أخبار - 2018.03.22

رافع ابن عاشور: نظام الاقتراع بالنسبية لا إفراط ولا تفريط

نظام الاقتراع بالنسبية لا إفراط ولا تفريط

أعلن رئيس الجمهورية في خطابه بمناسبة الذكري الثانية والستين للاستقلال عن ضرورة مراجعة نظام الاقتراع المعمول به منذ سنة ألفين وإحدى عشر 2011 لانتخابات أعضاء المجلس الوطني التأسيسي ثمّ في سنة ألفين وأربعة عشر 2014 لانتخاب مجلس نوّاب الشعب.

وممّا لاشك فيه أنّ الرئيس على صواب في توجيه هذه الدعوة، وتكليف لجنة بإعداد مختلف التصوّرات الممكنه لتعديل القانون الانتخابي.
والجدير بالتذكير، أنّ نظام الاقتراع هذا كانت له مزيّة تمثيل جميع الأطياف السياسية صلب المجلس الوطني التأسيسي.  إلا أنّ اعتماده بالنسبة إلى الانتخابات التشريعية لسنة أربعة عشر وألفين أدّى إلي نتائج سلبية من أهمّها عدم إفراز أغلبية ذات بال قادرة علي معاضدة الحكومة وتمرير مشاريع قوانيها دون عناء مثل ما هو الشأن في أغلب النظم البرلمانية وخاصة منها النظام السياسي البرلماني البريطاني الذي هو النموذج والمرجع بالنسبة إلى النظم البرلمانية.

ومن النتائج السلبية جدا التي أدى اليها اعتماد نظام الاقتراع بالنسبية بأكبر البقايا، أنّ المواطن التونسي سئم مجلس نواب الشعب وما يدور فيه من شجار لفظي وأحيانا حتي بدني ومن نقاشات بيزنطية ومن، خاصة، فشل اتخاذ القرارات الضرورية والمصيرية. وما عشناه بالتبعية سواء لانتخاب أعضاء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أو لانتخاب أربعة أعضاء بالمحكمة الدستورية لهو خير دليل علي ذلك الفشل، وما أدى إليه من تعطيل المؤسسات الدستورية، علاوة علي ما آل إليه من تكبيل وشلل للحكومة.

علي أنّ نظام الاقتراع بالنسبية له مزية لا يمكن إنكارها وهي تمثيل أقصي ما يمكن من الأطياف السياسية، شرط أن لا يكون ذلك علي حساب النجاعة الحكومية واتخاذ القرارات التي تحتّمها الظروف.

وقد كنا اقترحنا منذ مدّة، وبمناسبة إحياء الذكري الثالثة لإصدار الدستور، مراجعة النظام السياسي وعلي الأقل مراجعة طريقة اقتراع المجلس التشريعي إذ أنّ تلك المراجعة، ومن وجهة نظرنا، هي أقل ما يمكن القيام به لاخفاء نجاعة أكبر علي سير مجلس نواب الشعب أوّلا، والحكومة ثانيا.وقد كرّرنا هذه الدعوة مرارا آخرها بمناسبة الملتقي الذي نظّمته وحدة البحث في القانون الدستوري المقارن يوم الخامس عشر من فيفري الماضي.

واجتنبا لاحتدام الجدل والمزايدات والحسابات والسياسوية، اجتنبا لفوز حزب واحد بأغلبية ساحقة قد تؤدي إلى تهميش كلّي للمعارضة، واقترحنا عدم التخلي الكلّي عن نظام الاقتراع بالنسبية باعتبار هشاشة البناء الديمقراطي في تونس.اقترحنا ذلك تجنبا لاعتماد نظام الاقتراع بالأغلبية سواء كان على القوائم أو على الأفراد، وسواء كان في دورة واحدة أو في دورتين إثنتين لأنّ طريقة الاقتراع هذه مازالت تمثل في الذهن التونسي فكرة "التغوّل" والسيطرة الكاملة علي الجهاز التشرييعي وعلي الجهاز التنفيذي، هذا علاوة على أنّ بنية الأحزاب السياسية التونسية، التي نشأت بعد الثورة، مازالت هشّة ولم تبلغ مستوي الأحزاب المعروفة في الغرب التي هي بنفسها تواجه حاليا فترة انتقال جوهري مثلما أثبتت ذلك نتائج الانتخابات التشريعية في فرنسا (حيث اندثرت الأحزاب التقليدية التي قامت عليها الجمهورة الخامسة) أوفي ألمانيا (حيث صعد أقصي اليمين وتدنّي الحزب الاشتراكي إلى أدنى النتائج) وأخيرا في إيطاليا (حيث أحرز تكتل "الخمسة نجوم" علي الأغلبية النسبية متجاوزا الأحزاب التقليدية).

