أخبار - 2018.02.21

جيل كيبال: تسعى فرنسا اليوم إلى تغيير علاقاتها بالعالم العربي (فيديو)

جيل كيبال: التجربة التونسية.. ما بعد داعش .. صورة المستشرق (فيديو)

لعلّ ما يتميّز به جيل كيبال، أستاذ العلوم السياسية وعلم الاجتماع والكاتب الفرنسي عن غيره من المستشرقين معرفته الدقيقة، وعن كثب، لشؤون العالم العربي الذي زار مختلف بلدانه من المحيط إلى الخليج وأقام لمدّة طويلة في إثنين منهما: سوريا لغاية دراسة اللغة والحضارة العربيتين ومصر حيث أجرى تحقيقات وبحوثا ميدانية من أجل إعداد أطروحة دكتوراه حول الحركات الإسلامية في هذا البلد قدّمها سنة 1983.

زار جيل كيبال تونس عديد المرّات وسلّط أضواء كاشفة على تجربة الانتقال الديمقراطي فيها بعد ثورة 14 جانفي 2011 في كتاب «Passion Arabe» الذي نقل فيه تداعيات ما اصطلح على تسميته بـ«الربيع العربي» على الأوضاع في عدد من الدول العربية خلال الفترة الممتدة من 2011 إلى 2013.

كان بيننا منذ أيّام، ضمن الوفد المرافق للرئيس إيمانوال ماكرون في زيارة الدولة التي أدّاها لتونس يومي 31 جانفي و1 فيفري 2018.

في الجزء الأول من الحديث الشامل الذي خصّ به مجلة ليدرز العربية يتناول جيل كيبال أبعاد زيارة ماكرون لتونس وسياسة الرئيس الفرنسي تجاه العالم العربي ومنطقة المتوسّط، علاوة على مسألة عودة الجهاديين من بؤر التوتّر.

 

زرت تونس هذه المرّة ضمن الوفد المرافق للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في زيارة الدولة التي أداها يومي 31 جانفي و1 فيفري 2018 للبلاد التونسيّة كيف بدت لك هذه الزيارة وماهو تقييمك للوضع الحالي في تونس، 7 سنوات بعد الثورة؟

