لماذا رفض هشام جعيط الحديث عن مستقبل الثورة التونسية يوم تكريمه؟ (ألبوم صور)
تم يوم الأربعاء 4 أفريل 2018 تكريم المؤرخ والمفكر الأستاذ هشام جعيط، تقديرا لمكانته العلمية ولجهده الأكاديمي والبحثي.
وجاء هذا التكريم بمبادرة من معهد العالم العربي بباريس الذي منحه شرف كرسي المعهد لهذه السنة مشركا معه في التكريم جامعة تونس: كلية العلوم الإنسانية والإجتماعية بتونس التي ارتأت هي الأخرى أن تكرم أستاذها وأحد منظوريها بإطلاق اسمه على أحد مدارجها، ترسيخا للذاكرة التاريخية واعترافا له بالجميل لتدريسه بهذا المدرج وتفانيه في تقديم المعرفة والمنهجية.
وأثنى هشام جعيط على هذا التكريم ورأى فيه سابقة تاريخية لأنّ ظاهرة التكريم في تونس، حسب رأيه، يخصّ بها عادة المفكر والمبدع بعد موته في حين تم تكريمه وهو حي فمنح فرصة الانتشاء بالتقدير العلمي.
كما رأى هشام جعيط في هذا التكريم الثنائي الذي حظي به من قبل مؤسستين مختلفتين: معهد العالم العربي وجامعة تونس رمزية كبيرة عادت به إلى ثنائية شبّ وشاب عليها فأثرت إيجابا في شخصيته، إذ احتضنته فرنسا ونهل من علومها ودرس بها كما أنّ جامعة تونس تذكّره بجذوره وبداياته وانتمائه إلى بلاده وإلى عالمه العربي والإسلامي.
وقد واكب هذا التكريم جمع كبير من الطلبة والأساتدة الجامعيين والأكادميين الذين تتلمذوا على أستاذهم وقدوتهم: هشام جعيط. كما حضره رئيس معهد العالم العربي بباريس معجب الزهراني وبعض الأكادميين من المغرب وتخللت هذا التكريم تدخلات لعدد من الأساتذة فواصلوا الحديث فيما طرحه جعيط في مؤلفاته العديدة أثناء مسيرته الأكادمية.
يكره النمطية ويدعو إلى العقل
بدأ هشام جعيط مداخلته بحديثه عن تأملاته الفكرية الأخيرة وما خلص إليه من استنتاجات جديدة لم يشرع في تدوينها ولعل أهمها أنّ الفتوحات الإسلامية لم تقم بأمر من الرسول محمد بل جاءت لأغراض اقتصادية بحثا عن الرزق الوافر لما عاشه عرب الجزيرة آنذاك من مجاعة وخصاصة.
وعبّر هشام جعيط عن استيائه من الشعوب العربية لأنها لا تقرأ تاريخها في حين لا بد من قراءة التاريخ قصد إعادة بنائه بناء موضوعيا بعيدا عن القراءة التمجيدية الساذجة والقراءة الاستشراقية المتعالية. كما حاول أن يلخص مسيرته العلمية والأكاديمية كمفكر ومؤرخ فأشار إلى اجتهاده من أجل إحياء التاريخ الإسلامي متخصصا في دراسة سيرة النبي محمد الذي كان مغيّبا عن الدراسات الدينية التاريخية ومغيّبا لدى أوساط المثقفين العرب لانشغالهم بالنزاع المستمر حول الحداثة والأصالة عوضا عن اهتمامهم بتحليل دينهم كما فعل من قبل المسيحيون في أوروبا..
ونقد هشام جعيط ظاهرة العودة بقوة إلى الدين ورأى أنّها عودة غير مستقيمة لأنّها لم تكن عصارة تفكير سليم وتأمل عميق بل برز الدين واستعمل كوسيلة لخدمة غايات سياسية وعسكرية وكردّ فعل على عالم تحكمه دول قوية تتحكم في دول ضعيفة وتابعة، مشيرا إلى علاقة السياسي بالديني التي طرحها في كتابه "الفتنة، جدلية الدين والسياسة في الإسلام "، متحدثا عن الإسلام السياسي، مفسرا الفتنة الكبرى في عهد الخلفاء الراشدين وربطها بأسبابها الاقتصادية ومسبباتها التاريخية والاجتماعية والنفسية.
يتحدث في المسكوت عنه ولا يخشى لومة لائم
عرف هشام جعيط بجرأته وتماديه في أبحاثه إلى أبعد مدى إصرارا منه على مواجهة السائد ومكافحة الرؤية التقليدية والحداثة التبسيطية بتجنّبه للسطحية والقوالب الجاهزة غير متورّع عن تقديم حقائق مسكوت عنها فيصدح بها حتى لو كانت صادمة ومزعجة فقد صرح بما استنتجه بعد تأمل وبحث بأن الرسول محمد لم يكن أميا وكان ميسانيا لذلك كانت له دراية بالمسيحية .في حين أنّ الآية القرآنية تقول لمحمد "إقرأ" فيقول "ما أنا بقارئ".
كما يحسب له نظرته الفكرية الثاقبة ورؤيته الفلسفية العميقة مما خوّل له الجمع بين التأريخ والتأويل .فدأب على سرد الوقائع من زاوية تاريخية بحتة بعيدا عن الإنحياز الديني، محاولا التقيد بالموضوعية والحياد ومتوخيا النقد والتحليل فكان يبحث عن الحقائق ويربط بينها ربطا عقليا ومنطقيا ثم يأولها معتمدا المنهجية ومستندا إلى براهين مستمدة من مراجع ومطالعات تاريخية عديدة يقوم بتحليلها ليكتشف نقائصها وتناقضاتها وغثها وسمينها.
رفض هشام جعيط في هذه الجلسة التكريمية الحديث عن مستقبل الثورة التونسية ، مفسرا سبب امتناعه بانشغاله بالبحث عن أسباب ومسببات التخلف الفكري والتكنولوجي عند العرب، فلنترك إذن الرجل الثمانيني يتأمل ويجتهد وينقب في انتظار ولادة جديدة لمثقف عربي جادّ بعد مخاض صعب وطويل على أمل تحقيق تحوّل ثقافي جذري.
منية كوّاش
- اكتب تعليق
- تعليق