أنني أرى أنّ طريقة الاقتراع بالنسبية لم تنه بعد مهمتها التاريخية لترسيخ الديمقراطية التونسية ، ولابدّ من الإبقاء عليها لأنها مكسب لكن لابدّ من إدخال تحسينات عليها. فالاقتراع بالنسبية مع أكبر البقايا الموجود اليوم غير قادر علي ضمان السير العادي للديمقراطية. كما أنّ الديمقراطية لا يمكنها أن تختزل في النظام النسبي. فمن المبادئ الراسخة التي تقوم عليها الديمقراطية الحديثة عدالة التمثيل الشعبي ولكن، وفي الآن نفسه، نجاعة المؤسسات السياسية كما أكّدت ذلك المحكمة الدستورية الألمانية. فإذا كان مجلس نواب الشعب ممثلا للأمّة، فهو في نفس الوقت سلطة يجب أن تؤدي مهامها التشريعية والرقابية بكل نجاعة ولا أن تكون حجر عثرة ومصدر شلل. إنّ السير العادي لكلّ نظام ديمقراطي يقوم علي أساس ثلاثة مبادئ:

1. ضرورة اتخاذ القرارات.
2. تمثيلية الحاكمين من سلطة تنفيذية ومن سلطة تشريعية.
3. الاستقرار السياسي.

انطلاقا من هذه الاعتبارات المختلفة، وأحيانا المنتاقضة فيما بينها ، نؤكد أنّ الاقتراع بنظام النسبية مازال ضروريا لكن، لابدّ من إسناده بنوع من التنفيل لصالح الأغلبية، هذا مع الإشارة إلي أنّ التعديل الطفيف الذي أدخل علي القانون الانتخابي بالنسبة للانتخابات البلدية القادمة والمتمثل في إقرار عتبه بـ3% لا يسمن ولا يغني من جوع.وسوف نستيقظ بعد السادس من ماي علي مجالس بلدية صورتها مطابقة لصورة مجلس نواب الشعب الح

الي يعني لا أغلبية فيها.

إن تنفيل الأغلبية بإسنادها نسبة معينة من المقاعد بمجلس نواب الشعب يحقق هدفي النظام الديمقراطي: التمثيلة الوفية للقوي السياسية من ناحية، والنجاعة المؤسسية من ناحية أخرى.
يبقى موضوع تحديد نسبة التنفيل. وبناء على ما تقدّم حول خصوصيات الديمقراطية التونسية الحديثة وحول طبيعة الأحزاب السياسية التونسية، يمكن التوافق علي نسبة غير عالية جدا - دائما لاجتناب التغول- ويمكن أن تكون هذه النسبة بـ30% من المقاعد تسند مباشرة للحزب الاغلبي، ثم يتمّ توزيع المقاعد المتبقية (70%) علي أساس القاسم الانتخابي مع اعتماد أكبر البقايا وذلك حتي لا تذهب أصوات الأحزاب الصغري في مهبّ الرياح.
لقد عرفت النجاحات السياسية التونسية باتباع سياسة المراحل التي أرساها مؤسّس الجمهورية الرئيس الحبيب بورقية. وأنني ممّا أعرفه عن الرئيس الباجي قائد السبسي أنّه من أتباع سياسية المراحل ، ولن يرضي أن نمرّ من النقيض إلي النقيض.
هذه الاقتراحات غير مبنية علي انتماء حزبي او علي اختيار مذهبي ايديولوجي، أنّما أملاها عليّ الواقع وأنا أنظر إلي تلك المشاهد المحزنة في رحاب مجلس نواب الشعب وألاحظ القدرة المحدودة لتحرّك الحكومة لافتقارها لحزام سياسي صلب في وقت لم يعد يسمح بعدم التحرك وبعدم الفصل الشجاع فيما تعانيه بلادنا من مشاكل اقتصادية ومالية واجتماعية وتربوية ورياضية وسياحية و... إرهابية.

أ‌. د. رافع ابن عاشور
أستاذ متميز بجامعة قرطاج
   
 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.