القمّة المغاربية في طرابلس سنة 2018: بيــن حلـــم الأميـــن العـــام الــطوبـــاوي وواقــع الاستعــصاء الموضوعي
جميل أن يحلم الأمين العام لاتّحاد المغرب العربي بعقد القمة المغاربية السابعة خلال سنة 2018 في طرابلس... وجميل أن يتطّلّع، بتفاؤل مثير، إلى إخراج الاتّحاد من حالة الجمود أو في الحقيقة حالة التجميد التي تردّى فيها منذ سنوات طويلة. لكن ما ليس جميلا أنّ الأمين العام قد لا يكون أحسن قراءة الواقع المغاربي بكلّ تعقيداته المستعصية على التجاوز... وما ليس ولن يكون جميلا ألاّ تنعقد القمة، وهو المرجّح، فيضيف إلى خيبات الشعوب المغاربية خيبة أمل جديدة تفاقم من حالة يأسها وبؤسها.
ليس تخوّفنا من تعذّر عقد القمة من باب التّثبيط، فنحن نتمنّى من أعمق أعماقنا أن تنعقد، وإنّما هو من باب التنبيه إلى العقبات الكأداء التي ستعترض التئامها في المكان والزمان المعلن عنهما، وأحسب أنّ الأمين العام ليس بغافل عن هذه العقبات، خاصّة وأنّه سبق أن وعد بأقلّ من القمة فما أوفى بوعده.
أفلا يتذكّر أنّه أعلن في 30 سبتمبر 2016 لدى افتتاحه الملتقى المغاربي حول «استراتيجية التكامل المغاربي»، الذي نظّمته جمعية الحرية والمواطنة الفاعلة بسوسة، أنّ عمل الأمانة العامة لاتحاد المغرب العربي سيتركّز خلال الفترة القادمة على إعادة النظر في مضمون «معاهدة مراكش» الموقّعة سنة 1989، باعتبارها «لم تعد ملائمة لمستجدّات الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية بالبلدان المغاربية»، وأنّه سيبادر بالدعوة إلى اجتماع رؤساء الحكومات أو الوزراء الأوّل للبلدان المغاربية، الذي لم ينعقد قطّ منذ تأسيس اتّحاد المغرب العربي في فيفري 1989؟..
فهل دعا إلى هذا الاجتماع؟ وهل أعاد النظر في «معاهدة مراكش»؟
إن كان فعل ذلك فإنّنا لم نعلمه. أمّا ما علمناه فهو أنّ سنة 2017 مرّت لأوّل مرّة منذ تأسيس الاتحاد، دون أن يلتئم جمع الدول المغاربية على أيّ مستوى من المستويات التي نصّت عليها معاهدة مراكش، أي لا على مستوى القادة، ولا على مستوى رؤساء الحكومات، ولا على مستوى وزراء الشؤون الخارجية، ولا حتّى على مستوى كتّاب الدولة المكلّفين بالشؤون المغاربية في إطار لجنة المتابعة.
إنّ هذا بعض ما يبرّر تخوّفنا من أن يخفق الأمين العام، مرّة أخرى، في إنجاز ما وعد به، أمّا البعض الآخر فإنّه يتمثّل في أنّنا نرى، على غرار العاهل المغربي الملك محمد السادس، أنّ شمعة اتحاد المغرب العربي انطفأت، بل إنّنا نذهب إلى أبعد ممّا قاله الملك في الخطاب الذي ألقاه في أواخر شهر جانفي 2017 بمناسبة عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، ذلك أنّنا نرى أنّ نيران الخلافات التي ما فتئت تفرّق بين البلدان المغاربية أكلت شمعة الاتّحاد تماما حتى بات من المتعذّر أن يتمّ إيقادها من جديد، ولا بدّ من تعويضها بشمعة جديدة قادرة على تبديد ظلمات المرحلة الرّاهنة.
