أخبار - 2017.07.18

الأزمـة بين الربـاعي الخليجـي المصـري وبين دولة قـطـر: الدّلالات والتّداعيات المحتملة

 الربـاعي الخليجـي المصـري

لِنَبْدَأْ هذا المقال من آخر تطوّرات هذه الأزمة التي اندلعت، فجأة، في الخامس من شهر جوان الماضي، على إثر إعلان المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، ومملكة البحرين، وجمهورية مصر العربية عن قطع علاقاتها مع دولة قطر وعن فرض حصار برّي وجوّي وبحريّ عليها، ونعني بهذا التطور البيان الذي هرعــت الرياض إلى إصداره مساء يوم الخميس 06 جويلية 2017 في محاولة منها، على ما يبدو، لإصلاح ما أفسده البيان الصادر قبل يوم واحد عن الاجتماع الذي عقده وزراء خارجية الدول الأربع في القاهرة لبحــث ردّ دولة قطر على «المتطلّبات الجماعية» التي كانت قدّمتها لها في 23 جوان 2017 وأمهلتها عشرة أيام ثم يومين إضافيين للردّ عليها.

فعلى عكس الموقف الذي تضمّنه بيان القاهرة والذي اعتبره الملاحظون «مائعا وباهتا» جاء بيان الرياض شديد اللهجة حيث أكد «أن تعنّت الحكومة القطرية ورفضها للمطالب التي قدّمتها الدول الأربع يعكس مدى ارتباطها بالتنظيمات الإرهـــابية، واستمـــرارها في السعـــي لتخريب وتقويض الأمن والاستقرار في الخليج والمنطقة، وتعمّد الإضرار بمصالح شعوب المنطقة، بما فيها الشعب القطري الشقيق».

كما شدّد على «أنّ الحكومة القطرية عملت على إفشال كل المساعي والجهود الدبلوماسية لحل الأزمة، الأمر الذي يؤكد تعنّتها ورفضها لأي تسويــات مما يعكس نيّتها مواصلة سياستها الهادفة لزعزعة استقرار وأمن المنطقة، ومخالفة تطلّعات ومصلحة الشعب القطري الشقيق».

وبعد أن أعرب عن استهجان الدول الأربع لسلوك دولة قطـــر الذي اتّسم كما تقول بـ»انعدام اللباقة والاستهتار الواضح بكل المبادئ والأعـــراف الدبلوماسية»، أبدى البيان «استغرابها الشديد لرفض الحكومة القطرية غير المبرّر لقائمة المطالب المشروعة والمنطقية، والتي تهدف إلى محاربة الإرهاب، ومنع احتضانه وتمويله، ومكافحة التطرف بجميع صوره تحقيقاً للسلم العالمي، وحفاظًا على الأمن العربي والدولي»، واختتم بالتأكيد، بالاستناد الى ما ورد في البند الثاني عشر من القائمة الذي نصّ على أن «كلّ هذه الطلبات يتمّ الموافقة عليها خلال عشرة أيّام من تاريخ تقديمها، وإلاّ تعتبر لاغية» أن الدول الأربع «ستتّخذ كل الإجراءات والتدابير السياسية والاقتصادية والقانونية بالشكل الذي تراه وفي الوقت المناسب بما يحفظ حقوقها وأمنها واستقرارها، وحماية مصالحها من سياسة الحكومة القطرية العدائية».

والمتأمّل في هذا البيان لا بدّ أن يلاحظ أنّه لم يأت فحسب للردّ على الموقف القطـــري الذي اعتبر مطـــالب «دول القطيعة والحصار» غير واقعيّة، إذ قال عنها وزير الخارجية القطري إنها «وضعت لكي ترفض»، وإنّما جاء أيضا للرد على «النيران الصديقة» والانتقادات التي وُجّهت إليها من العديد مــن الأطراف الإقليمية والدولية، فلقد حرص على وصف المطالب بأنها «مبرّرة ومشروعة ومنطقية»، وكأنّه بذلك يردّ مباشرة وبصورة خاصّة على الحليف الأمريكي الذي دعا وزير خارجيتـــه إلى «أن تكون مطالب جارات قطر معقولة وقابلة للتنفيذ»، والحليف البريطاني الذي أكّد وزير خــارجيته على «ضـــرورة أن تكـــون طلبات دول الحصار واقعية ومتـــوازنة» مضيفا أن الطلبات التي نقلتهـــا وســـائل الإعـــلام «لا تتّسق مع هـــذه المعايير».

