الـنـسـاء والإرهاب: كتاب لآمال قرامي ومنية العرفاوي
النساء والإرهاب، دراسة جندرية»، عنوان كتاب صدر مؤخّرا عن موسّسة «ميسكلياني للنشر والتوزيع»، وهو من تأليف د. آمال قرامي الأستاذة بالجامعة التونسية المتخصّصة في الدراسات الحضارية والفكر الإسلامي ومنية العرفاوي الصحفية بجريدة «الصباح».
جاء هذا الكتاب الذي يقع في 540 صفحة لإلقاء الضّوء على زوايا ظلّت معتّمة في قضية الفتيات والنساء والإرهاب، إذ تبيّن د. آمال قرامي أنّ الدارسين نادرا ما تعرّضوا في مؤلّفاتهم المتعدّدة إلى أشكال حضور النساء في التنظيمات الإرهابيّة والجماعات المتطرّفة، علاوة على انعدام العناية الجادّة بملامح «الجهاد/ الإرهاب/ التطرّف النسائي» وتحديد الأسباب التي تدفع فئات من الشابات والنساء من كافة بلدان العالم إلى الانتماء إلى الجماعات المتشدّدة، وعلى رأسها «تنظيم داعش» والقبول بالتضحية بكلّ شيء في سبيل الالتحاق «ببلاد الشام»، لذلك اعتُمدت في الكتاب مقاربة جندرية تقطع مع التمركز الذكوري لدراسة علاقة الفتيات والنساء بالإرهاب ولسدّ بعض الثغرات في تحليل الظاهرة الإرهابيّة، لا سيّما وأنّ الجندر أضحى مركزيّا في دراسات الإرهاب وغيرها من الدراسات.
وتكمن أهميّة هذه «المغامرة البحثيّة» وطرافتها في التّزاوج بين المنحى الأكاديمي الصارم للدكتورة آمال قرامي ــ الملتزم بالمعايير العلمية من حيث ذكر مختلف المراجع والتّدقيق في المفاهيم والمصطلحات ونقد بعض النظريات السّائدة ــ وعدسة منية العرفاوي الصحفية التي «تستقصي الأخبار وتجمع المادّة من خلال الاتّصال المباشر بفئة مهمّة من النساء اللاتي احتككن بالإرهاب فكرا وممارسة أو تحمّلا للتبعات فتكون كتابتها إنشائية ميّالة إلى إبراز قصص حيوات «فاعلين» متعدّدين»...
لعلّنا لا نبالغ إن قلنا إنّ هذا المؤلَّف الذي بُذلت جهود بحثية مضنية من أجل إعداده يعتبر من أفضل ما صدر إلى حدّ الآن بخصوص ظاهرة الإرهاب عموما وعلاقة النساء بها بوجه خاصّ، لما يتّسم به من عمق التّحليل وجديّة المقاربة ووفرة المراجع والمعلومات.
وتؤكّد د. آمال قرامي على سبيل الخاتمة أنّه «بالرّغم من التهيّب من توظيف المناهج الجديدة في دراسة الإرهاب فإنّ مقاربة الجندر استطاعت فرض نفسها فما عاد بالإمكان تجاهلها وعزلها عن بقية الاختصاصات، ولكنّها تبقى غير كافية لفهم مختلف أبعاد التطرّف العنيف وكلّ مكوّنات الإرهاب، ومن ثمّة وجب التذكير مرّة أخرى بأنّ دراسة الإرهاب تتطلّب بحوثا أخرى تستند إلى مقاربات ومناهج مختلفة تحقّق قيمة مضافة كالمنهج الأنتروبولوجي والمنهج الثقافي الاجتماعي والمقاربة السياسية والمنظور القانوني والفلسفة...»
من الفصل الخامس للكتاب بعنوان: «الإرهابيات المغاربيات، دراسة بورتريات» نعرض عليكم هذه المقتطفات التي تخصّ إحدى فتيات تنظيم أنصار الشريعة:
عـائشـة... الجــسـد فـي خدمـة الـمعتــقـد
لم يدر بخلد النائب بالبرلمان التونسي رضا شرف الدين وهو يغادر منزله ذلك صباح يوم 8 أكتوبر 2015 متوجّها إلى مصنع الأدوية الذي يملكه أنّه سيعيش أفظع كابوس في حياته وأنّ بانتظاره لحظات رعب لا تُنسى... فلم تمض إلاّ بعض دقائق على انطلاقه بسيارته الفاخرة حتى تفاجأ بانهمار وابل من الرّصاص انطلق من سيّارة مجهولة كانت تسير على يمينه. ورغم أنّ الأمر باغت شرف الدين إلاّ أنّه تمالك نفسه وحاول باستماتة إنقاذ حياته بكلّ ما أوتي من قوّة فزاد في سرعة سيّارته ولكنّ سائق السيارة المجهولة زاد في السّرعة بدوره وانطلق خلفه برغبة محمومة في إيذائه.
