​غسّان سلامة أمام مجلس الأمن : تقدّم في خطة العمل من أجل ليبيا في ظلّ وضع إنساني مؤلم واقتصاد قائم على السلب

​غسّان سلامة أمام مجلس الأمن : تقدّم في خطة العمل من أجل ليبيا في ظلّ وضع إنساني مؤلم واقتصاد قائم على السلب

 قدّم د. غسّان سلامة المبعوث الخاصّ للأمين العام للأمم المتّحدة إلى ليبيا يوم الخميس 16 نوفمبر 2017 عرضا أمام مجلس الأمن استعرض فيه نتائج المساعي التي بذلتها البعثة الأممية منذ إطلاق خطّة العمل من أجل ليبيا في سبتمبر الماضي.

وتنطوي خطة العمل هذه على عدد من العناصر بدأت  البعثة في العمل عليها في وقت واحد، بما في ذلك تعديل الاتفاق السياسي الليبي، وتنظيم الملتقى الوطني للمصالحة، والتحضير للانتخابات وتقديم المساعدات الإنسانية.

وقال : "ربّما تبدو الحالة الليبية بسيطة. فهي كدولة تخلو من انقسامات عرقية أو طائفية صارخة بل تتمتع بمستوى تعليمي جيد وثروة من الموارد الطبيعية؛ والعديد من التحديات التي تواجهها أماكن أخرى غير موجودة فيها.

غير أنّ ما يمكن التوهّم في اعتباره أمة متجانسة، هو في الواقع بلد منقسم حد التشظي. فبعد اندلاع النزاع في عام 2011 وتأججه على مدى السنوات اللاحقة، انهار النسيج الوطني. وبدلاً منه، تدفقت أجندات فردية متنافسة تنتحل أحياناً صفة المتحدث بإسم المناطق أو المدن أو القبائل".

وأبرز ضروة إعادة بناء النسيج الوطني، إذ بدونه لا يمكن إقامة مؤسسات فاعلة وأية جهود لإعادة بناء الدولة لن تكون سوى مساعٍ لا جدوى منها.

تقدّم ملحوظ في تنفيذ خطّة العمل

لاحظ د.غسّان سلامة أنّ خطة العمل قد حققت تقدماً ملحوظاً خلال الشهرين الماضيين. فقد عقدت الأمم المتحدة جولتين للجنة الصياغة المشتركة المؤلفة من أعضاء من مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة للاتفاق على مجموعة من التعديلات على الاتفاق السياسي الليبي وذلك في مكاتب بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا في تونس.

وأفاد أنّه للمرة الأولى، ومن خلال هذه الاجتماعات، تم تنفيذ المادة 12 من الاتفاق السياسي الليبي. مرحّبا  بالاعتراف المتبادل بين المجلسين وإقرارهما للاتفاق السياسي الليبي على أنّه الإطار الوحيد المتوافر لإنهاء الأزمة في ليبيا.

و ذكر أنّه منذ هذه الاجتماعات، استمر المجلسان في اتصال دائم وعلى الرغم من إحراز قدر كبير من التقدم، لا يزال يتعين الاتفاق على بضع النقاط المتبقية.

وأضاف : "ولن نقوم بوضع عملية بهدف اختيار مرشحين محددين، وأية آلية لاختيار مجلس رئاسي جديد وحكومة جديدة يجب أن تتسم بالشفافية والنزاهة. ويسرني أن أفيدكم بأنّ هذا النهج القائم على المبادئ قد حظي بترحيب غامر من الشعب الليبي. من المتوقع أن يكون السياسيون في غاية الحماس للسؤال "مَن". ولكن بالنسبة لنا، ما يهم هو السؤال "كيف"، والذي نعني به أنه يجب أن تكون هناك عملية منصفة ومنفتحة وتنافسية".

الاستعداد للملتقى الوطني المزمع عقده في فيفري القادم 

وبيّن د. غسّان سلامة أنّ  بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بدأت في الاستعدادات اللازمة للملتقى الوطني ، الذي سيعقد في شهر فيفري 2018 مع  إمكانية استضافته داخل ليبيا، مشيرا إلى أنّ هذا الملتقى سوف يتيح الفرصة لليبيين من جميع أنحاء البلاد للالتقاء معاً في مكان واحد؛ ولتجديد طروحاتهم الوطنية المشتركة؛ والاتفاق على الخطوات الملموسة اللازم اتخاذها لإنهاء المرحلة الانتقالية.