وقد تعدّدت «الحجج» التي استخدمها البيان في تبرير المطالب، إذ أكّد مثلا أن أغلبها مذكور في اتّفاق الرياض الذي سبق لقطر أن وقّعت عليه سنة 2014، وهو ما يبطل أيّ ذريعة يمكن أن تتذرّع بها لرفضها...

على أن الحجّة الأكبر التي لجأ إليها هي طبعا ومثلما جرت العادة حجّة أنها «تهدف إلى محاربة الإرهاب، ومنــع احتضـــانه وتمويله، ومكافحــة التطـــرف بجميــع صـــوره، تحقيقــا للسّلــــم العالمي، وحفاظاً على الأمن العربي والدولي».

ولأنّ حصار قطر كان مثار انتقادات كبيرة وكثيرة خاصّة وأنّه تضمَّن إجراءات «غير إنسانية» من شأنهــا أن تجوّع الشعب القطري، وأن تمسّ حياة ومعاش الآلاف من المواطنين القطريين والخليجيين، فقد شدّد البيان على «أن الشعب القطري جـــزء أصيل من المنظـــومة الخليجية والعربية، وأن الإجراءات التي اتخذتها الدول الأربع موجّهة للحكومة القطرية لتصحيح مسارها الســاعي إلى تفتيت منظومة مجلس التعاون الخليجي والأمن العربي والعالمي، وزعزعة استقرار دول المنطقة والتدخل في شؤونها»...

وفي انتظار أن نرى كيف ستنفّذ الدول الأربع تلويحها الصّريح بأنّ المطالب الملغاة ستُعوّض بإجراءات وتدابير سياسية واقتصادية وقانونية أشدّ وأقسى، فإنّه من المهمّ في نظري التوقف قليلا عند هذه المطالب لاستكشاف ما تنطوي عليه الأزمة بين الرباعي الخليجي المصري وبين دولة قطر من دلالات وما يُحْتمل أن يكون لها من تداعيات.

وفي رأيي فإنّ المطالب الثلاثة عشر التي قدمتها الدول الأربع لدولة قطر تتّصف بثلاث صفات كبرى هي تهافت بعضها، وتناقض بعضها الآخر، وقصورها، إجمالا، عن تحقيق غاياتها، بل إنّها قد أفضت وستفضي إلى عكس المراد منها.

ويظهــر تهـــافــــت بعـــض هـــذه المطالب خاصّة في مطالبة قطر بـ«الإعلان عن خفض التمثيل الدبلوماسي مع إيران»...

وربّما كانت الدول الأربع تودّ أن تُطَالب الدوحة بقطع علاقاتها مع طهران تماما ودفعة واحدة، غير أنّ مثل هذا المطلب كان سيكون مغرقا في اللامعقول، حيث أنّ دولة الإمــــارات العـــربية المتحـــدة التي تتنازع مع إيران على الجـــــزر الثلاث، هي شريكها التجاري الأول في المنطقة، منذ زمن العقوبات الدولية التي كانت مفـــروضة عليها قبـــل التّوصّل إلى الاتفاق حول البرنامج النـــووي الإيراني.

كما يظهر التّهافت في مطالبة قطر بإغلاق شبكة الجزيرة الإعلامية والقنوات التابعة لها.

وبقطع النّظر عمّا يمكن أن يكون موقفنا من هذه الشبكة، فإنّنا لا نستطيع أن نفهم كيف يمكن للدول الأربع وخاصة المملكة العربية السعودية أن تطلب من دولة قطر غلق شبكه الجزيرة وهي التي تتوفّر على شبكات تلفزية عديدة وخاصّة منها شبكة العربية التي تمّ انشاؤها خصيصا للوقوف في وجه قناة الجزيرة ومنافستها...

أمّا تناقض بعض المطالب فإنّه يظهر خاصّة في مطالبة قطر بوقف التدخل في شؤون الدول الداخلية ومصالحها الخارجية...