أعتقد أنّ الزيارة كانت مفيدة جدّا لأنّ تونس هي البلد الأول الذي شاهدنا فيه إلى حدّ ما انتصار ثورات الربيع العربي، وانتقال الثورة من الحراك الثوري إلى بناء الديمقراطية، خاصّة عندما نقارن الوضع التونسي بما يحصل في البلدان العربية الأخرى مثل ليبيا واليمن وسوريا حيث حلّت الفوضى محلّ الثورة، ومثل مصر حيث نلاحظ رجوع النظام العسكري. يوجد اليوم تحدّ تونسي خاصّ. وثمّة باحثون مثل الأكاديمي الأردني الأمريكي صفوان مصري يرون أنّ هناك نموذجا تونسيا وأنّ تونس لا يمكن أن تكون مقياسا للبلدان العربية الأخرى لأنّ لها خصوصية تكمن في المستوى الدراسي العالي للشباب وحريّة المرأة والعلاقات الخاصّة بأوروبا، بالإضافة إلى الموقع الجغرافي الذي يضعها في المفترق بين العالمين العربي والغربي، ممّا يجعلها استثناء. بالنسبة إلى فرنسا، تلعب تونس دورا خاصّا في علاقتها بالعالم العربي من جهة، وبلدان المغرب من جهة أخرى. ففي تونس هناك حريّة، وتفاعل بين مكوّنات المجتمع والنظام الحاكم والجمعيّات، رغم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية مثل الفوارق الجهويّة ما بين العاصمة وبقية الجهات وظاهرة الفساد  ومشكلة تسرّب الإرهابين عبر الحدود مع ليبيا والجزائر. في هذا الإطار، تأتي زيارة الرئيس ماكرون لدعم التجربة التونسية. وبالنسبة إلينا كفرنسيين، نعتبر انتصار التجربة التونسية أمرا مهمّا جدّا، فلو فشلت تونس، هذا يعني أنّ لا أمل في نشأة الديمقراطية في البلدان العربية. كما لا ننسى أنّ هناك تونسيّا على 12 يعيش في فرنسا، وأنّه يوجد تونسيون أيضا  ضمن النواب الفرنسيين من حركة “En marche” التي أسّسها ماكرون. وكان إثنان منهم على الأقل ضمن الوفد المرافق له. لقد كان خطاب الرئيس ماكرون في البرلمان التونسي مهمّا فيما يخصّ دعم تونس، والعلاقات الأوروبية - العربية ومسالة التدخل العسكري في ليبيا. كما لاحظتم، كان هناك نقد للسياسية الخارجية الفرنسية في ذلك الوقت الذي تقرّر فيه التدخّل العسكري في هذا البلد دون التفكير في العواقب السياسية لذلك. اليوم نعاني من هذه العواقب سواء أنتم في تونس أو نحن في فرنسا. ويعمل ماكرون حاليّا على بناء سياسته الجديدة تجاه بلدان البحر الأبيض المتوسط. وفي هذا الإطار يندرج برنامج زياراته الخارجية. كانت أولى الزيارات إلى المغرب في رمضان الفارط، تلتها زيارة إلى الجزائر وقطر ثم الإمارات والسعودية. وتزامنت زيارته للسعودية- حيث التقى وليّ العهد محمد بن سلمان- مع احتجاز رئيس الحكومة اللبناني، سعد الحريري. وقد لعب ماكرون دورا مهمّا لحلّ هذه الأزمة. وتسعى فرنسا اليوم إلى تغيير علاقاتها بالعالم العربي. ففي السابق، كانت هذه العلاقات تتأثر بالموقف الأمريكي. اليوم مع وصول الرئيس ترامب إلى الحكم وانخفاض أسعار النفط، هناك تراجع أمريكي في المنطقة، لذلك أصبح من الضروري أن تكون العلاقات بين أوروبا والعالم العربي مباشرة. اليوم، كلّما حصل شيء في العالم العربي، انعكست نتائجه علينا في فرنسا مثل الظاهرة الجهادية التي نلمس آثارها. فما بين 2015 و2016، سجّلت فرنسا مقتل 239 شخصا في عمليات إرهابية. وهناك 1700 فرنسي التحقوا بالجماعات الإرهابية في سوريا ومنهم من رجع اليوم إلى الوطن، دون أن ننسى الهجرة غير الشرعية وهي مشكلة كبيرة بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي، وليس فقط على المستوى الاجتماعي، ذلك أن تأثيرها لمسناه أيضا في نتائج الانتخابات في أوروبا. ففي ألمانيا، أثّرت سياسة استقبال اللاجئين في نتائج الانتخابات من خلال فوز 90 نائبا من اليمين المتطرّف. والشهر القادم، ستكون هناك انتخابات في إيطاليا ويُرجّح أن ينجح حزب «النجوم الخمسة» المعروف بعنصريّته بموقفه المعادي لأيّة علاقة بجنوب المتوسّط. كلّ هذا يرسم خارطة جديدة للمنطقة تجمع ما بين الاتحاد الأوروبي والشرق الأوسط وشمال إفريقيا. تحديد معالم المستقبل المشترك في هذه المنطقة هو التحدّي الذي يسعى ماكرون إلى رفعه. وزيارته لتونس تتنزّل في هذا الإطار، كما ستليها زيارات أخرى لبلدان في الشرق الأوسط لوضع ملامح هذه السياسة الجديدة.

تحدثّت عن الوضع في ليبيا وتأثيراته العربية والمتوسطية. وخلال زيارته لتونس، اعترف الرئيس ماكرون أنّ التدخّل العسكري في ليبيا كان خطأ، ماهي في رأيك تبعات هذا الاعتراف؟

طبعا عندما نقيّم اليوم التدخّل العسكري في ليبيا، نرى أنّ النتائج كانت سيّئة جدّا على البلد لأنّ صنّاع القرار في ذلك الوقت، أي ساركوزي، وكامرون وأوباما، لم يفكّروا في نتائج ما بعد إسقاط القذافي. ولكن عندما نعود إلى أيام الضربة العسكرية أو «ضربة ساركو» كما يسمّيها الليبيون في بنغازي، نرى أنّ رتل دبابات القذافي كان يقترب من بنغازي، وإن لم تحصل الضربة العسكرية، فإنّ هذا الأخير كان سيرتكب مذبحة. طبعا هناك من يقول إنّه لو حصلت مذبحة آنذاك، سيكون عدد القتلى أقلّ بكثير من عدد من قتلوا في ليبيا منذ سقوط القذافي إلى الآن. ولكن يوجد فرق بين أن نجلس اليوم ونقيّم الأوضاع بهدوء وبين موقف المسؤول الفرنسي أو الإنكليزي الذي وجد نفسه أمام وضع متأزّم وكان لابدّ له أن يأخذ قرارا. ماهو مؤكد، هو أنّه بعد سبع سنوات من التدّخل العسكري في ليبيا، يمكن القول إنّه كان غلطة على المستوى السياسي. إلا أنّ الغلطة لم تكن في الضربة العسكرية في حدّ ذاتها، وإنما في غياب حلّ سياسي بعدها. لذلك فبالنسبة إلى الرئيس ماكرون، وجب وضع نوع جديد من السياسية، بمعنى أنّ أيّ تدخّل عسكري في المستقبل، لابدّ أن يتمّ التشاور فيه مع المسؤولين المحليين من قبل. ففي التدخّل العسكري الليبي، كان هناك تشاور بين باريس ولندن وواشنطن فقط دون أيّ تعاون مع بلدان المنطقة. لذلك انتقد الرئيس ماكرون هذا التدخّل في خطابه أمام البرلمان التونسي، وكان في هذا النقد إعلان عن توجّهه السياسي الجديد.