وأكّد أنّه مصرّ على يكون الملتقى شاملاً، وذلك من أجل إتاحة المجال لتبنّي ميثاق وطني حقيقي، وتوفير مبادئ توجيهية للتشريع اللازمة لإنهاء المرحلة الانتقالية. فمثل هذا المؤتمر، في تقديره، ضروري الآن أكثر من أي وقت مضى في ضوء تجدد التهديدات التي تشكّلها السلطات الموازية للوحدة الوطنية.

الاستعداد للانتخابات

وفيما يتعلق بالانتخابات، أبرز الجهود المبذولة لإيجاد الظروف السياسية والفنية المناسبة لإجرائها، إذ يتعين عدم إجرائها إلا بعد التأكّد من أنّها لن تضيف برلماناً ثالثا أو حكومة رابعة. فالليبيون يستحقون مؤسسات وطنية لا اعتراض عليها.

وأضاف أنّه بغية ضمان الجاهزية، تعمل المفوضية الوطنية العليا للانتخابات على الشروع في تحديث سجلّ الناخبين قبل نهاية العام، وستكون هذه أوّل ممارسة من هذا النوع منذ عام 2014. 

وقال : " ويجب على مجلس النواب، من جانبه، أن يضطلع بواجبه في إصدار قانون الإنتخابات اللازم.

كما يجب أن يكون هناك إطار دستوري واضح. فقد تم انتخاب الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور وتم تفويضها بوضع دستور جديد وقد انجزت مسودتها.. وهنا أحيي الثبات الذي تحلّت به الهيئة إزاء الضغوط التي واجهتها وأدين التهديدات الموجهة ضد أعضاء الهيئة.

والآن لا بد للعملية الدستورية من أن تمضي قدماً. وبينما نعمل معـاً لتنفيذ خطة العمل بمختلف أجزائها، لا يمكن القبول بأي فراغ. لذلك، فإن الاتفاق السياسي الليبي لعام 2015 يجب أن يبقى، سواء تم تعديله أم لا، الإطار المتبع لإنهاء المرحلة الانتقالية".

ضمان حياة طبيعية وآمنة لجميع الليبيين

وذكر د. غسّان سلامة أنّه ،في إطار خطة العمل، تعمل الأمم المتحدة أيضاً على ضمان حياة طبيعية وآمنة لجميع المواطنين وذلك كي يتسنّى لليبيين ممارسة حياتهم اليومية دون خوف أو عوز، من خلال تكثيف الاتصالات مع المجموعات المسلحة وإدماجهم تدريجياً في الحياة المدنية، علاوة على التواصل مع القيادات العسكرية في جميع أنحاء البلاد بشأن شكل مؤسسات الدفاع الليبية في المستقبل.

وقال إنّ تحقيق الأمن الإنساني المستدام في ليبيا بحاجة أيضاً إلى سلطة قضائية متمكنة و إنفاذاً مهنياً للقانون ومؤسسات أمنية مهنية. لذا فإن الأمم المتحدة تعمل مع وزارة العدل والأطراف الليبية الأخرى على عدة مبادرات، وعلى وجه الخصوص إصلاح نظام الاحتجاز المريع.

وأشاد  بقرار المجلس الرئاسي بشأن إنشاء صندوق وطني للتعويضات لجميع ضحايا النزاع.

وضع إنساني مؤلم

قام المبعوث الأممي بتوصيف الوضع الإنساني في ليبيا، الذي وصفه بـ"المؤلم"، بعد أن كانت هذه البلاد من البلدان المانحة لمعظم أفريقيا، والآن 25% من السكان لديهم احتياجات إنسانية.

وقال في هذا الصدد: "فعلى وجه الخصوص، يواجه القطاع الصحي في ليبيا أزمة. ولا يعمل سوى جزء يسير من المستشفيات العامة في البلاد. وهناك نقص في إمدادات الأدوية وغالباً ما تترك الأجهزة الحديثة دون إصلاح. كما فرّ العاملون الأجانب الذين يشكلون العمود الفقري لنظام الرعاية الصحية في ليبيا. ويحذر بعض الأطباء الليبيين من أن البلاد عرضة لانتشار وبائي محتمل. لذا فإننا نعتزم عقد مؤتمر تنسيقي رفيع المستوى بين الأطراف المعنية المحلية والدولية أوائل عام 2018.  

إنّه لأمر صارخ  أن البلد الذي يتمتّع بهذه الثروة الهائلة يمرّ بهذا الكم من المعاناة. ومع ذلك، فإنه يعاني، ولذا يجب علينا مساعدتهم على معالجة المسائل الملحة. وتسعى استراتيجيتنا الإنسانية إلى المساعدة في تلبية الاحتياجات الملحة لأكثر الفئات ضعفاً. وآمل أن تتمكنوا من النظر في تقديم الدعم لبرنامجنا في عام 2018.