وينطبق على هذا المطلب القول المعروف «لا تنه عن خلق وتأتي مثله»، وإلا فكيف يمكن لدول تدخّلت في سوريا وفي ليبيا وهي إلى الآن ومنذ أكثر من سنتين تشنّ حربا على اليمن أن تطلب مثل هذا الطلب من دولة كانت متحالفة معها في أكثر من ملفّ من هذه الملفّات.

ونفس الملاحظة تنطبق على مطالبة قطر بالالتزام بأن تكون دولة منسجمة مع محيطها الخليجي والعربي على جميع الأصعدة (عسكريا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا وأمنيا) بما يضمن الأمن القومي الخليجي والعربي...

وما من شك أنّنا، هنا، نقف أمام مفهوم سياسي جديد هو مفهوم «الانسجام» الذي يحتاج إلى تحديد معناه حتى تتسنّى الاستجابة لشروطه، ولكنّ ذلك لن يكون بالأمر الهيّن إلاّ إذا انفرد أحد الأطراف المطلوب انسجامها بتحديد هذه الشروط وفرضها على البقية...

وأمّا فيما يتعلق بمسألة الإرهاب، فحدّث ولا حرج، وإنّه لأمر غريب أن تطالب الدول الأربع قطر بالإعلان عن قطع علاقاتها مع جميع التنظيمات الإرهابية والطائفية والإيديولوجية وعلى رأسها التنظيمات التي تهدّد مملكة البحرين وغيرها من منظّمات وردت في قائمة المنظّمات التي تدعمها قطر المعلن عنها من الدول الأربع، ومن أبرزها جماعة الإخوان والدولة الإسلامية في العراق والشام والقاعدة وفتح الشام (جبهة النصرة سابقا) وحزب الله اللبناني، وإدراجها ككيانات إرهابية وضمّها إلى قوائم الإرهاب وإقرارها بتلك القوائم والقوائم المستقبلية التي سيعلن عنها.

وغنيّ عن البيان أنّ ما حدث في سوريا على وجه الخصوص وما تلقّته التنظيمات الإرهابية التي قامت بتخريبها على امتداد السنوات الست الماضية من دعم «سخيّ» بالمال والسلاح لم يكونا من صنع قطر وحدها وإنّما كانا نتيجة توافق سعودي قطري خليجي على دعم ما سمّي بـ»الثورة السورية» وعلى التصدي لتوسّع النفوذ الإيراني في المنطقة...

وإذا جئنا الآن إلى مظاهر القصور في هذه المطالب، فإنّنا نلاحظ أنّها تتمثّل خاصّة في أنّها بدلا من أن تحدّ من العلاقات بين قطر وبين كل من تركيا وإيران دفعت بالدوحة إلى الارتماء في أحضان هذين البلدين اللذين هبّا لنجدتها، كلٌّ بطريقته.

وفي هذا الإطار وبدلا من قيام قطر بالإغلاق الفوري للقاعدة العسكرية التركية الجاري إنشاؤها حالياً ووقف أي تعاون عسكري مع تركيا داخل الأراضي القطرية، تمّ على العكس من ذلك تعزيز الوجود العسكري التركي في قطر إذ بادرت أنقرة التي أبدت تعاطفها مع الدوحة وأعلنت معارضتها القاطعة للإجراءات السعودية والإماراتية، الى إقرار اتفاقية التعاون العسكري التي كانت أبرمتها مع قطر منذ سنة 2014، كما أنّها اتّخذت قرارا فوريا بسدِّ حاجات قطر من السلع الاستهلاكية التي يمكن أن تتأثر بإغلاق الحدود السعودية-القطرية. ويبدو أنها، منذ بدء الحصار، ضاعفت صادراتها من المواد الغذائية والبضائع الأخرى إلى قطر ثلاث مرات...

أما بالنسبة إلى إيران فإنها سارعت هي أيضا الى إظهار تعاطفها مع قطر، وأبدت الاستعداد لتوفير حاجات السوق القَطَرية من السلع الغذائية التي يمكن أن تكون تأثَّرت بإغلاق المنافذ الحدودية مع السعودية. وبالفعل فقد قامت بتزويد قطر بـ 1100 طن من الفواكه والخضروات يوميا عبر البحر، كما فتحت مجالها الجوي للرحلات القادمة من قطر وإليها، بعد منعها من استخدام المجالات الجوية للمملكة العربية السعودية والبلدان الأخرى المقاطعة لها.