ولقد قلت في المحاضرة التي ألقيتها في مركز جامعة الدول العربية بتونس يوم الخميس 15 فيفري الجاري تحت عنوان «اتحاد المغرب العربي في ذكرى ميلاده التاسعة والعشرين: ثلاثة تهديدات وجودية» إنّ الاتّحاد مات سريريا منذ فترة طويلة، وهو اليوم يواجه ثلاثة تهديدات توشك أن تعصف بوجوده نهائيا.
ففي غياب العمل المغاربي المشترك، هيمنت على مختلف الدول المغاربية ثلاث نزعات خطيرة، تمثّلت أولاها في بحث كلّ منها عن بديل له حيثما أمكن، وثانيتها في تكريس «الانفرادية» في مواجهة الأخطار المحدقة بها فرادى وجماعة، وثالثتها في تأبيد الخلاف الناشب منذ ثلاث وأربعين سنة بين المغرب والجزائر حول قضية الصحراء الغربية. والمؤسف أنّ السنوات السّبع التي أعقبت «ثورات» ما يسمّى بـ»الربيع العربي»، كرّست هذه النزعات وعمّقتها وعمّمتها على مختلف دول المنطقة ومجتمعاتها، بدلا من أن تخفّف من غلوائها وتحدّ من تأثيراها السلبية في مجمل العلاقات المغاربية.
وقد كان من الطبيعي أن «تتضافر» مفاعيل هذه النزعات مع مفعول الأصوات التي ما فتئت تنادي منذ سنوات بضرورة إعادة النظر في أسس العمل المغاربي المشترك و«بلورة نظام مغاربي جديد»، قادر على السمو على مصادر الخلاف بين أعضائه، وعلى التكيف مع ديناميكية العصر وتلبية التطلعات المشروعة للشعوب المغاربية وخاصّة لأجياله الطالعة.
وفي رأيي، فإنّ الخطر الحقيقي الذي يحدق بمنطقتنا لا يكمن في اختفاء اتحاد المغرب العربي، وإنّما يكمن في حالة الفراغ التي يمكن أن تنشأ عن ذلك والتي يمكن، خاصّة في ظلّ الظرفية الحرجة التي تعيشها المنطقة، أن تقتل الحلم أو المشروع المغاربي في وجدان الشعوب المغاربية وأن تلغيه من تفكيرها.
وحتّى نتجنّب الوقوع في مثل هذه الحالة من الفراغ، ينبغي أن نسارع إلى التحرك من أجل خلق «هيكل مغاربي جديد» بات من المتحتّم إيجاده للأسباب الكبرى التالية:
• أنّ جميع الآباء المؤسسين لاتحاد المغرب العربي رحلوا عن الحياة أو عن الحكم، وقد حلّت محلّهم قيادات لا تحرّكها نفس الشّواغل والاهتمامات، وهي تفتقر إلى الانسجام فيما بينها لأسباب عديدة، وبعضها لم يعد يملك القدرة على التناغم مع متطلّبات المرحلة ولا على تلبية استحقاقاتها.
• أنّ المشهد السياسي المغاربي اليوم مختلف اختلافا كبيرا عمّا كان عليه سنة 1989، لا سيما مع بروز قوّى سياسية جديدة على الساحة ومن أهمّها تيّار الإسلام السياسي الذي أصبح له دور ذو وزن في هذا المشهد.
• أنّ السنوات الأخيرة التي أعقبت «ثورات» ما يسمّى بـ«الربيع العربي» شهدت سلسلة من المتغيّرات الهامة في دساتير البلدان المغاربية وفي تركيبة السلطات وتوزيع الصلاحيات عليها ممّا لم يعد ينسجم مع بعض ما ورد في معاهدة مراكش.
