استفتاء استقلال كردستان العراق: منـاورة سياسية أم خطـوة جادّة لتحـقيق حلم الدّولة المستقلّة؟
ازدانت الشوارع في أربيل وخاصّة حول قلعتها التاريخية بأعلام كردستان العراق وباليافطات الداعية إلى المشاركة في الاستفتاء حول استقلال إقليم كردستان. والبعض من السكان ذهب إلى حدّ تزيين سيارته بلافتات تدعو إلى الإجابة «بنعم»، حتى ترى دولة كردستان المستقلة النور أخيرا.
حلم الاستقلال يداعب مخيّلة كلّ الأكراد ولكنّ جميعهم كانو لا يوافقون على التوقيت المقرر لاجراء الاستفتاء فيما استمرت الضغوط الدولية لمنع حصوله.
حرب كلامية بين بغداد وأربيل
اشتعلت الحرب الكلامية بين بغداد وحكومة كردستان العراق حول الاستفتاء الذي انتظم في 25 سبتمبر من الشهر الحالي لتقرير استقلال الإقليم عن باقي العراق. فبغداد تعتبر الاستفتاء «غير دستوري» حسب تصريحات رئيس الحكومة، حيدر العبادي، في حين كان يصرّ مسعود بارزاني، رئيس إقليم كردستان على إجرائه، مشدّدا على حقّ أكراد العراق في تقرير مصيرهم. ومع اقتراب الموعد المحدّد لهذا الاستفتاء ازداد الضغط الدولي من قبل الجيران المباشرين كإيران وتركيا ومن قبل القوى الدولية (أمريكا، روسيا والاتحاد الأوروبي) لعدم إجرائه، في تمسّك واضح بالمحافظة على وحدة العراق.
يقف مسعود بارزاني كالفارس الوحيد في مواجهة ساحة دولية ترفض بشدّة تقسيم العراق، خاصّة في هذا التوقيت المتزامن مع تواصل الحرب ضدّ داعش في العراق وسوريا. ولا يفهم المجتمع الدولي سرّ إصرار حكومة كردستان على إجراء الاستفتاء ولم يتم بعد القضاء على التنظيم، ولم تضع الحرب أوزارها. ولكن يبدو أنّ أكراد العراق يحاولون الاستفادة من النتائج الإيجابية التي حقّقوها خلال هذه الحرب والمشاركة الهامة لقوات البشمركة الكردية في دحر التنظيم وطرده من سهل نينوى ومحيط الموصل، ويرغبون في اغتنام الفرصة لفرض واقع جديد على الأرض. لكن حكومة بغداد ومن ورائها إيران تستشعران الخطر من هذا المشروع الانفصالي الذي سيحطّم الوحدة الترابية للعراق ويشرّع لمشروع تقسيمه إلى ثلاث دويلات: سنية وشيعية وكردية، كما أنّه سيخلق على حدود إيران دولة سنية جديدة إلى جانب تغذية الميول الانفصالية لأكرادها. لذلك لم تنفكّ الحكومة الإيرانية ترسل موفديها للضغط على بارزاني للتراجع عن قرار الاستفتاء، واعدة بالتوسط لدى الحكومة العراقية لحلّ الإشكالات العالقة بينهما منذ ثلاث سنوات.
ويُذكر أن العلاقات ساءت بين بغداد وأربيل بعد تشكّي الحكومة المركزية من بيع الأكراد لنفطهم مباشرة لتركيا دون المرور ببغداد، وعلى إثر ذلك، قرّرت التوقف عن إرسال نصيب الإقليم من ميزانية العراق والذي يبلغ 17 %. ولم تفد اللقاءات المتواصلة والمشاورات وحتّى التعاون في الحرب ضدّ داعش في دحر هذه الخلافات، لينتهي الأمر بإعلان حكومة إقليم كردستان عن نيّتها في الاستقلال.
ضغوط كبيرة وتحرّك دولي لمنع حصول الاستفتاء
أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية عن طريق المتحدّث باسم البنتاغون، إيريك باهون، عن نيّتها إيقاف المساعدات لقوات البشمركة الكردية في حال أصرّت حكومة اللإقليم على تنظيم الاستفتاء. وروسيا أكّدت عن طريق نائب وزير خارجيتها، ميخائيل بوغدانوف، أنّها تدعم «وحدة وسلامة أرض العراق وتدعو إلى الالتزام بالدستور». في حين أعلنت تركيا خلال زيارة وزير خارجيتها، مولود جاويش اوغلو، في أواخر الشهر الماضي إلى أربيل أن «انقرة تنتظر من الأكراد إلغاء الاستفتاء» لأنّها تعتبره «مخالفا للدستور العراقي». وفرنسا من جهتها، أرسلت وزيري دفاعها وخارجيتها لإقناع حكومة الإقليم للبقاء ضمن العراق الموحّد. أمّا الجامعة العربية فقد أوفدت يوم 9 سبتمبر أمينها العام، أحمد أبو الغيط إلى العراق في محاولة لدعم استئناف الحوار المقطوع بين بغداد وأربيل وتفادي تنظيم الاستفتاء.
