أخبار - 2017.07.26

الشيخ إبراهيم الرياحي (1766-1850) إماما أكبر للجامع الأعظم

 الشيخ إبراهيم الرياحي (1766-1850) إماما أكبر للجامع الأعظم
في سنة 1839، أسندت لسيدي إبراهيم الرياحي الإمامة الكبرى للجامع الأعظم، وربما كان ذلك لمجازاته على نجاح سفارته بالقسطنطينية، دون أن يعفيه من رئاسة الفتوى، وإذا به يجمع بين الإمامة الكبرى بجامع الزيتونة ورئاسة الفتوى، وهو ما لم يجتمع لأحد قبله. فأصبح أول عالم يقطع مع عادة متبعة تقضي بتعاقب أعضاء منحدرين من نفس سلالة آل الشريف وآل محسن على منبر جامع الزيتونة. وقَبِل سيدي محمود محسن - وكان مُبَوَّبا لتولي الخطة (1850) - القرار باستبشار، وظل محافظا على وده ومحبته للشيخ. وكان رجلا فاضلا صالحا ومحلّ إجلال وتعظيم من طرف الجميع باعتباره سليل أهل البيت.
كانت خطب الجمعة من أعلى منبر الجامع الأعظم التي يعطيها الشيخ من فيض معارفه ومن معين إيمانه محطّ أنظار الجميع، تزدحم أفواج الناس عليها. وظلت إلى اليوم تُلْهِم الخطباء والأئمة فيَمْضون في مجاراتها والنسج على منوالها. وعادة ما تتطرق خطب الجمعة الى مواضيع مألوفة فيها تحريض على الإيمان وحثٌّ على أداء الفروض الدينية الخ. إلا أنّ خطب سيدي إبراهيم كانت تتناول مواضيع تتصل بالصعوبات التي يلقاها الناس في معاشهم، وتندّد بما كان يأتيه أصحاب النفوذ من مظالم كثيرة. فليس فيها بطبيعة الحال قدْح صريح في الأمير نظرا لجلال قدره وقد علا سُدَّة الحكم لكي يكون للمؤمنين سندا ونصيرا، أو دعوةٌ إلى الاحتجاج. وغاية ما كان يحرص عليه الشيخ من خلال خطبه هو التضرع إلى الله حتى يسدّد خطى الباي ويهديه إلى صراطه المستقيم، وحثّه على اتباع سبيل الحق والعدل. كان الشيخ يدعو المصلين إلى الاستقامة والتحلي بحسن الخلق، فذلك هو المسلك الأقوم لتجنيب البلاد شرّ المظالم ومغبة الانقسام والتفرقة. وكانت خُطبُه تسهم كذلك في تعزيز الفكر السُّنِّي المعتدل الذي يرى أن لا حرج في تبجيل الأولياء والصالحين وزيارة قبورهم وزواياهم، بل يُلْجأ إليه جريا على تقاليد البلاد وعادات أهلها. ولم يكن التذكير من أعلى المنابر بأنّ التبرك بأولياء الله وطلب الإنتفاع بمَكْرُماتِهم ليس بمحظور أو ممنوع من باب إطلاق الكلام على عواهِنه. فقد حصلت منذ نهاية القرن الثامن عشر محاولات متكررة بغرض نشر الفكر الوهابي بالديار التونسية وفي كل أصقاع الإمبراطورية العثمانية، وتحرَّك علماء تونس بقوة لاستنكار ما يشوب هذا الفكر من نزعة إلى الغلو والتزمّت. وكانت دعوات سيدي إبراهيم الرياحي وغيره من الأئمة إلى التعلق بقيم الاعتدال والتسامح جريا على عادة أهل السُّنة لا تستثني بطبيعة الحال الديانات الأخرى. ويؤكد الطاهر الجزيري أنّ الشيخ لم يكن يتراخى في إبطال بعض القرارات والإجراءات التمييزية تجاه الطائفة اليهودية.

وفاته

وفي سنة 1850 ابتُليت البلاد التونسية بتفشّي وباء الكوليرا. وأصيب أحد أبناء سيدي إبراهيم الرياحي بهذا المرض وتوفي جرَّاءه. وتقبل الشيخ قضاء الله متجلدا، كاظما غيظه، وفي ذلك تبيان لأهل زمانه بأنّ المؤمن الصادق هو من يعتبر فَقْد القريب والصديق ابتلاءً له، وامتحانا أراده الله، لا بدّ من تحمله بصبر وإيمان بمشيئته سبحانه وتعالى. وقضى الشيخ نحبه بعد شهور- في 7 أوت  1850 - إثر إصابته بنفس المرض الوبائي. ومشى الباي في موكب جنازته مع خلق كثير. لقد لبّى ذلك الشخص الذي سماه أهل زمانه بـ" عالم العصر وبركة المصر" داعي ربّه وهو في سن الحادية والثمانين، وكان مثالا حيا للمسلم السُّنِّي المعتدل. عايش ستة بايات (حمودة وعثمان ومحمود وحسين ومصطفى وأحمد)، وتقلّب في العديد من الوظائف كمدرس، وكشيخ شيوخ المالكية، وإمام جامع الزيتونة الأعظم، وسفير سام خارق للعادة للباي، فكان بذلك أفضل رمز للإئتلام الجيد بين علماء تونس الباقين على ولائهم للسلطة الحاكمة (هو ولاء معترف به بدون شك، لكنه لم يكن يحول دون التعبير عن آراء مخالفة، ودون المؤاخذة وتقديم الموعظة )، وبين البايات الحسينيين الذين دأبوا منذ بداية عهدهم (1705) على سلوك سياسة تُعْلي شأن العلماء وشأن مؤسَّسَتيْ الزيتونة المجيدتين وهما الجامع-الجامعة، والشرع الإسلامي، وقد أسهمت هذه اللحمة في ترسيخ المنحى الوطني لحكم الحسينيين.
هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.