أخبار - 2017.09.21

عبد الحفيظ الهرقام: أمل الثّورة الخضراء في إفريقيا

أمل الثّورة الخضراء في إفريقيا

خلال القمّة الإفريقية المنعقدة في مابوتو بالموزمبيق في سنة 2003 التزم قادة دول القارة بتخصيص نسبة لا تقلّ عن 10% من ميزانيات بلدانهم للفلاحة، من زراعة وتربية حيوانية وصيد بحري، اعتبارا لما لهذا القطاع من دور حيوي في تحقيق الأمن الغذائي ودفع النمّو الاقتصادي وخلق مواطن الشغل. منذ ذلك التاريخ، تنامى الاهتمام بشؤون الفلاحة والعالم الريفي قاريّا، وجاء إعلان مالابو الصادر عن القمّة التي استضافتها جمهورية غينيا الاستيوايية في سنة 2014 ليؤكّد هذه الإرادة السياسية المعلنة في أعلى مستوى قيادي، قصد العمل على توفير شروط تحقّق ثورة خضراء في مختلف أرجاء القارّة. وفي سياق هذه العناية المتزايدة بالفلاحة، بُعث في سنة 2010 المنتدى حول الثورة الخضراء في إفريقيا وقد أضفي عليه طابع مؤسّسي بإحداث «التحالف من أجل الثورة الخضراء في إفريقيا» الذي مُكّن من جهاز تنفيذي يوجد مقرّه في نيروبي يرعاه ويدعمه معنويّا عدد من الرؤساء الأفارقة السابقين من بينهم أولوسيغون أوباسنجو (نيجيريا) وجون كيفور (غانا) وجاكايا كيكويتي (تانزانيا). ومن سنة إلى أخرى تتأكّد أهميّة المنتدى على المستويين الدولي والقارّي باعتباره إطارا للتلاقي وأرضية للحوار حول أقوم المسالك الكفيلة بجعل الفلاحة أداة رقيّ اجتماعي ونهوض اقتصادي شامل في البلدان الإفريقية.

تحت شعار: «تسريع مسيرة إفريقيا نحو الازدهار: الفلاحــــة رافعــــة النموّ الاقتصـــادي الشــــامل والتشغيل» انتظمت من 4 إلى 8 سبتمبر 2017 بأبيدجان الدورة السابعة لهذا المنتدى، وحضر فعاليتها قرابة 1300 مشارك، وهم شخصيات رفيعة المستوى ووزراء وممثلون عن منظّمات دولية وإقليمية من بينها البنك الإفريقي للتنمية، أحد الأطراف الأساسية المساهمة في تمويل المنتدى، وخبراء وفلاحون وأصحاب مؤسسات تعمل في القطاعين العام والخاص في مجالات الإنتاج الفلاحي والصناعات الغذائية ونشطاء في المجتمع المدني وقادة رأي .وبلغ عدد المتدخلين في جلسات الحوار والملتقيات الموازية والموائد المستديرة -وعددها 60 -ما يناهز 300 متدخّل.

توصيف المشهد

مكّن هذا المنتدى مرّة أخرى من توصيف المشهد الفلاحي الإفريقي واستحضار التحدّيات التي ينبغي مواجهتها لإدخال إصلاحات جذريّة على القطاع الأكثر أهميّة في اقتصاديات البلدان الإفريقية. فالفلاحة تمثّل 16% من الناتج الداخلي الخام لهذه البلدان وتشغّل 60% من سكّانها، وفي عدد منها تعدّ مصدر نمّو ونهوض بالعالم الريفي، كما هو الشأن بالنسبة إلى الكوت ديفوار.

كما أنّ 65 % من الأراضي الصالحة للزراعة وغير المتستغلّة في العالم موجودة في إفريقيا، في حين تستورد دولها سنويّا موادّ غذائية بما قيمته 35 مليار دولار، ومن المنتظر أن يرتفع هذا الرقم إلى 100 مليار في سنة 2030. ومن ضمن الإشكاليات الأخرى التي يجدر التذكير بها تأثيرات التغيّرات المناخيّة السلبية على قطاع هشّ كالفلاحة والأضرار التي تلحق الغابات جرّاء تقليع الأشجار العشوائي لاستخدامها وقودا أو في صناعة الخشب وضعف المردود الزراعي واستمرار أنماط استغـــلال تقليدية لا تُستعمل فيها أحدث التقنيات، في وقت تشهد فيه التكنولوجيات الحديثة تطوّرات مذهلة ومتسارعة. ولا يُعتمد كذلك في ظلّ هذه الأنماط إلاّ قليلا على وسائل إخصاب الأرض وحماية النّباتات والمزروعات من الأمراض والطفيليات بغية تحسين الإنتاج والإنتاجية، علاوة على نقص الاستثمارات العمومية والخاصة في مجالي الطاقة والبنية التحتية من طرقات ومسالك فلاحية وشبكات اتصالات.

