أخبار - 2018.03.19

رواية "ثديي أمي" : من تفعيل الذاكرة أم من وحي الخيال؟

رواية "ثديي أمي" : من تفعيل الذاكرة أم من وحي الخيال ؟

"ثديي أمي'(Les nichons de la mère) هو عنوان رواية للكاتب  التونسي عبد المجيد  يوسف كتبها باللغة  الفرنسية ونشرها بدار نشر بفرنسا . تحدّث  فيها عن عشق الطفل  لأمّه وتقديسه لها وعن فضوله ورغبته الملحّة  في فهم جسده وإدراك الفوارق بين الجنسين.

بسط   عبد المجيد  يوسف   في هذه الرواية  مشاهد عن عالمه الأسري وهو في سن الطفولة راويا لنا  كيف  راقب أسرته الصغيرة مسترقا النظر  إلى أمه و متلصصا على زوجة عمه  ،مشدودا لأنوثة خالته مكتشفا عالما نسائيا ممنوعا ومغلقا.  

كتب عبد المجيد  يوسف  روايته  "ثديي أمي" بإتقان نصي وأسلوب سلس  ولغة سهلة فحرّك بها مشاعر القارئ وأثار فضوله وعاد  به إلى مرحلة الطفولة . فهل تراه ألّف  هذه الرواية  ليبوح  لنا بسيرته الذاتية  ويكشف لنا عن تجربته الشخصية؟ أم هي قصة خيالية ونتاج لوعيه وإدراكه للعالم المحيط به و للوسط الأسري في مجتمعه التونسي؟

عشق جسد أمه واسترق النظر إلى نهديها

بنى الكاتب هذه الرواية على أحداث واقعية بلورها  وصوّرها  في مشاهد استعراضية  وحكائية فحدّثنا عن طفل العشر سنوات وما يلاحظه   من غموض وتكتّم داخل أسرته  وما تجتاحه من رغبات ملحة لكشف هذا الغموض ترغمه  على طرح السؤال  تلو الآخر.

عاد بنا مؤلّف  رواية "ثديي أمي" إلى طفولته معترفا بما وفّرته له أسرته  من حنان  ودفء وما امتازت به   بيئته الأولى من  لحمة وارتباط   وثيق . فأخبرنا عن أمه مطنبا في الحديث  عن جسمها ووصفها بجميلة  الجميلات  صاحبة النهدين الشامخين والقد  الممشوق متباهيا  بعشقه   لها  فكيف  لا يعشق  جسدها  وكيف لا يفضّلها على بقية النساء  وهو الذي خبرها  وصاحبها  في كل صغيرة وكبيرة وهي التي  قرّبته من نفسها وسمحت له  بالاطلاع على خصوصياتها؟  ألم يرافقها حتى في لحظاتها  الحميمية؟  ألم تعتني  بجسمه صغيرا وتساعده على الاستحمام وهو طفل مشرف على المراهقة  فكيف لا ينبهر بها وهي أول إمرأة  لمس جسدها و فتح عينيه على أنوثتها؟

أراد فهم جسده فلا أحد شعر به

حاول عبد المجيد يوسف في هذه الرواية أن يكون حياديا فبعد أن أخبرنا بأنه  عاش  طفولة هادئة وتربّى بين أحضان أبوين حنونين  ومتحابين أسّر  لنا أيضا بتقصير والديه في حقه وامتناعهما عن إشباع فضوله  بإجابته عن تساؤلاته حول الجنس والجسد، فكم مرة   نهياه عن التحدث  في مثل هذه المواضيع وأمراه بالكف  عن طرح أسئلته المحرجة.

