الصحبي الوهايبي: عبد الله الأشقر، عبد الله الأسود
العصافير بطبعـــها، إلى الخـــوف أقــرب، تجزع فتفرّ، لا تلوي على شيء حالما تسمع طلقا ولو كان من خراطيشَ كاذبةٍ بيضاءَ وما أكثر الطّلق الأبيض الكاذب هذه الايّام، والطّلق الكاذب شأنه شأن الحمل الكاذب، لا يخلّف إلاّ النّفخ، هواء في هواء في هواء، وليس خافيا أنّ طول العقم يسبّب الحمل الكاذب، ولا خافيا أنّ الجماعة، وهم الذين عانوا من العقم عقودا، يبشّروننا كلّ عام بمولود ميمون، بهيّ الطّلعة، فإذا حملهم كاذب، أو كأنّه يأبى أن ينزل. وها هم قد دخلوا هذه الأيّام مرحلة الوَحَم باكرا جدّا، أي أنّ حملهم سيدوم هذه المرّة سنوات وسنوات؛ وعلى ما نعلم فالفيلة أطول خلق الله حملا، ويترواح حملها بين عشرين واثنين وعشــرين شهـــرا؛ وأمّا أطول حمل سجّلته البشريّة مـــذ تعلّمتِ التّأريخ والتّسجيــل فقــد كان من نصيب الأنجليزيّة السّيّدة جاكلين هادوك ودام 398 يوما لتنجب بعدها بنتا بالكاد تزن 1360 غراما، والحكمة من الحكاية أنّ طول الحمل لا يصنع الوزن. يا خسارة! المرأة لم تكن تونسيّة وإلاّ لتباهينا بهذه المرتبة الأولى بين الأمم. وليس للحمل الكاذب أسبـــاب عضــويّة ولكنّه نتاج حالة نفسيّة متأزّمة عصيّة قد لا ينفع فيهــــا إلاّ الكيّ، ولكن دعونا من مسألة العلاج هذه، أشرحـــها لكم في قـــادم الأيّام، ودَعوني أقصّ عليكم غـــرائب الوحَــم وتأمّلوا في هــــذه القصّة...
سافر أحدهم إلى بلاد الألمان وأقام هناك مع زوجته سنوات طوال حملت خلالها ثمّ أنجبت صبيّا أشقر، فقال لها زوجها: لستُ بأشقر ولست شقراء، فمن أين لنا بهذا الأشقــر؟ قـــالت: واللّه، وَحَـــمٌ، يا حبيبي، كنتَ تخرج إلى العمل وكنتُ أبقى في البيت وحيدة، أطلّ على النّاس، طول النّهار، من الشّبّاك، أشقرُ يغدو وأشقرُ يروح حتّى وَحِمْتُ فأنجبت هذا الأشقر... ثمّ قيّضت الظّروف للعائلة الصّغيرة أن تنتقل بالسّكنى إلى بلاد الكونغو فأقامت هناك سنوات حملت خلالها المرأة ثمّ أنجبت صبيّا أسود، فقال لها زوجها: لستُ بأســـود ولست ســوداء، فمن أين لنا بهــــذا الأسود؟ قالت: واللّه، وَحَـــمٌ، يا حبيبي، كنتَ تخرج إلى العمل وكنتُ أبقى في البيت وحيدة، أطلّ على النّاس، طول النّهار، من الشّبّاك، أَسْودُ يغدو وأَسْود يروح حتّى وَحِمْتُ فأنجبت هذا الأسود...
ثمّ قيّض المكتوب للعائلة الصّغيرة أن تعود إلى ديارها، فأخذ الرّجل ولديه الأشقرَ والأسودَ إلى أمّه فلمّا استغربت وتعجّبت روى لها قصّة الوَحَم، فنظرت في وجهه كأنّها تراه أوّل مرّة وقالت له: هل تعرف كيف حملت بك يا بُني؟ كان أبوك يخرج إلى العمل في المزرعة فأبقى في البيت وحيدة، أطلّ من الشبّاك، حمار يغدو وحمار يروح، حتّى وَلدتُكَ أنت.
أعلنت الحكومة حربا شعواء على الكلاب السّائبة، وبدأت تقرع طبولها؛ ولكنّها حـــرب خــاسرة مخســورة مسبّقـــا، فالجيشان غير متكافئين؛ فماذا للحكومة أن تفعل في جيش عرمرم قوامه ستّمائة ألف كلب تدرّبت على الكرّ والفرّ، وخبرت البلاد بشعابها ودروبها. ولا ندري لماذا تناصب الحكومةُ الكلابَ العداءَ؛ ولماذا لا تهادن، ولا تبرم صلحا؟ أو لماذا لا تروّضها وتضمّهــــا إلى كتائبها؟ أمّا إذا حـــرنت الحكــومة، وركبت رأسها، كعادتها، وتشبّثت بقرارها؛ فإنّا ننصحــــها أن تستأنس بتجربة أوكرانيا في حـــربها على الكـــــلاب؛ ففــــي سنة 2007، تمّ اختيار تلك البـــلاد لتستضيف، بالاشتراك مــــع بـــولونيا، بطـــولةَ أوربا لكــــرة القـــدم لعـــام 2012؛ ولم تكــن تهيئةُ الملاعــــب والمطارات والنّزل المشكلةَ الوحيدة التي تؤرّق الحكومة هناك؛ فلقد كانت الكلاب السّائبة معضلة المعضلات؛ ولذلك أعلنت دولة أوكرانيا، في بيان رسميّ، الحـــرب عليهــا؛ وأعـــدّت لذلك محـــرقةً متنقّلـــة، تُحـــرق فيها جثث الكلاب التي تُقتل؛ وهاج المدافعون عن الحيوان ومـــاجوا، وندّدوا بالعمليّة؛ فهُمْ يجزمـــــون أنّ كلابا كثيــــرة تُلقـــى في الفُرْن وهي حيّة، لم تَمُتْ بعد... تستطيــــع حكــــومتنا العتيـــدة أن تستغـــلّ العمليّــة لمكافحة البـــطالة؛ فَتُطْلِقَ المعطّلين يصطـــادون الكلاب بمقابل؛ ولكـــنّ الخشيةَ، كلَّ الخشية، أن يختلط عليهم الأمر، فيصطادوا كلابا من جنس البشر، وهم كُثْرٌ، على أيّامنا هذه... عندما حاصر الثوّار مدينـــةَ ســـرت في ليبيـــا، يسنــدهم في ذلك طيران الحلـــف الأطلسي؛ وانقطع مَدَدُ المُؤن، وجاع النّاس؛ أفتى الذين يفتــون والذين لا يفـــتــــون، وأبـــاحـــوا للخلـــق أكل القطـــط والكــــلاب...ألا تتمهّــل الحكــــومة؟ فقد تــأتي على النّاس أيّام كتلك.
الصحبي الوهايبي
- اكتب تعليق
- تعليق