مع نضوب النفط وتضاؤل الغاز: الطّاقات الجديدة تروي العطش الطاقي
يتراجع الإنتاج الوطني من النفط عاما بعد آخر، ممّا يشكّل ضغطا على الدولة بسبب الاضطرار إلى توريد حاجات البلاد من السوق الدولية. وتناقص الإنتاج بمعدّل 10 بالمئة سنويا، إذ كان يبلغ 81 ألف برميل في اليوم سنة 2009، وانخفض في 2015 إلى 55 ألف برميل في اليوم، وهو لا يتجاوز الآن 44 ألف برميل. وأدّت الاضطرابات التي شهدتها ولاية قبلي في الشهر الماضي إلى توقّف الإنتاج تماما في بئرين بالمنطقة. ويُعزى تراجع إنتاجنا من النفط الخام إلى نضوب أقدم حقل، وهو حقل البُرمة الذي انطلق إنتاجه في 1966، بعد دخول مجموعة «إيني» الإيطالية إلى تونس تفتيشا وإنتاجا. وتشكّلت لهذا الغرض «الشركة الإيطالية التونسية لاستغلال النفط SITEP». إلا أنّ المجموعة حاولت مغادرة تونس بعد الثورة، لكن تمّ إقناعها بالبقاء. وفي كل الحالات فإن ما تبقّى من العمر الافتراضي للحقل قد لا يتجاوز عشر سنوات.
عادة ما تعتمد البلدان التي تشبه أوضاعُها أوضاعنا، على الشركات النفطية الكبرى لأنّ الاستكشاف يتطلّب استثمارات ضخمة، وهو غير مضمون النتائج، ممّا يجعل الدولة مُعرّضة لخسائر كبيرة، ولذلك فإنّ الشركات العملاقة هي وحدها التي تستطيع الإقدام على هذا النوع من المراهنة. وبعد الاتفاق بين الدولة والشركة النفطية، وفي حالة اكتشاف مخزون من المحروقات فإنّ الدولة توقّع معها اتّفاقا جديدا تتقاسم معها بموجبه النفقات التي صُرفت على التفتيش والحفر والاستخراج، كما تتقاسمان كذلك المنتوج. وتتولّى «الشركة التونسية للأنشطة البترولية»(ETAP) تمثيل الدولة في هذه العمليات، كشريك للمستثمرين الأجانب. ويُضاعفُ ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية من أعباء تونس، إذ تمّ إعداد الموازنة الجديدة مثلا على أساس سعر مرجعي للنفط يُعادل 55 دولارا، بينما ارتفع السعر إلى 62 حاليا، وهو مُرشح للزيادة. كما أنّ انزلاق الدينار سيزيد من كلفة البرميل المستورد. وعلى سبيل المثال وجدت الحكومة نفسها مُجبرة على اقتراض 310 مليون دولار من البنك الإسلامي للتنمية من أجل ضمان استمرار تزويد البلاد بالمحروقات. وتُؤثّر عمليات الاحتجاج الجماعية، وخاصّة الاعتصامات في مواقع إنتاج النفط والغاز، تأثيرا سلبيّا بالغا في الميزان الطاقي. وبحسب المجلة الاقتصادية «أفريكان مناجير» بلغت كلفة توقّف إنتاج النفط والغاز خلال سنة 2017، حوالي 980 مليون دينار.
هل الغاز بديلٌ؟
ركّزت تونس على الغاز الطبيعي منذ الثمانينات، بوصفه مصدر طاقة أرخص وأنظف من النفط. وشجّع على هذا الخيار العثور على آبار غاز في عدّة حقول، بالإضافة إلى تقاضي تونس رسوما على مرور أنبوب الغاز الجزائري نحو إيطاليا. وأتاحت الوفرة النسبية للغاز الطبيعي توصيل الشبكة إلى عدّة مدن لاستخدامه في المصانع والفنادق والبيوت، ممّا ساهم في التخفيف من الأزمة الطاقية. لكن بعد تناقص إنتاج الغاز في الحقول التقليدية طيلة الفترة الماضية، يُتوقع أن يتحسن ميزان الطاقة، مع الانطلاق في تنفيذ مشروع «غاز الجنوب»، الذي سيضخّ الغاز إلى مدن الجنوب 2.4 مليون متر مكعب من الغاز المعالج، أي ما يُقارب نصف استهلاك البلاد من الغاز الطبيعي. وتُقدرُ كلفة هذا المشروع، الذي يُسمى «مشروع نوّارة» بـ2.9 مليار دينار. غير أنّ الاتّجاه نحو تطوير الطاقات المتجددة يبدو الخيار الأفضل لتأمين حاجاتنا من مصادر الطاقة، بسبب قلّة الكلفة، مع ضمان المحافظة على البيئة. وتأتي في مقدمة مصادر الطاقة المتجددة الشمس والرياح، فنحن بلدٌ تصل الأيام المشمسة فيه إلى 300 يوم في السنة. وستُقام في الجنوب محطّة لإنتاج الطاقة الشمسية تُنتج 210 ميغاواط في إطار شراكة بين القطاعين العام (الشركة التونسية للكهرباء والغاز) والخاصّ. وقد تلقّت الدولة العروض الخاصّة بتنفيذ القسط الأول من المشروع، ومن المتوقع أن يتمّ الاختيار في الربع الأول من العام المقبل.
