمائة من النّسيج الصّناعي للبلاد هي اليوم في خطر، وإنقاذها أضحى أولوية كبرى، قصد تجنّب كوارث، كتلك التي حلّت بقطاع حيوي كقطاع النسيج، إذ أفلست قرابة 400 مؤسّسة ، ممّا تسبّب في فقدان 40 ألف موطن شغل. ونخشى أن يكون ما خفي في هذا الأمر، أعظم، في غياب إحصائيات رسميّة محيّنة يتسنّى للرّأي العام الاطّلاع عليها من خلال وسائل الإعلام.
وفي الحقيقة، لم تغفــل الحكومــة عـــن السعي إلى تطــوير التشريع الخاصّ بإنقاذ المؤسّسات التي تمرّ بصعوبات اقتصادية مــن خلال القانون المؤرّخ في 29 أفريل 2016 المتعلّق بالإجراءات الجماعية، غير أنّ هذا القانون لا يخلو، في نظر أهل الاختصـاص، من نقائص في مستوى مرحلة الوقاية من الإفلاس والإبلاغ عن بوادر الصّعوبات الاقتصادية، إذ حدّ من صلاحيات لجنة متابعة المؤسّسات الاقتصادية التي لم يعد رأيها ملزمــا بشأن خطط إعادة الهيكلة التي يعدّها المتصرّفون القضائيون، بينمــا كــان مــن المفــروض أن تضطلع بــدور جـــوهــريّ في إسداء المشورة لا سيّما بخصــوص ملفّات دقيقــة ومعقّدة، خاصّة وأنّها تضمّ خبرات من وزارات مختلفة. كما بادرت الحكومة بإحــداث خــطّ اعتمــاد دعم إعادة الهيكلة المالية للمؤسّسات الصّغرى ضمن قـــانون المــالية لسنة 2018 وقد صــدر مــؤخّرا أمر حكـــومي يتعلّق بضبـط قواعد تنظيمه وتسييره وشروط وأساليب تدخّله.
آليات خطّ الاعتماد هذا معقّدة، علاوة على أنّ قيمته والبالغة 100 مليون دينار هذه السنة لا تفي بحاجيات إعادة الهيكلة المالية للمؤسسات التي تمرّ بصعوبات اقتصادية. مثل هذه الإجراءات-على أهميّتها- تبقى غير كافية إذا لم تسن سياسية جريئة، متكاملة الأبعاد للنهوض بالمؤسسات الصغرى والمتوسّطة وحمايتها من مخاطر الإفلاس والاندثار من جهة والتشجيع على بعث مؤسّسات جديدة على قواعد صلبة من جهة أخرى، وذلك من خلال تيسير سبل التمويل، فمن المهمّ أن تخصّص البنوك جانبا من مواردها المالية لهذه المؤسّسات وأن يُعَجَّل بإنشاء بنك الجهات، فضلا عن تعيين مخاطب وحيد للمؤسّسة يتمتّع بالصّلاحيات اللازمة ليمدّ لها يد المساعدة ويقترح حلولا لمشاكلها ويوجّهها نحو دائرة القرار ويمهّد لها طريق الثّبات والتألّق.
وغنيّ عن البيان أنّ من عوامل تطوّر الاقتصاد الوطني حيويّة قطاعه الخاصّ ورخاء مؤسّساته، مهما كان حجمها، فهي منتجة للثّروة ورافعة للنموّ ومصدر لخلق مواطن الشغل.
عبد الحفيظ الهرقام
- اكتب تعليق
- تعليق