ولا شكّ أنّ من أكبر التحديات الماثلة أمام إفريقيا حاضرا ومستقبلا توفير مواطن الشغل لشبابها، إذ أنّ 60% من سكّان القارّة تقلّ سنّهم عن 35 عاما، ومعظمهم لا يحظى بأوضاع اقتصادية مستقرّة، علما وأنّ 240 مليـــون إفريقـي تتراوح أعمارهم بين 15 و35 سنة. وسيبلغ عدد طالبي الشغل 300 مليون شابّ خلال السنوات الخمس عشــرة القادمة، ممّا سيشكّل ضغـطا على قطاع اليد العـاملة الفلاحية.

ولمّا كان المعدّل الحالي لسنّ الفلاحين الأفارقة 60 عامّا فإنّ أعظم رهان يتعيّن كسبه يكمن في تشبيب الفلاحة ومعالجة ظاهرة عزوف الشباب عن الاستثمار في هذا المجال والعمل فيه، وذلك بجعله أكثر جاذبيّة من خلال تحسين ظروف العيش في الوسط الريفي وفتح سبل النفاذ إلى مصادر التمويل أمامهم.

ومن القضايا المركزيّة التي عكف المشاركون في المنتدى على تمحيصها جلب اهتمام الشباب للفلاحة وتوظيف قدراته في النهوض بأوضاعها، والسعي إلى استثمار هذه الطاقات الشابّة في تنمية بلدان القارة والحيلولة دون تهميشها حتّى لا تتحوّل إلى قنابل موقوتة أو تواصل البحث عن الهجرة إلى أوروبا بكلّ الطرق.

التزامات ماليّة بمليارات الدولارات

وقد أوضح الرئيس الإيفواري الحسن واتارا وهو يفتتح المنتدى أنّ تطوير الفلاحة في إفريقيا يتطلّب إرادة سياسية وإصلاحات جريئة وجهدا تمويليا موصولا وبنى أساسية مناسبة. وبيّن أن حاجيات القارة  إلى التمويل ضخمة، إذ تقدّر بـ 400 مليار دولار خلال السنوات القادمة، ممّا يستوجب البحث عن شركاء ومانحين جـدد. وما يسترعي الانتباه في حفل افتتاح المنتدى وفي عدد من الجلسات المنعقدة في إطاره تعهّد عدد من الشركاء الإقليميين.

والدوليين ومن بينهم الاتحاد الأوروربي ومؤسسة بيل غايتس بتخصيص مبالغ ماليّة هامّة لمساعدة البلدان الإفريقية على دعم القطاع الفلاحي . وتنضـــاف هذه التعهّدات إلى ما التزمت به في السابق مؤسسات ماليّة وجهات مانحة من دعم سخيّ وبرامـج خصــوصيّة للمسـاهمـة في تعصير الفــلاحة الإفريقية وتأهيلها حتّى تكـــون مصدرا لخلق الثروات وإحداث مواطن الشغل.

وكان النيجيري أكينوني أبيسينا رئيس البنك الإفريقي للتنمية صرّح بمناسبة انعقاد الجلسات العامة السنوية للبنك بأحمد أباد في الهند في ماي الماضي تحت شعار: «تطوير الفلاحة لخلق الثروة في إفريقيا» أنّه ينبغي اكتساب القدرة على تمويل الفلاحة للدفع نحو تصنيعها وتحرير طاقاتها وجعلها قطاعا نشيطا على صعيد القارة. كما أعلن أنّ البنك سيستثمر، في نطاق استراتيجيته «توفير الغذاء لإفريقيا» 24 مليار دولار في الفلاحة وفي الصناعات الغذائية خلال السنوات العشر المقبلة، ممّا يمثّل زيادة بـ 400% مقارنة بمستوى التمويل الحالي والبالغ 600 مليون دولار سنويا.