لذلك عبّر  لنا  الكاتب  استغرابه  من أمه التي لم تجبه على تساؤلاته  الجنسية  بالرغم من أنّها متعلمة ومتحضرّة ومتفتحة فتركته لهواجسه وحيرته ، كما لم يجبه والده المتعلم والمثقف ورفض رفضا قطعيا تجاذب الحديث معه  في مواضيع الجنس ورأى في أسئلته  تهورا وإحراجا واستاءت زوجة عمه من طرحه لهذا النوع من الأسئلة فوصفته بالطفل الطائش والخبيث.

ولما يرمى بالطفل في أحضان الشارع

نقل لنا عبد المجيد  يوسف  محاولاته للحصول على  أجوبة شافية  لتساؤلاته الجنسية فحدثنا عن لقائه بخالته وكيف تمعّن في جسمها ليكتشف أنوثتها المبكّرة  وكيف أصبحت تشبه أمه في  رائحة أنوثتها منجذبا إلى جسدها، مستأنسا بها طالبا مساعدتها فجادت عليه بما أوتيت من معرفة  جنسية تكتسبتها نتيجة  ملاحظاتها اليومية لعالم  الحيوانات الأهلية الموجودة في منزل والدها.

أخبرنا كاتب الرواية عن خروجه للشارع  بحثا عن أجوبة شافية فتعرف صدفة على  المنجي هذا الشاب الأمي وابن  الميكانيكي ليحدثه عن الجنس وعن عالم النساء وما يخبئه  من أسرار وألغاز  فوصف له ليلة الزفاف و كيفية الإنجاب وأسر له بعديد  التجارب الجنسية لكنها كانت ممزوجة بالخرافة  والشعوذة  المغلفة بغطاء العادات والتقاليد.

وكأن الكاتب هنا أراد  أن يحمل أسرته وبيئته الأولى مسؤولية حصوله على معلومات جنسية مغلوطة ومشوّهة فهي التي  رفضت تأطيره جنسيا وتركته يبحث عنها خارج الأطر الصحيحة  موجّها أيضا لوما إلى بيئته الثانية ومدرسته التي قصّرت في حقه  ورفضت  تلقينه تربية  جنسية تحميه من خرافات الشارع.

الكتابة عن تابوهات تونسية  بلغة  أجنبيةً هروب أم قناعة؟

اختار عبد  المجيد يوسف كتابة روايته "ثديي أمي" باللغة الفرنسية كما نشرها  بدار نشر فرنسية،  فحاد بها عن إطارها الزمني والمكاني بعدما تقتبسها من أنماط معيشية ذات خصوصية فكانت مستوحاة من وسط  ريفي  في محيط عربي وإسلامي  معالجا في روايته ظاهرة تجتماعيةتونسية بحتة ، ناقلا  لسلوكيات وعقليات  طغى عليها  الممنوع و"التابوهات"  والخطوط الحمر.

فهل  اختار عبد المجيد يوسف اللغة الفرنسية ليتجنب  إنتقادات المتعصبين بعد أن  قرّر في روايته "ثديي  أمي" الخروج عن صمته  والبوح  بسره  مطلقا العنان إلى لسانه ومطنبا في الحديث عن عشقه للجسد ناقلا  لنا  مشاهد  عن طفولته  وكيف  تنصت  على دردشات نسوية  دارت بين أمه وصديقاتها وكيف تأمل في جسد خالته وكيف نظر من الثقب إلى زوجة عمه في لحظاتها الحميمية ؟

أم تراه  اختار اللغة الفرنسية  حتى يكتب في مسائل جنسية بأريحية لما علق في ذهنه وذهن أبناء عمه من رواسب للحظات الكبت والممنوع  والتابوهات.

يبدو أنّ عبد المجيد يوسف  كتب روايته "ثديي أمي" ليوثّق بها تجربته  الشخصية وسيرته الذاتية مضفيا عليها مسحة من الخيال  فجاءت هذه الرواية حكائية ووصفية  واتّسمت بالواقعية  وصوّرت تجربة قديمة جديدة  عاشها الكاتب ويعيشها كل طفل  وطفلة تونسية. 

منية الكوّاش

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.