كانت السيارة التي تلاحق بعناد شرف الدين سيّارة رباعية الدّفع انطلق سائقها بسرعة جنونية خلفه في ما استمرّ مرافق السائق في إطلاق الرّصاص على رضا شرف الدين، وقد التحقت سيارة ثالثة كانت تقوم قبل ذلك بالرّصد ومتابعة عملية المطاردة وانضمّت إلى السيارة الرباعية في إطلاق النّار باتّجاه سيّارة رضا شرف الدين في محاولة لاغتياله ورغم أنّ هذه المطاردة الشّبيهة بأحد المشاهد السينمائية المثيرة من أحد أفلام «هيتشكوك» لم تستغرق سوى عشر دقائق إلاّ أنّ رضا شرف الدين وصفها بكونها استغرقت دهورا من الزّمن وأنّه لم يصدّق أبدا أنّ بإمكانه النّجاة بعدها. فبعد أن وصلت السيارة أمام مصنع الأدوية وهي مخرّبة بعشرات الرصاصات، نظر شرف الدين من خلال زجاج المقعد الخلفي لسيّارته المهشّم بالكامل فلم يتبيّن شيئا... اختفت السيارتان ولم يبق من كلّ العملية إلاّ أزيز الرّصاص الذي يطنّ في أذنيه، وأسئلته تائهة في ذهنه: من كان هؤلاء؟ ماذا يريدون؟ ولماذا أرادوا قتله؟ تحسّس رأسه وصدره ثمّ ألقى بجسده خارج السيارة، وهو لا يصدّق أنّه أفلت بمعجزة من موت محقّق!...و في ليلة 8 نوفمبر من سنة 2015 نجحت قوّات الأمن في القبض على شخصين مسلّحين كانا يركبان درّاجة نارية، وحاولا إطلاق النّار على أعوان الأمن كما أنّهما كانا يحملان حقيبة تحتوى على عدد من الأسلحة والمتفجّرات. وقادت التحريات الأمنية إلى الكشف عن العلاقة المباشرة بين هذين الشّخصين ومحاولة اغتيال رضا شرف الدين. وقادت المعلومات التي حصلت عليها الشّرطة إلى الكشف عن أخطر خليّة كانت تعدّ العدّة للقيام بأعمال إرهابية تشمل اغتيال قيادات سياسية بارزة ورجال أعمال وتفجير مناطق حيوية والقيام أيضا بعمليّة انتحارية باستعمال العبوات الناسفة.
وأثناء التّحقيق برزت مفاجأة تمثّلت في وجود امرأة ضمن هذه الخليّة الخطيرة التي كانت تسمّي نفسها بـ «خلية الفرقان» وتعدّ هذه المرأة من أخطر العناصر ومن أكثرها نشاطا وتحمّسا للأفكار المتشدّدة والتكفيرية. وكانت هويّة المرأة التي تُكنّي بـ «عائشة»: رباب محيمد المولودة سنة 1986 بمنطقة سيدي الهاني من ولاية سوسة والتي لم تكمل تعليمها واكتفت بالمرحلة الأولى من التعليم الثانوي، وقد حاولت أن تعمل في بعض مصانع الجهة ولكنّها لم تداوم على العمل ولازمت البيت.
وكانت الخيمات الدعوية التي انتشرت بشكل كبير بعد الثّورة في المدن الساحلية، وخاصّة مدينة سوسة سببا مباشرا في تعلّق «عائشة» بالفكر الجهادي، وتأثّرها برموزه ومنظّريه أمثال «أبو محمّد المقدسي». وفي أواخر 2011 بدأت «عائشة» تهتمّ بقراءة الكتب الدينية ذات التوجّهات الفلسفية والجهادية، والتي كانت تعرض على قارعة الطريق أمام كلّ مساجد وجوامع تونس وتلقى إقبالا من الشّباب الملتزم دينيا وحتّى الشّباب غير الملتزم. وفي بداية سنة 2012 بدأت «عائشة» تتأثّر بالأفكار التي يروّج لها التيار الجهادي في تونس من خلال تنظيم أنصار الشّريعة، خاصّة في أواخر سنة 2011 وبداية 2012 والذي كان له حضور قويّ في مدينة سوسة. وقد تعلّقت «عائشة» بأفكار قيادات هذا التيار ومنهم سيف الله بن حسين- أبو عياض، وسيف الدين الرايس وحسن بن بريك الذين كانوا من «نجوم» التّنظيم في بداية تأسيسه.