بارزاني يمضي إلى الأمام
أمام هذا الضغط الدولي، حافظ مسعود بارزاني على قراره وصرّح، خلال لقاء في بداية هذا الشهر مع كتاب وصحفيين في أربيل، أنه «رغم الضغوط من أجل تأجيل الاستفتاء، إلا أنّنا مصرّون على إجرائه في موعده المحدّد».
صرّح مصدر أمني رفيع أن »حكومة الإقليم قامت بكل التدابير لإعلان الدولة الكردية، حيث قامت بإعداد نموذج لجواز سفر جديد ولنشيد رسمي جديد للدولة المستقلة، بالإضافة الى تسميتها تسمية مغايرة وهي الفيدرالية الديمقراطية الكردستانية. «وحول سبب اختيار هذه التسمية، أجاب المصدر أن الدولة الجديدة لن تشمل فقط الأكراد وإنما أيضا الأقليات مثل المسيحيين والتركمان والشبك والإيزيديين.
وكانت الحملة الدعائية للاستفتاء قد انطلقت منذ أيام، كما أعلنت المفوّضية العليا المستقلة للانتخابات والاستفتاء في إقليم كردستان أن 5.5 ملايين شخص يحقّ لهم الإدلاء بأصواتهم ويشمل الاقتراع المناطق المتنازع عليها بين الإقليم والحكومة المركزية ومنها كركوك.
انقسام داخلي
العديد من المراقبين يرون في إصرر البارزاني على رأيه، عملية انتحارية، فلا وضع الإقليم السياسي ولا الاقتصادي يسمحان بمثل هذه الخطوة الجريئة، حيث يعيش الإقليم منذ سنتين أزمة سياسية حادّة نتيجة عدم اتفاق الأحزاب السياسية حول رئاسته
وقــــد انتهت المدّة الرئاسية للبــــارزاني ولا يمكنــــه قانونيا التجــــديد، كما أنّ البرلمان معطّل أيضـــا منذ سنتين، وسط خلافات حادّة بين الأحــــزاب الثلاثة الرئيسية وهي الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكــردستاني وحـــــركة التغيير. وينضاف إلى الأزمـــة السيــــاسيـــة، وضـــع اقتصادي خانق تسبّب فيه الخلاف مع حكومة بغداد وقطـــع حصّة الإقليــــم مــــن ميــزانية العراق، وكــذلك الحرب على داعش وما استنزفته من موارد، ممّا أدّى بحكومة الإقليم إلى التخفيض في رواتب الموظّفين.
ومن جهة أخرى، فإن الاستفتاء لا يثير الإجماع داخل اللإقليم نفسه، فالأكراد منقسمون بين من يريد الاستقلال عن بغداد وبين من يفضل البقاء في العراق الموحّد.
عدنان، موظّف في إدارة المرور، يرى أنّ «الأكراد عانوا كثيرا من ظلم الأنظمة العربية التي حكمت العراق وحتّى بعد سقوط نظام صدام حسين، لم يحصل الأكراد على كلّ حقوقهم» لذلك يرى أنّه آن الأوان لهم أن ينعموا بالاستقلال في ظلّ دولة خاصّة بهم.
في حين، يرى سامان نوح وهو محلل وكاتب صحفي، أن «الاستفتاء هو قرار شخصي من مسعود بارزاني يريد من خلاله أن يخلّد اسمه كأول رئيس للدولة الكردية المستقلة ولا يهمّ إن كانت الدولة الجديدة ستُخلق ضعيفة وخاضعة اقتصاديا لتركيا»، حيث لا يخفى أنّ اقتصاد الإقليم مرتبط كليا بتركيا وهي المنفذ الوحيد لبيع النفط الكردي، كما أن البضائع التركية تغرق السوق الكردستانية وتكاد تقضي على البضائع المحلية.
انقسام الشارع الكردي، يتراءى جليا من خلال الحملات الدعائية في الشارع بين المؤيدين للاستفتاء ويوجدون خاصّة في أربيل ودهوك، حيث يسيطر الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم، والمعارضين له وخاصة في السليمانية، معقل الاتحاد الوطني الكردستاني وحركة التغيير.
وترى الأحزاب المعارضة للحزب الحاكم أنّ البارزاني الذي لا يجد حلاّ للخروج بالإقليم من الأزمتين السياسية والاقتصادية يريد لعب ورقة الاستفتاء للهروب نحو الأمام وتعزيز شعبيته. لذلك حاول معارضوه تعطيل حصول الاستفتاء الذي أصبح محسوبا عليه وعلى حزبه.
في ظلّ هذا الوضع المعقّد داخليا وخارجيا، هل سيواصل بارزاني تمسّكه برأيه أم سيتراجع في آخر لحظة ليصبح التلويح بالاستقلال مجرّد ورقة ضغط على بغداد للحصول على مزيد من المكاسب؟
من المبكّر الإجابة عن هذا السؤال، لكنّ الثّابت أنّه أيّا كانت نتيجة الاستفتاء، فإنّ الدولة الكردية المستقلّة لا يمكن أن تُعلن من طرف واحد ودون موافقة دولية.
حنان زبيس
- اكتب تعليق
- تعليق