أخبار - 2017.11.15

عبد الحفيظ الهرقام: ماذا فعل حكّامنا بالتوافق؟

عبد الحفيظ الهرقام: ماذا فعل حكّامنا بالتوافق؟

أقصى ما حدّدته حكومة يوسف الشاهد لنفسها من أهداف لسنة 2018 الحيلولة دون تدهور الوضع الاقتصادي القائم والحدّ من انخرام توازنات الماليّة العمومية مع بلوغ نسبة نموّ تقدّر بأقلّ من 3 بالمائة بعد أن روجعت بالنقصان إثر موجة الانتقادات التي أثارها مشروع قانون المالية للعام القادم.لا خفاء أنّ هذه النسبة  هي أبعد ما يكون عن المطلوب، إذ أنّ إحراز تقدّم ملموس على صعيد مختلف المؤشّرات الاقتصادية يستوجب تحقيق نسبة نموّ لا تقلّ عن 5 بالمائة. كما بات جليّا أنّ دعم الانتعاشة الاقتصادية التي لاحت بواكيرها خلال السنة الحالية لن يتأتّى من الخارج بل ينبغي أن يكون نابعا بالأساس من قدراتنا الذاتية، مستندا إلى مجهود استثنائيّ من كلّ أبناء تونس لتجاوز ما تردّت فيه البلاد من أزمة اقتصادية وماليّة خانقة. وإنّنا لندرك اليوم هذه الحقيقة، سنة بعد انعقاد المؤتمر الدولي للاستثمار «تونس 2020» الذي عُلّقت عليه آمال عريضة للنهوض بالاستثمار الخارجي، فأين نحن من كلّ تلك الوعود التي أُطلقت خلاله بإنجاز مشاريع قُدّرت تمويلاتها الجمليّة بمئات الملايين من الدنانير؟

أمام غياب تدفّق الاستثمار الخارجي بالحجم المؤمّل لم تتجلّ إلى حدّ الآن إرادة سياسية واضحة في إعطاء دفع هامّ للاستثمار الداخلي، فظلّ المستثمر التونسي منكمشا على نفسه وقد استبدّت به حالة من الحيرة والترقّب، بل اشتدّ به الضيق وهو يرى الحكومة تتّجه، في مشروع قانون المالية، نحو تسليط أعباء جبائية إضافية على المؤسسة الاقتصادية لتدبير جانب من الموارد اللازمة لتمويل ميزانية الدولة.

وإلى ذلك كلّه فإنّه لم تصدر من القصبة إشارات قويّة باتّجاه تفعيل القانون المتعلّق بعقود الشراكة بين القطاع العامّ والقطاع الخاصّ وكأنّ الحكومة تريد تجنّب ردّ فعل اتّحاد الشغل المتحفّظ على هذا القانون، فضلا عن تأخّر انطلاق عدّة إصلاحات كبرى،ممّا يحول دون تسريع وتيرة الإنقاذ الاقتصادي ويؤثّر سلبا في صورة تونس في الخارج، ولا سيّما في نظر أوساط الأعمال والمؤسسات الماليّة الدوليّة.

كان من المفروض أن يتّسم عمل الحكومة بأوفر قدر من النجاعة والجرأة في معالجة أوضاع البلاد الاقتصادية منها والمالية والاجتماعية، وهي التي تستمدّ قوّتها -كما يحلو للبعض ترديده- من «توافق»  واسع بين مكوّنيْها الأساسييْن: النداء والنهضة.

نأمل أن يصدق هذا القول، ولكن لا نملك إلّا أن نتساءل: ماذا فعل حكّامنا بهذا «التوافق» خلال السنوات الثلاث الأخيرة منذ أن اعتُبِر منهجا للحكم حتَّمته نتائج انتخابات 2014؟ وماذا غنمت المجموعة الوطنيّة منه؟ 

لا مناص من أن نقرّ بأنّنا نقف اليوم أمام مفارقة عجيبة: فبدل أن يكون هذا «التوافق» مبدأً ثابتا لا يتزحزح، أساسه البحث عن أرضية مشتركة تصون المصلحة الوطنية وتضعها فوق كلّ اعتبار، يصبح مفهوما مطّاطا، متقلّبا يحضر تارة ويغيب تارة  أخرى، حسب أهواء الأحزاب ومصالحها.. يحضر غالبا حينما يتعلّق الأمر بتقاسم مناصب وتبادل منافع ويغيب لمّا تكون الحاجة إليه ماسّة  سواء للخروج من مآزق ومطبّات أو للبتّ في قضايا جوهرية لم تعد تحتمل إبطاء ولا تأجيلا. لمسنا ذلك بالخصوص في ما شهده مسار انتخاب رئيس للهيئة المستقلّة للانتخابات من تعثّر وكذلك في تأخّر الحسم في ملفّات حارقة من بينها التفويت للقطاع الخاصّ في مؤسسات عموميّة تقدّر خسائرها المتراكمة بمليارات الدنانير وتخفيف العبء عن الوظيفة العمومية المثقلة بجحافل من الأعوان، ممّا تسبّب في تنام غير مسبوق لكتلة الأجور، علاوة على تعطّل تنفيذ إصلاحات كبرى لعلّ من أبرزها الإصلاح التربوي.

هكذا بانت حدود «التوافق» الذي اعتبره  الكثيرون تحالفا غير طبيعي بين مشروعين متباينين، بل رأوا فيه عاملا معطّلا لممارسة السلطة في ظلّ نظام ديمقراطي تحكم فيه الأغلبية لتنجز برامجها احتراما للإرادة العامّة، بينما تتولّى المعارضة نقدها ومراقبة آدائها. والحقيقة التي لا مراء فيها أنّ الحكومات في المرحلة الانتقالية عادة ما تكون وضعيتها هشّة، بحكم مرورها بظرفيّة تصطبغ بانعدام التوازن، غير أنّ استعادة هذا التوازن المفقود لا تتمّ إلّا بتركيز أرضية سياسية ومجتمعيّة صلبة. ولعلّنا لا نجافي الصواب إذا قلنا إنّ الأرجح أن يتواصل الوضع القائم إلى غاية الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة. فهل تحتمل تونس هذا الوضع إلى غاية ذلك الموعد؟.

عبد الحفيظ الهرقام

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.