أخبار - 2018.03.14

في اليوم البرلماني حول "تونس زمن التحديات الاقتصادية": تشخيص للوضع ومقترحات للخروج من الأزمة

في اليوم البرلماني حول "تونس زمن التحديات الاقتصادية": تشخيص للوضع ومقترحات للخروج من الأزمة

نظّم مجلس نوّاب الشعب صباح السبت 10 مارس 2018 بمقرّ الأكاديمية البرلمانية يوما دراسيا حول "تونس زمن التحديات الاقتصادية"، برئاسة السيد محمّد الناصر رئيس مجلس نوّاب الشعب، وبمشاركة السيد مروان العباسي محافظ البنك المركزي والأستاذ الهاشمي عليّة، أستاذ جامعي ورئيس مركز التفكير "تيما" (TEMA think tank) والسيد أحمد كرم رئيس هيئة مديري بنك الأمان والأستاذة سلمى الزواري أستاذة جامعيّة وعدد من الخبراء والنّواب وثلّة من مديري المؤسسات الإعلامية
قصد تشخيص الوضع الاقتصادي بالبلاد واقتراح سبل الخروج من الأزمة الاقتصادية والماليّة.

تشخيص الوضع

تمّ التأكيد على أنّ الخبراء والمعنيين بالشأن الاقتصادي لم يقوموا بعد بالتشخيص الحقيقي للأزمة بل قاموا بمجرّد وصف لها وأنّ الأزمة التي تمرّ بها البلاد انطلقت منذ سنة 2008 وهي الأعمق والأخطر باعتبار أنّ الوضع الاقتصادي والمالي خلال السنوات الأخيرة تميّز بنقص في الاستثمار وتدهور في إنتاجية العمل ونموّ بطيء،  ممّا أدّى إلى اختلال متزايد في ميزانية الدولة،إذ لم تتمكّن الموارد من مواجهة الإنفاق العمومي وأصبح اللجوء إلى التداين مفرطا وضروريا لمواجهة النفقات الجارية، كما أدّى أيضا إلى انخفاض نموّ الصادرات واتّساع عجز الحساب الجاري. وبالإضافة إلى تدهور التوازنات العامة وارتفاع المديونية لم تسمح السياسات المتوخاة من حلّ إشكالية البطالة، لا سيّما بطالة أصحاب الشهادات العليا وإشكالية عدم توازن التنمية الجهويّة.

كما تمّ الوقوف على تعطّل الاستثمار الذي يتجلّى من خلال تراجع معدّل تنفيذ المشاريع وتراجع الواردات من التجهيزات واستقرار الاستثمار الأجنبي نسبيّا، علاوة على ضعف الاستثمار والادّخار في تونس، مقارنة بالمعدلات التاريخية ومعدلات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وتمّ التأكيد على أنّ الجمود والاعتماد على المنوال الاقتصادي والتنموي التقليدي هي من أهم الأسباب التي أدّت إلى تردّي الأوضاع إضافة إلى سوء التصرّف في الموارد المالية للدولة. فلم يتمّ رسم استراتيجية تواكب العولمة الاقتصادية العالية وإعادة التفكير في المقوّمات الأساسيّة للاقتصاد التونسي بما من شأنه تأمين تطوير الاقتصاد التونسي وهو ما أدّى إلى انخفاض وتيرة النمو الاقتصادي والإنتاج الصناعي وبالتالي تدهور مستوى معيشة التونسيين ودخل التونسي وتضخّم نسبة البطالة.

ومن العوامل الأخرى التي تمّ التّطرّق إليها في تشخيص أسباب الأزمة ضعف إنتاجية التونسي نتيجة الزيادة في عدد الوظائف التي فرضت على المؤسّسات العمومية في شتّى القطاعات والاضطرابات الاجتماعية خصوصا بالمناجم وبحقول النفط وانعكاساتها على الصناعات الكيمياوية وتراجع الطلب الخارجي الذي أثّر على السياحة والنقل والتصدير في شتى القطاعات.  

وفيما يتعلّق بالأزمة المالية، تمّت الإشارة إلى الانحراف المالي منذ أن تخلّت البلاد عن سيطرتها على المالية العمومية. وكذلك إلى ارتفاع العجز التجاري إلى مستويات قياسية في سنة 2017،ويرجع ذلك أساسا إلى عدم عودة القطاعات المصدّرة إلى سالف نشاطها وتدهور ميزان الطاقة وتراجع نسبة تغطية عجز الميزان التجاري بالعائدات السياحية ومداخيل الشغل وهو ما انجرّ عنه توسّع العجز الجاري وضغوطات هامّة على سعر الصرف ومدّخرات العملة والمديونية الخارجية.