أمّا القسط الثاني فيُتوقّع أن يعطي 200 ميغاواط. وقد أطلقت الشركة التونسية للكهرباء والغاز أوّل مشروع في هذا المجال في ماي الماضي بتوزر، وهو يُنتج 10 ميغاواط، ثم مشروعا آخر بقبلي سيُنتج 80 ميغاواط، وهي تجربة مع القطاع الخاصّ، سيتم تقويمها ودراستها لاحقا. وتشير التقديرات إلى أنّ تونس ستنتج ألف ميغاواط في حدود 2020، فيما يصل استهلاكنا في فترات الذروة إلى 4000 ميغاواط. مع ذلك تأمل تونس أن تنتج وتُصدّر الطاقة الشمسية، في إطار مشروع الربط الكهربائي مع أوروبا، عن طريق إيطاليا، والذي تبلغ كلفته التقديرية 600 مليون يورو، وسينقل 600 ميغاوات. وهذا المشروع قابل للمضاعفة، ومن بين أهدافه تحريك القطاع الخاصّ لكي يُباشر إقامة مشاريع مشتركة مع القطاع العام في هذا المجال المهمّ.
ومن شأن الطاقة الشمسية والطاقة الهوائية، اللتين ستُغطيان نحو 30 في المئة من حاجاتنا، أن تخلقا مشاريع في الجهات، لأنّ إقامة حقول للواقط الشمسية وطواحين الريح لا تتطلّب استثمارات ثقيلة من النوع الذي يتطلّبه البحث والتنقيب عن النفط والغاز. وبتعبير آخر فإنّ هذه المشاريع تعتبر قاطرة للتنمية الجهوية، بشرط توفير البنية الأساسية، وخاصة من الطرقات (بين البُرمة وبرج الخضراء مثلا)، وهذا ينعكس بدوره إيجابا في إيجاد فرص عمل جديدة، وإن كانت الطاقة الشمسية تُشغل أعدادا كبيرة في البداية ثم تتناقص الحاجة إلى الأيدي العاملة. وأثبتت المشاريع التي أقيمت في تلك المناطق جدواها الاقتصادية، مثل إنتاج الدقلة في البرمة على مساحة 50 هكتارا، إضافة إلى خمس مناطق إنتاج فلاحي أخرى.
ظلال الفساد
يُعتبر قطاع المحروقات في العالم من أكثر القطاعات التي يكثر فيها الفساد والتي تقترن بقلّة الشفافية وكثرة الرشاوى، بحكم ضخامة حجم المشاريع وأهميّة الإمكانات المالية. وفي أكثر من بلد، كان قسمٌ من الشركات النفطية العملاقة يطفو على سطح وسائل الإعلام بفضيحة من فضائح الفساد. ورأينا في تونس ثلاثة من الرؤساء المديرين العامين للمؤسسة التونسية للأنشطة البتــــرولية (ETAP) يُـدعون من القطب القضائي المالي في ماي 2014 للتحقيق معهم في شبهات فساد. إلا أنّ وزارة الصناعة آنذاك (التي كانت تشرف على قطاع النفط) نفت وجود أية شبهات فساد في القطاع، بينما أوردت دائرة المحاسبات في تقريرها السنوي رقم 27 أنّ شبهات فساد تحوم حول المسؤولين الثلاثة. كما تجدر الإشارة إلى أن بعض الشركات الأجنبية العاملة حاليا في قطاع النفط التونسي مُسجلة في بلدان قزمية تُعتبر ملاذات آمنة جبائيا مثل جزر كايمان وبربادوس. ومنذ سنة 2000 تبُتُ لجنة استشارية في اختيار الشركات التي يُعهد لها بالمسح والتنقيب والحفر لاستخراج النفط والغاز. وكان يرأس هذه اللجنة المدير العام للطاقة في وزارة الطاقة والمناجم والطاقات المتجددة (وزارة الصناعة سابقا)، ويتمثل أعضاؤها في عدد من المديرين بالوزارات ذات العلاقة، وهي الوزارة الأولى ووزارة الداخلية والدفاع والمالية والصناعة، إضافة إلى ممثّل عن البنك المركزي، وهو ما يعني أنّ البرلمان لم يكن ممثّلا فيها، رغم أنّه كان تابعا للسلطة التفيذية. وسحب دستور 26 جانفي 2014 تلك الصلاحيات من اللجنة الاستشارية، وحوّلها إلى لجنة الصناعة والطاقة في مجلس نواب الشعب، ما قد يحد من مزالق الفساد، وإن كانت الثغرات مازالت قائمة.
رشيد خشانة
- اكتب تعليق
- تعليق