• أنّ الحراك من أجل المطالبة بالديمقراطية وتطوير الحياة السياسية وبالتنمية الشاملة والمتوازنة ما فتئ يشتدّ في مختلف البلدان المغاربية، ولم يعد ممكنا النّكوص عن الوفاء باستحقاقاته وتلبية انتظاراته.
• أنّ الدّور الذي أصبح المجتمع المدني يضطلع به في إرساء قواعد ثقافة مجتمعية جديدة تعاظم ولا بدّ من أخذه بعين الاعتبار في صياغة المستقبل المغاربي.
• أنّ وزن بعض المكوّنات العرقية في المجتمعات المغاربية ما انفكّ يتعاظم وقد بات من الضروري مراعاة خصوصياتها وهواجسها في أيّ مشروع مغاربي جديد.
• أنّ تواصل اضطراب الوضع في ليبيا واحتمال مزيد تعقده، يستوجبان توحيد جهود الدول المغاربية وتضافرها من أجل إيجاد الحلّ السلمي الملائم للازمة الليبية بعيدا عن التدخل الأجنبي، بكافة أشكاله.
• أنّ رفع التحديات الاقتصادية والتنموية المتفاقمة في كافّة الدول المغاربية يقتضي تحقيق التكامل الاقتصادي بينها وتوحيد أسواقها بما يمكّنها من تحسين نسب نموّها وخفض معدّلات بطالتها وفي نفس الوقت من الترفيع في درجة كفاءتها التفاوضية.
• أنّ تفاقم المخاطر الأمنية من جرّاء تفشّي الإرهاب والتهريب والجريمة المنظّمة والهجرة غير الشرعية والاتّجار بالبشر في المنطقة وحولها، يفرض على الدول المغاربية تحدّيات غير مسبوقة، لا بدّ من التصدي لها بطرق تشاركية غير مسبوقة...
إنّ جميع هذه المستجدات غيّرت القواعد التي كانت السياسات تنبني عليها في الفضاء المغاربي، وهو ما يجعلنا نعتقد اعتقادا راسخا أنّ بلدان المغرب العربي تقف اليوم أمام مفترق طرق يستوجب منها إعادة ترتيب أولوياتها وتحديد المسار الذي ستسلكه مستقبلا إمّا فرادى أو جماعة. ولأنّنا نؤمن بأنّ مصلحتها تكمن في السير جماعة نحو المستقبل الذي ينبغي أن تشترك في رسم ملامحه فإنّنا نعتقد أنّ الوقت حان للبحث عن بديل للاتحاد من داخل المنطقة لا من خارجها، والعمل على خلق تكتّل جديد على أسس جديدة... بحيث يكون تكتّلا إقليميا قويّا وقادرا على الاستجابة لتطلعات شعوبه، وعلى تلبية احتياجات البيئة الإقليمية والدولية الراهنة بكلّ تحوّلاتها وتقلّباتها المتسارعة على مختلف الأصعدة. ولكن، لا بدّ إذا أردنا للمشروع الجديد النجاح أن نعرف وأن نعترف بأنّ حالة التّجميد او الجمود التي وقع فيها اتحاد المغرب العربي، (وقبل ذلك اللجنة الاستشارية الدائمة للمغرب العربي)، ناجمة في جزء كبير منها عن الخلاف حول قضية الصحراء الغربية، وما لم يتم إيجاد حلّ لهذه القضية، فإنّها ستظلّ خطرا دائما وداهما يهدّد كلّ محاولة جديدة لتحقيق الحلم أو المشـروع المغاربي بالفشل والإخفاق.
محمّد ابراهيم الحصايري
- اكتب تعليق
- تعليق
الحقيقة هي أن طيب البكوش هو جزء من المشكلة و ليس جزء من الحل. فهو يقال عليه أنه أسوء أمين عام عين في الإتحاد منذ تأسيسه. ارتكب أغلاط عديدة بالخصوص مع دولة المقر. ليست له أي خبرة في المجال الدولي ويخدم مصالحه الشخصية قبل كل شيء