وأوضح من جهة أخرى أنّ من محاور الاستراتيجية الأساسية تخصيص 700 مليون دولار لبرنامج «تقنيات من أجل تطوير الفلاحة في إفريقيا» والرامي إلى تحسين التقنيات الفلاحية التي ستشمل ملايين الفلاحين في القارة في السنوات العشــر القادمة. والجـــدير بالذكر أنّ البنــك الإفريقـــي للتنمية يسعى من خلال برنامجه المتعلّق بتمكين الشباب (Enable Youth Program) إلى إيجاد بيئة ملائمة لتوفير الشغل الكريم للشبّان وربط الصلة بين حاملي الشهائد العليا وبين مؤطّرين يحتضنونهم ويوجّهونهم، لتمكينهم من تلقّي تكوين في مختلف تقنيات العمل الفلاحي وتأهليهم لبعث مؤسّسات. ويتركّز هذا التكوين على المجالات الثمانية عشر المدرجة ضمن إحدى الأولويات الخمس الواردة في استراتجية البنك للارتقاء بالفلاحة الإفريقيـــة (2016 - 2025). ومن أهداف البرنامج أيضا تيسير النفاذ إلى مصادر التمويل من خلال آليات لتقاسم المخاطر وتعزيز قدرات المؤسسات المالية في مجال تصوّر مشاريع لفائدة الشباب. وتتمثّل خطة البنك في هذا الصدد في تخصيص 15 مليارا لتمـــويل المؤسسات وخلق مواطن الشغل للشبـاب والنساء من خلال الاستثمار في 31 بلدا إفريقــيا. وقد صــادق البنك على ستّة مشاريع تنسجم مع البرنامج المتعلّق بتمكين الشباب بقيمة جملية قدرها 774 مليون دولار وأدرج 15 مشروعا آخر، في نطاق البرنامج نفسه، ضمن احتياطي المشاريع للفترة 2017 - 2019.

غياب لافت 

لا تفوتنا الإشارة إلى غياب وزراء الفلاحة وممثّلين في مستوى رفيع للبدان العربية الإفريقية عن هذا المنتدى، من موريتانيا إلى السودان ، مرورا بالمغرب الكبير ومصر. كما أنّ برامج جلسات الحوار والأنشطة الموازية لم تتضمّن ولو مداخلة واحدة لشخصية بارزة أو خبير من هذه البلدان. وعندما سألنا مسؤولة في الأمانة التنفيذية للتحالف من أجل الثورة الخضراء في إفريقيا عن سرّ هذا الغياب اللافت ذكرت أنّ السبب في ذلك قد يعود إلى عدم وجود مكاتب إقليمية للتحالف في هذا الجزء من القارّة. ولعلّ السؤال الذي يفرض نفسه هو: هل هو تقصير من المنظّمين أم أنّ الدول العربية  الإفريقية لم تُبْد رغبة في المشاركة، معتبرة أنّ لا فائدة يمكن جنيها من وراء ذلك. لكنّ الأمر المؤكّد أنّ وزارة الفلاحة في تونس تلقّت دعوة للمشاركة، ولمّا تعذّر على الوزير أو كاتب الدولة تلبيتها ارتأت إيفاد مديرة التخطيط والدراسات لتمثيلها في هذا المنتدى. مرّة أخرى يفوّت العرب على أنفسهم فرصة حضور محفل هامّ كهذا لتعزيز العلاقات العربية الإفريقية سياسيّا واقتصاديّا ولتوسيع نسيج الفوائد المتبادلة مع البلدان الإفريقية من خلال شركات وبرامج تعاون، فضلا عن عرض تجاربها في مجالات الفلاحة والصناعات الغذائيّة والتنمية الريفية.

خـلاصة القـــول إنّ الثورة الخضراء في إفريقيا أضحت ضرورة ملحّة لسدّ العجز الغذائي لعديد بلدان القارة وتسريع وتيرة نموّها الاقتصادي والترفيع في نسبته وإيجاد مواطن الشغل لطالبيه، ولا سيّما في صفوف الشباب. وإن اختلفت أوضاع الفلاحة من بلد إلى آخر، فإنّ النهوض بهذا القطاع وتصنيعه يتطلّبان في كلّ الحالات سياسات ناجعة ومتناسقة وشراكات فاعلة بين القطاعين العامّ والخاصّ، فضلا عن خطط تمويل ذات بال تتيح بعـــث المشاريع وتعصـــير وســـائل الإنتاج لتطويره كمّا ونوعا، وإيفاء الأطــراف المانحة والمؤسسات الماليّة بالتزاماتها حتّى لا تكـون هذه الثورة مجرّد شعار خادع يُرفع في القمم والمحافل الإفريقية أو غايةً تُطلب فلا تُدرك.

عبد الحفيظ الهرقام

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.