كما تمّ التأكيد على أنّ ارتفاع مستوى عجز الميزانية يعود للتطور الهام لنفقات التسيير خاصة الأجور وعودة الضغوط على نفقات الدعم وتأثر المداخيل الجبائية بالفتور الاقتصادي في السنوات الأخيرة والصعوبات الكبيرة في قطاع المحروقات وانخفاض صادرات المناجم والفسفاط. وقد أدّت الحاجيات الهامة لتمويل العجز الجاري وتسديد أصل الدين على ارتفاع السحوبات من القروض الخارجية فتمّ نتيجة لذلك تسجيل ارتفاع هامّ للدين الخارجي ولخدمة الدين. كما تم ّتسجيل انخفاض حادّ للموجودات الصافية من العملة نتيجة أهمية المصاريف خاصة لتغطية مصاريف الطاقة مقابل ندرة المداخيل بالعملة.

كما تمّت الإشارة إلى الارتفاع الكبير لنسبة التضخم الجملي حيث بلغت + 7.1 % بالانزلاق السنوي في فيفري 2018 و6.4 % في ديسمبر 2017.

ومن النقاط الهامة الأخرى التي تمّت إثارتها انهيار نظام التعليم والابتكار والابداع والدليل على ذلك ترتيب تونس المتدني من قبل "البرنامج الدولي لمتابعة مكتسبات التلاميذ" وغياب المؤسسات الجامعية في أفضل ألف من الجامعات في العالم.

وبخصوص التنمية الجهوية، تمّت الإشارة إلى أنه لا تزال تونس الكبرى والشمال الشرقي والوسط الشرقي تجتذب استثمارات أكثر من حصتها في السكان وأكثر من بقية البلاد كما أنّ الإشكال يكمن في عدم تكافؤ مستويات العيش بين الجهات أو عدم التقارب بينها.

كما تمّت إثارة مسألة حلول المواجهة محلّ الحوار الاجتماعي مع النقابات التي لا تستوعب مبدأ "الأخذ والعطاء" في اقتصاد مفتوح وهو ما لا يساعد على خلق محيط محفز للاستثمار وتكريس قيمة العمل.

مقترحات للخروج من الأزمة

تمثّلت أبرز المقترحات التي تمّ تقديمها للخروج من هذه الأزمة في:

1. وضع عقد اجتماعي جديد يضع أسس قاعدة مجتمعية مشتركة تأسّس للتضامن والتماسك الاجتماعي في ضوء ما تتطلبه المرحلة اليوم من تفكير جماعي وعمل مشترك وجعل مصلحة البلاد فوق كل اعتبار بعيدا عن التجاذبات السياسية والحسابات الحزبية والانتخابية بهدف تحقيق الحدّ الأدنى من التوافق، الذي يعدّ قاعدة مشتركة يتم بفضلها تحقيق الاستقرار وبثّ الوعي لدى المواطن للتضحية في سبيل المصلحة العامة خاصة وأنّ الدولة مضطرة لاتخاذ قررات جريئة ومؤلمة لإنقاذ البلاد وتامين مستقبل الأجيال القادمة.
2. إيجاد حلول ناجعة لمقاومة الفقر والتهميش  والبطالة بالمساهمة في إعادة التوازن بين الجهات وبجعل الاقتصاد يواصل خلق الثروات بالعودة التدريجية للتصدير وإنعاش القطاع السياحي ودعم الاستثمار في قطاعات التكنولوجيات الحديثة وكذلك بالاعتماد على السوق المحلية عن طريق تطوير القطاعات الصناعية خاصة قطاعي النسيج والسياحة، مع إعطاء الأولوية لإعادة خلق النمو كمصدر للاستثمار وخلق مناخ سليم لذلك.
3. تغيير نمط ومنوال التنمية وعلاقة الدولة بالفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين وأطراف الإنتاج والتفكير في وضع البلاد الحالي في كل تجلياته للاتفاق على قاعدة مشتركة لبناء تونس الجديدة وكذلك بالتخلّص من التفكير التقليدي والكلاسيكي والتوجه نحو حلول تخلق الثروة من خلال دفع التمييز الإيجابي بين الجهات كرافد لمنوال تنموي جديد لدفع النسق الاقتصادي. وتمّ التأكيد على ضرورة تشريك الفئات والنخب في رسم استراتيجية ااقتصادية واضحة ومنوال تنموي حديث لانقاذ تونس من هذه الازمة، فضلا عن ضرورة إعادة النظر في القطاع العام الذي أصبحت المؤسسات الاستراتيجية به مرادفة لمؤسسات سيئة الإدارة، خاسرة، تقدّم خدمات ذات جودة رديئة...إلخ يتعين دراسة خصوصيتها لاعطائها روحا جديدة.
4. توجيه سياسة العرض إلى إنتاج أكثر وأفضل وتأسيسها على خلق الثروة قبل توزيعها لتحقيق المزيد من الانصاف من خلال إشراك الجميع في الإنتاج وثماره. وينبغي أن تهدف سياسة العرض إلى زيادة الإنتاجية وتعزيز الاستثمارات خصوصا في القطاعات الواعدة والقادرة على تشغيل أصحاب الشهادات العليا وضمان التنمية الجهوية من خلال تطوير القطاعات ذات الصلة بالمزايا التنافسية للجهات وزيادة حصة التجارة الدولية في الاقتصاد وتم التأكيد بالخصوص على أهمية استرجاع النسق العادي للإنتاج عبر تحسين الإنتاجية وهو ما يتطلب في بعض الأحيان تغيير أنماط العمل كالوقت حيث يتمّ العمل خلال 6 ساعات فقط في شهر رمضان والصيف بينما لنا ضعف في الإنتاج والإنتاجية والحل الجذري للخروج من الأزمة هو العمل الجاد والمتواصل والاعتماد على النفس.
5. القيام بحوار وطني شجاع حول الطاقات الموجودة في البلاد لما له من تأثير مباشر على ميزان الدفوعات وعلى نفقات الدعم والتفكير في استغلال الغاز الصخري وتكثيف برامج التحكم في الطاقة ومراجعة التشريع المتعلق باستغلال الطاقة الشمسية وتبسيطه وهو ما من شان أن يمكن الدولة من خفض عجزها وتوفير الموارد للقيام بدورها في مجالات التربية والصحة والقطاعات الاجتماعية الأخرى وتسريع الاستثمارات في مجال التنقيب وتطوير الحقول وضمان التعافي الفوري والدائم لمبيعات الفسفاط.
6. تعزيز الاستثمار الخاصّ والاستمرار في الإصلاحات التي من شأنها أن تعزّز استثمارات الشركات المقيمة، من خلال تسهيل الحصول على التمويل واستكشاف أسواق جديدة، لا سيّما في إفريقيا.
وبالنسبة إلى القطاع الخارجي، تمّ التأكيد على ضرورة التخفيض العاجل للواردات غير الضرورية وتنويع قاعدة التصدير وقمع التهريب والاقتصاد الموازي والتحكم في تداول الدينار عبر الحدود الجزائرية والليبية وانتشار سوق الصرف الموازية.
7. التحكم في نفقات التسيير لفسح المجال للترفيع في نفقات التنمية الضرورية لدفع النمّو بصفة مستدامة والتقليص في عجز الميزانية وتحسين مؤشرات الدين. وتمّ في المجال اقتراح برامج أولية مستعجلة لمعالجة عجز ميزان الدولة وعجز الميزان التجاري.
فيما يتعلق بمعالجة عجز ميزان الدولة، تمّ اقتراح تحسين تعبئة الموارد الذاتية للدولة ليس عن طريق زيادة نسبة الضغط الجبائي، وهو أمر غير ملائم، بل من خلال مكافحة التهرب الضريبي وزيادة الموارد غير الضريبية بما في ذلك تلك الناجمة عن بيع الأملاك المصادرة والتفويت التدريجي للمؤسسات العمومية.
8. مجابهة الضغوط التضخيمية وتسريع مشروع تقليص العملة في التداول (Decasdhing) والبدء في تنفيذه، مع الحاجة إلى دعم قوي من الحكومة وكذلك اتخاذ الخطوات اللازمة لدمج القطاع الموازي وتوجيه السيولة للقطاع المصرفي من أجل الحدّ من إعادة التمويل من طرف البنك المركزي التونسي وأخيرا تسريع إعادة هيكلة المؤسسات العمومية.
وتمّت دعوة محافظ البنك المركزي إلى تطوير السياسة النقدية وتغيير مجلة الصرف وذلك لتشجيع الاستثمار وتسهيل إدماج الطاقات الشابة وأصحاب الاختراعات في سوق الشغل وتوفير التمويل اللازم لإنجاز مشاريعهم المتخصّصة في التكنولوجيا الحديثة لتجنب هجرة هذه الأدمغة التي تحتاجها تونس.
9. وبالنسبة إلى معالجة الميزان التجاري، تمّ اقتراح الرجوع إلى التصدير باعتباره أمرا حيويا وذلك بإعادة المزايا التفاضلية لقطاعات هامة مثل النسيج والمواد الغذائية وإيلاظ مزيد الاهتمام للقطاعات الواعدة وضرورة الاستثمار في خدمات الذكاء (الصحة، التعليم الموجّه إلى الأجانب).
10. بناء كلّ السياسات المقترحة على إصلاحات هيكلية تتعلّق بالإصلاح الجبائي والإصلاح المالي والإصلاح الإداري والحوكمة الرشيدة وتحسين مناخ الأعمال وتحسين أداء سوق الشغل وإصلاح التعليم والنهوض بالتكوين المهني وإرساء اللامركزية والنهوض بالتنمية الجهوية.
11. تأمين التوازن الجهوي وإيلاء مزيد الاهتمام للمؤسسات الصغرى والمتوسّطة التي تشكو من نقص في الإحاطة ومن مشاكل تصرّف وتسيير أكثر منه من مشاكل تتعلّق بالموارد المالية. كما تمّ اقتراح دعم آليات القروض الصغرى في المناطق الريفية ببعث بنك للقروض الصغرى في كلّ ولاية.
12. خلق طبقة جديدة من نساءورجال أعمال بالجهات الداخلية عن طريق التمويل والتأطير ووضع إطار قانوني خاصّ بالوضع الاقتصادي يمكّن من اتخاذ إجراءات مستعجلة للخروج من الأزمة الاقتصادية.
13. تفعيل آليات مكافحة الفساد وسوء التصرّف والتي بدونها لا يمكن القيام بعمليات الإصلاح.

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.