أخبار - 2017.12.15

عبد الحفيظ الهرقام: تقديم الأهمّ على المهمّ

 عبد الحفيظ الهرقام: تقديم الأهمّ على المهمّ

ترحل سنة 2017 وفي الذّاكرة أحداث جسام وخطوب جلل، آخرها قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إعلان القدس عاصمة لإسرائيل تمهيدا لنقل سفارة بلاده إلى هذه المدينة.. قرار أثار غضب الشارع والأوساط السياسية في تونس وفِي سائر الدول العربية والإسلامية وأدانته عواصم عدّة في مختلف القارّات، لكنّه أعاد القضية الفلسطينية ومسألة القدس إلى دائرة الضّوء في السّاحة الدولية وفرض على أصحاب هذه القضيّة العادلة ومناصريها اعتماد صيغ تحرّك جديدة للدفاع عنها ومؤازرتها.

وإلى جانب هذا القرار الجائر، ترتسم في الذّاكرة الجماعيّة آثار الحرب المدمّرة ضدّ داعش في سوريا والعراق، والتّداعيات المحتملة على الأمن القومي والأمن الإقليمي لعودة الإرهابيين أو لاتّخاذهم موطئ قدم في بؤر توتّر أخرى بعد اندحارهم في هذين البلدين، وفظائع الحرب العبثيّة في اليمن، علاوة على العمليات الإرهابيّة المتكرّرة في مصر واستمرار المأساة الإنسانية في ليبيا في ظلّ المخاض العسير للتسوية السياسية في هذا البلد. وإنّ ما عرضناه ليس، في الحقيقة، إِلَّا شذرات من واقع عربيّ حزين منكسر.

أمّا وطنيّا، فإنّ ما يبقى عالقا بالذاكرة احتدام الأزمة المالية رغم انتعاشة اقتصادية نسبية خلال السداسيين الأخريين وانحدار مستوى الممارسة السياسية بسبب غياب التصوّرات والبرامج الجادّة، مقابل التهافت على المناصب والمواقع وتحوّل منطق الغنيمة إلى قاعدة للحكم، إضافة إلى تحلّل مفهوم الوحدة الوطنية الذي قامت على أساسه حكومة يوسف الشاهد.. هذه الحكومة التي باتت منذ مدّة في مرمى «النيران الصديقة» ومحلّ انتقاد حتّى من داخل أحزاب مكوّنة للائتلاف الحاكم كثيرا ما إدّعت مساندتها لها في محاربة الفساد وإنجاز الإصلاحات الكبرى المطلوبة. ولا شكّ أنّ ضعف حزام الحكومة السياسي ساهم في إرباكها ونال من قدرتها على فرض خياراتها لإصلاح الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.غير أنّ ذلك لا يعفي الحكومة من مسؤولية ما أصاب عملها من تخبّط في معالجة بعض الملفّات وعجزها أحيانا عن طرح رؤى مجدّدة للخروج من عنق الزجاجة بدل اللجـوء إلى الحلول السهلة، كما تجـلّى ذلك بالخصوص خلال عرض مشــروع قـانون المالية لسنة 2018.

هكذا يتراءى لنا المشهد في بعض ملامحه، إقليميا ووطنيا، مع مطلع عام جديد، وأيّاما قليلة قبل الذكرى السابعة لثورة 14 جانفي 2011، في وقت تملّك فيه التشاؤم أغلب التونسيين، واعتبر فيه 80 بالمائة منهم أنّ الأمور سارت نحو الأسوإ طيلة السنوات السبع الأخيرة، وفق ما أظهرته مؤخّرا عملية سبر للآراء. فهل من أمل في أن تسرع البلاد الخطى خلال سنة 2018 على درب التّعافي من أزمتها الخانقة عسى أن يتبدّل مزاج التونسيين وينزاح عنهم الكدر والغمّ فيستعيدون الثقة في المستقبل؟

لنقرّ بأنّه ليس من خيار اليوم أمام التونسيين سوى التسلّح بالأمل والكدّ والاعتماد على الذّات في المقام الأوّل والإيمان بأنّ تدارك الوضع، على صعوبته، ممكن، شريطة الانطلاق الجدّي في تنفيذ الإصلاحات الكبرى بمراجعة منظومة الدّعم وتوجيهه نحو مستحقّيه وخصخصة عدد من المؤسسات العمومية المفلسة في القطاعات التنافسية غير الاستراتيجية وتطوير أداء الإدارة حتّى تكون محرّكا للاقتصاد ومعالجة تفاقم عجز الصناديق الاجتماعية، مع الحرص على ألّا تكون التّضحيات الواجب القيام بها على حساب الطبقات المتوسّطة والضعيفة.

وبالإضافة إلى هذه الرهانات المطروحة، فإنّه من المنتظر أن تشهد سنة 2018 إجراء الانتخابات البلدية. وعلى الرغم ممّا يكتسيه هذا الموعد الانتخابي من أهميّة في بروز نخب محليّة جديدة وفي انطلاق مسار إرساء اللامركزية، فإنّه من الضروري ألّا يزيد في توتّر الجوّ السياسي العامّ وألّا يقلِّص الاهتمام بالملفّين الاقتصادي والاجتماعى فينحسر الجهد الذي يتعيّن بذله لدفع نسق النموّ والنهوض بأوضاع التونسيين.

كما ينبغي ألّا تطغى الطموحات الشخصية والتجاذبات الحزبية على الأولويّات الوطنية في مجال العمل التنموي بأبعاده المختلفة خلال العام القادم فتعيش البلاد على إيقاع حملة انتخابية سابقة لأوانها، سنة قبل موعد الانتخابات التشريعية والرئاسية، ممّا من شأنه أن يعرقل مسار تحقيق الأهداف المرسومة لتجاوز الأزمة الراهنة. أليس لكلّ شيء زمان...وأليست الحكمة في تقديم الأهمّ على المهمّ؟.

كــــــلّ عـــام وأنــــتـــم بخـــــيـــر

عبد الحفيظ الهرقام

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.