حوار المدارس الكلامية ببيت الحكمة
هل يقوم أصل التعديل والتجوير على النص الديني؟ ما هي انعكاسات الإقرار بوحدة الوجود؟ هل يصدر النص الديني الأوامر أم يكتفي بالإخبار والكشف عن العواقب؟
أين تتجلى حدود العقل؟ لقد طرح الباحث المغربي في مجال علم الكلام أحمد العلمي هذه الإشكالات في محاضرة، نظّمها يوم الخميس الماضي قسم العلوم الإسلاميّة بالمجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون "بيت الحكمة" حول نقد ابن حزم لأبي هاشم الجبّائي.
انطلق المحاضر من إشكاليتي وحدة الوجود والعدل كمنطلقين للسجال بين مقاربتي ابن حزم والجبّائي، إذ يدافع الجبّائي على موقف فلسفي جوهره وحدة الوجود، خاصّة مع اللوغوس الإغريقي، والوجود كما يستكنهه أبوهاشم الجبّائي "واحد لا يتغيّر بين الشاهد والغائب" حسب الأستاذ أحمد العلمي لأنّ حال الوجود لا يميّز بين العالمين . وعليه تشكّل هذه الوحدة صراعا بين مقاربة تسلّم بها كقيمة معرفيّة يؤكّدها الاستدلال العقلي، وتتنزّل أطروحة أبي هاشم في هذا السياق، ومقاربة تكفّر وتزندق من يعتقد ويدافع على هذا المنزع المعرفي، وهنا تتنزّل مواقف الأشاعرة، كالأندلسي "ابن حزم "الذي لم يدّخر جهدا في نسف المواقف الاعتزاليّة" على حدّ عبارة المحاضر، لنستنتج من مفهوم "نسف" طبيعة خطاب شيوخ الأشاعرة تجاه المواقف الاعتزاليّة، لأنّ السجال الفكري لا يحتمل إيتيمولوجيا النّسف، ولا يشرّع لأحد منح صكوك الإيمان واتهام الفكر المغاير بالزندقة.
وفي مستوى إشكاليّة العدل "أسّست مدرسة أبي هاشم موقفا متفرّدا في كنف علم الكلام الإسلامي.. يتمثّل في كون الجبّائي جعل أصل التعديل والتجوير لا يقوم على النص الديني، ولا يقوم على الوحي" برأي المحاضر، أي أن النص الديني يتضمّن "الإخبار والكشف عن العواقب"، بمعنى لا يصدر الأوامر، لأنّ العقل هو الذي يستنبطها، وهذا ما يدحضه ابن حزم، المشدّد على أنّ الله هو الحاكم المطلق، و لا يجوز لأيّ كان أن يستنبط أحكامه بحجّة تعقّل الأشياء والبرهنة . تلك هي الفوارق بين المدارس الكلاميّة التي لا تدّخر جهدا كي تنسف من يختلف معها وإن احتكم إلى القياس المنطقي، والمتكلّمين المؤمنين بحتميّة تجديد قراءة النصوص والاستعمال العام والعلني للعقل، غير عابئين بجهود نسف الآخرين وإن كانوا ناسفين . فهذه الصراعات ليست حكرا على علم الكلام الكلاسيكي، بل هي السمة البارزة في المسارات التاريخيّة المتعاقبة بما في ذلك الجدل الراهن، حيث تتبنى عديد المرجعيات منطق "من تمنطق تزندق" وتصادر حق التفكير وتهاجم التنويريين تأثّرا بدغمائيّة دعاة تكفير المختلفين .
- اكتب تعليق
- تعليق