في 25 جويلية 2017، جمع الرئيس ماكرون بين المشير خليفة حفتر ورئيس حكومة الوفاق الوطني، فايز السّراج. هذه المبادرة وجدت ترحيبا كبيرا من قبل الكثير من دول المنطقة ودول العالم، هل هي متواصلة؟ وهل تعتقد أنّ ماكرون سيمضي لتحقيق هذه المبادرة التي انبنت على 10 نقاط تهدف الى الوصول بليبيا نحو الاستقرار والأمن؟

أعتقد أنّ هذا اللقاء كان محاولة لتحقيق السلم في ليبيا. كما تعرفون الوضع السياسي معقّد جدّا، فهناك قطبان حاليا يمسكان بزمام الأمور: قطب في بنغازي تحت إشراف خليفة حفتر وقطب في طرابلس تحت إشراف فايز السّراج. إلى جانب هذين القطبين، يوجد في كل جزء من ليبيا، عشائر وقبائل وميليشيات مختلفة مستقلة، مثلا في درنة أو شرق بنغازي أو الزنتان. وما قامت به فرنسا هو جزء من الدعم الدولي لحلّ الأزمة. ليس ذلك بالأمر اليسير، فقد كنت حاضرا في اتّفاق الصخيرات وساعتين بعد ذلك، أعلن حفتر أنه لا يلتزم به، وربّما كان ذلك جزءا من استراتيجيته في التفاوض. شخصيا، أرى أنّ الوضع في ليبيا يتغيّر كلّ يوم. لذلك، يجب أن تجتمع البلدان المجاورة لها مع البلدان الأوروبية لإيجاد حلّ. الفرق ما بين ما يحصل في سوريا وما يحصل في ليبيا، هو وجود حرب أهلية في القطر السوري وهو ما يمنع وجود إمكانيات للمفاوضات بين الأطراف المختلفة، بينما يختلف الوضع قليلا في ليبيا، حيث توجد قبائل يمكن أن تتفاهم. كما أنّ هناك إمكانية كبيرة لحلّ النّزاع مع الدور الجديد الذي يلعبه المبعوث الأممي إلى ليبيا، غسان سلامة الذي له خبرة في التعامل مع الأطراف المختلفة في لبنان.

من التحدّيات الكبرى التي تواجهها تونس وبلدان أخرى ومنها فرنسا، عودة المقاتلين من بؤر التوتر. في تقديرك، ماهي المقاربة الأنجع لمواجهة هذا التحدي الأمني الكبير؟

إنّه تحدّ كبير على المستوى السياسي والأمني، سواء في تونس أو في فرنسا أو بلدان أخرى. عندما يعود الإرهابيون إلى أوطانهم، سيتمّ سجنهم ولكن السجن في حدّ ذاته يمثّل مشكلة. ففي فرنسا، أصبح الإرهابيون المسجونون يخطبون في سجناء الحقّ العامّ وبالتالي صار السجن حاضنة للتفكير الجهادي. لذلك قرّرت إدارة السجون في فرنسا تخصيص سجون خاصّة بالجهاديين ولكنها خلقت بهذه الطريقة قطبا مضادا لنظام السجون، حيث حاول ثلاثة سجناء قتل الحرّاس. يجب الاعتراف بأننا لم نجد إلى حدّ الآن حلاّ لهذه المشكلة. أظنّ أنّ الحلّ يكمن في بناء سجون جديدة ولكن ذلك سيثقل كاهل دافعي الضرائب. فرنسا طلبت من القوات الكردية في سوريا والعراق أن تحاكم الجهاديين الفرنسيين الذين قُبض عليهم هناك. ولكن محامييهـــم يطالبـون بإعادتهم إلى وطنهـم لمحاكمتهم في فرنسا. طبعـا، الرأي العـام الفرنسي لا يريد ذلك ولكنني أرى أنه لابدّ من من محاكمة الجهاديين في بلدنا، باعتبارهم متّهمين بارتكاب جرائم ضد الدولة الفرنسية. كذلك من الواجب أيضا تحليل الجذور السياسية والفكرية والدينية للظاهرة الجهادية لأنّ المشكلة انبثقت من مجتمعاتنا.

حاوره عبد الحفيظ الهرقام والهادي الباهي
ومحمّد إبراهيم الحصايري وحنان زبيس

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.