وبعد فشل محاولة اغتيال النائب رضا شرف الدين نجحت قوّات الأمن في إلقاء القبض على عناصر الخليّة التي ناهز عدد أفرادها 32 عنصرا من بينهم عائشة التي كان لها دور محوري في التعارف بين باقي أفراد المجموعة، ومنهم ناظم الحدّاد وناجح بن سعد منفّذا محاولة الاغتيال ويعدّان من العناصر المصنّفة خطيرة،وقد تمّ إلقاء القبض عليهما بعد خمسة أيام من محاولة اغتيال النائب رضا شرف الدين. وكانت عائشة قد لعبت دورا هامّا داخل خليّة سوسة الإرهابية إذ تولّت مهمّة استدراج عون الأمن أيمن الهذيلي والإيقاع به مستغلة في ذلك أنوثتها، وقد ربطت معه علاقة عاطفية استمرّت أشهرا بدأت بالإعجاب المتبادل والحال أنّ «عائشة» متزوّجة بأحد المتبنّين للفكر الجهادي والذي تمكّن من الفرار إلى ليبيا بعد ذلك، وانتهت بعلاقة حميمية بعد طلاقها من زوجها.
لقد خطّط عون الأمن وعائشة لعقد قرانهما بعد انتهاء شهور العدّة، ولكن عائشة لم يكن يهمّها كثيرا الزّواج من حافظ الأمن لأنّها كانت مكلّفة بمهمّة استقطابه وتطويعه لخدمة أغراض الخلية باستخدام أحسن لغة تبدع فيها النساء وينهار أمامها أقوى الرجال: لغة الجسد. وقد كشفت تحريّات الأمن أنّ عائشة وعون الأمن كانت بينهما علاقة جنسية وكانا يلتقيان سرّا في منازل بعض معارفهما للاختلاء ببعضهما. وقد أحبّها عون الأمن إلى درجة أنّه لم يعد قادرا على الابتعاد عنها، ومستعدّا لتقديم كلّ الخدمات التي تطلبها منه ولم تكن عائشة تطلب أكثر من ضمان طاعته.
وقد تمّ انتداب أيمن الهذيلي سنة 2012 والتحق بالعمل في فوج وحدات التدخّل بسوسة، وعندما قُبض عليه اعترف بأنّ» الخلية التي انتمى إليها عن طريق عائشة، وكان على علم بمخطّطها، كانت تعدّ العدّة لتنفيذ عمليات في تونس مشابهة لهجمات باريس العاصمة الفرنسية. ولم ينكر عون الأمن عند التّحقيق معه تبنّيه للفكر المتشدّد والتحاقه بالخلية الإرهابية بعد تعرّفه على عائشة. كما أنّه اعترف أيضا بأنّ المجموعة طلبت منه التقاط صور لمنشآت أمنية في جهة سوسة، ووفّرت آلة تصوير. وقد استطاع بالفعل التقاط صور لشخصيّات رياضية وسياسية بارزة في مدينة سوسة منها النائب رضا شرف الدين الذي نجا من محاولة اغتياله التي دبّرتها المجموعة، والذي التقط له صورا عديدة في أحد مباريات فريق كرة القدم النجم الرياضي الساحلي باعتبار أنّ شرف الدين هو رئيس الفريق الرياضيّ.
وكانت الغاية من محاولة اغتيال رضا شرف الدين حسب اعترافات رباب محيمد أو عائشة هو إرهاب السياسيين، وإدخال البلبلة داخل الطبقة السياسية، وإشعال النّعرات الجهوية بين مختلف ولايات الجمهورية، كما أنّ أفراد المجموعة الإرهابية أجمعوا على أنّ اختيارهم لـ»رضا شرف الدين» لم يكن عشوائيا بل يعود إلى كونه أحد رموز سوسة سياسيا ورياضيا واقتصاديا، وأنّ عملية اغتياله ستربك الأمن العام، وستكون لها تداعيات سياسية وجهوية. وقد كشفت محاولة الاغتيال الفاشلة عن جريمة بشعة جدّت يوم 19 أوت 2015 بجهة حيّ الزهور في ولاية سوسة، وأدّت إلى قتل عون الأمن عزّ الدين بالحاج نصر خلال عمله بطريقة غامضة. فقد اعترف عون الأمن أيمن الهذيلي أنّ الخليّة هي التي كانت وراء قتله برميه بالرصاص ثمّ قرّرت الفرار.
تقبع اليوم رباب محيمد أو عائشة في سجن النساء بمنوبة في انتظار استكمال أطوار محاكمتها على كلّ التّهم الإرهابية التي تعلّقت بها.والمعطيات المتوفرة لدينا من داخل السجن تؤكّد أنّ عائشة لا تكفّ عن افتعال المشاكل، وتكفير السجّانات وهي ترفض بشدّة مقابلة «الواعظات» اللواتي ترسلهنّ وزارة الشؤون الدينية من أجل الحديث مع النساء الموقوفات على ذمّة قضايا إرهابية ومحاولة الحوار معهنّ حول معتقداتهنّ الخاطئة وفهمهنّ السيّئ للدين بهدف تقويم ما نحرف من عقيدتهنّ.
- اكتب تعليق
- تعليق