ناهيك عن مرفق تحقيق الاستقرار، الذي تم إنشاؤه منذ عامين، والذي حقق فوائد ملموسة للمجتمعات المحلية في أوباري وبنغازي وسبها وسرت وككلا. وشجع هذا النجاح على توسيع المرفق ليشمل بني وليد وطرابلس الكبرى. وبفضل مرفق تحقيق الاستقرار، تمت إعادة فتح المستشفيات وأصبح للتلاميذ فصول دراسية".

انتهاكات جسيمة ضدّ المهاجرين واللاجئين

وفيما يتعلق بالمهاجرين واللاجئين، أشار د. غسّان سلامة إلى الزيادة في عدد الأشخاص المحتجزين تعسفياً في نظام يفتقر إلى المساءلة أو المحاكمة القانونية، ملاحظا أنّ المهاجرين لايزالون يتعرضون إلى العنف المفرط والابتزاز والقتل وغيرها من الانتهاكات الجسيمة داخل وخارج أماكن الاحتجاز الرسمية.

وحثّ الحكومة الليبية على التصدي لهذا التحدّي على نحو شامل وفوري، وعلى إيجاد حلّ يحترم حقوق المهاجرين والمجتمعات المضيفة في أنحاء البلاد. 

ثلاثة تحدّيات خطيرة

ومن ناحية أخرى، أفاد د.غسّان سلامة أنّ ثلاثة تحديات خطيرة فرضت نفسها على جدول أعمال البعثة ؛ وهي الإفلات من العقاب عن الجرائم الخطيرة، والاقتصاد القائم على السلب، وتضاؤل الأصول المجمدة.

أولاً، لا يزال الإفلات من العقاب والانفلات الأمني يستشريان في أنحاء البلاد بالرغم من الجرائم الشنيعة التي ترتكب يومياُ.

وفي هذا السياق وبعد ضرب أمثلة  لحوادث مريعة  جدّت في الأسابيع الأخيرة،  أكّد أنّ حوادث كهذه تزيد من زعزعة ثقة الشعب بالعملية السياسية، مكرِّرا دعوته إلى السلطات الليبية للتحقيق في هذه الحوادث وتحميل الجناة المسؤولية.

وقال : "ولا يمكنني أن أغضّ الطرف عن حقيقة أن هذه الحوادث تشهدها البلاد بوتيرة تثير الجزع، ولا يمكنني أن أتقبّل تجاهل الدعوات المطالبة بإحقاق العدالة.  فإذا لم يكن الليبيون وحدهم قادرين على مكافحة ظاهرة إفلات المسؤولين عن جرائم الحرب من العقاب، فقد آن الأوان للمجتمع الدولي أن ينظر في وضع آليات يمكنها أن تعينهم على ذلك، ربما من خلال المحاكم المشتركة".

ثانياً، بات ما يشكّل السياسة في ليبيا بشكل كبير هو الاقتصاد القائم على السلب.

ففي ظل غياب الأمن لفترات مطولة وغياب مبدأ المساءلة، أخذ اقتصاد الظل في الانتعاش. ومليارات الدولارات تضيع سنوياً عبر تحويلات مالية غير مشروعة.

وزادت الهوّة بين سعر الصرف الرسمي للدولار والبالغ 1.4 دينار ليبي وسعره في السوق السوداء الذي وصل إلى 9 دينار الأمر الذي خلق فرصة سانحة لارتفاع نسبة هامش الربح. ويستفيد السماسرة من بيع خطابات الاعتماد والصكوك المصرفية. وشهرياً، تخسر البلاد مئات الملايين من الدولارات جراء تهريب الوقود المدعوم لدول أجنبية. علاوة على إجراءات أخرى كإصدار عقود حكومية بقيم مبالغ بها. الأمر الذي أدّى إلى نضوب الاحتياطي المالي لليبيا بشكل سريع.

وليبيا مثال حي على سرعة ظهور أصحاب الملايين وعلى الإيقاع السريع لإفقار الطبقة المتوسطة..  والشعب الليبي هو من يدفع الثمن غالياً جرّاء ذلك. فمن بين كل خمسة شباب ليبيين إثنان عاطلان عن العمل.

والتحدي الثالث، فيما عدا عمليات السلب التي أفقدت البلاد الكثير، مئات الملايين من الدولارات ضاعت جراء سوء إدارة الأصول الليبية المجمدة. فتجميد الأصول أمر، وسوء إدارتها أمر آخر. وقال: " لذلك، علينا أن نعيد النظر في كيفية إدارة ثروات ليبيا واستثمارها في الخارج للحيلولة دون إهدارها وتضييعها على الأجيال المقبلة".

تحميل كلمة د. غسّان سلامة أمام مجلس الأمن

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.