وسيكون من الطبيعي أن تحاول إيران الاستفادة من هذه الأزمة الخليجية لا سيما من خلال إظهار الرياض بمظهر الدولة المعتدية والقوة الساعية إلى الهيمنة على دول الجوار، ومن خلال السعي إلى تعزيز علاقاتها لا مع قطر فحسب، وإنما أيضا مع دولة الكويت وسلطنة عمان اللتين قد تُسْتَهدفان مستقبلا بالنظر إلى انتهاجهما سياسات مستقلة أو «غير منسجمة» مع سياسات الرياض...

وفي ضوء ما تقدّم فقد كان من المنتظر أن ترى قطر في مطالب الدول الأربع شروطا تمسّ بسيادتها ولا سبيل إلى تلبيتها، وفي رأيي وبقطع النظر عن موقفنا من قطر ومن سياساتها فإنّها حَسَنًا فعلت بعدم الانصياع لهذه الشروط لسببين اثنين أوّلهما لأنّها لو فعلت لأسّست لسابقة خطيرة لا شكّ أنّها ستغري «دول القطيعة والحصار» بتكرارها مع دول أخرى سواء في منطقة الخليج او في غيرها من المناطق العربية، وثانيهما أنّ وثيقة المطالب كما تمّ نشرها تشير في بندها الثالث عشر إلى أنه في حال موافقة قطر عليها سيتمّ إنشاء آلية تتولّى مراقبة مدى وفائها بالتعهدات التي ستقطعها على نفسها وذلك من خلال «إعداد تقارير متابعة دورية مرّة كل شهر للسنة الأولى، ومرّة كل ثلاثة أشهر للسنة الثانية، ومرّة كل سنة لمدة عشر سنوات».

ومعنى ذلك أنّ «دول القطيعة والحصار» قرّرت، مسبقا، أنّها ستستمرّ في معاقبة قطر لفترة طويلة أدناها عشر سنوات كاملة...

وإذا وضعنا في الحسبان هذا القرار المسبق، والطريقة المفاجئة التي تمّ بها الإعلان عن قطع العلاقات مع قطر ومحاصرتها، فإنّنا لا نملك الاّ أن نُنَبِّهَ إلى الخطورة البالغة التي يشكّلها تصرّف الدول الأربع وخاصّة الشقيقتين الكُبْرَيَيْن المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية بالنسبة إلى مستقبل العلاقات العربية العربية...

وبعبارة أوضح فإنّنا ينبغي أن نَتَنَبَّهَ إلى أن الأزمة بين الرباعي الخليجي المصري وبين قطر تتجاوز الدوحة إلى غيرها من العواصم الخليجية والعربية لأنها في واقع الأمر لم تأت من فراغ وإنّما تنبع من «رؤية» يبدو أنّ الرياض بلورتها وستحاول فرضها لأمّهات المسائل التي تشغل منطقة الخليج، ومنطقة الشرق الأوسط، ومنها خاصّة مستقبل العلاقات مع إيران وتركيا، وآفاق التحول الديمقراطي ومصير قوى الإسلام السياسي لا سيما في المنطقة العربية، ومآل القضية الفلسطينية والعلاقة مع إسرائيل...

وعلى هذا الأساس فإنّ الساحة العربية بكافة مناطقها مرشّحة لأن تكون عرضة لـ«إجراءات» مفاجئة على غرار قرار مقاطعة قطر وحصارها وقبل ذلك قرار شنّ الحرب على اليمن...

ولأنّ في منطقتنا مشكلة اسمها الوضع المتردّي في ليبيا، ولأنّ في ليبيا حكومة، وان لم تكن معترفا بها دوليا، بادرت بمباركة قطع العلاقات مع قطر ومحاصرتها، لا ينبغي أبدا أن نستبعد أن تمتدّ ارتدادات الأزمة إلى جوارنا المباشر... بل حتّى إلى داخل بلادنا لأن إشكالية الإسلام السياسي باتت الآن تكتسي بعدا جديدا ينبغي التسلّح بالحذر الشديد للتعامل معه بأسلوب يحفظ مصالح تونس وأمنها واستقرارها.

محمد ابراهيم الحصايري

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.