أخبار - 2017.07.03

التوفيق الحبّيب - انهيار حصن المافيا في تونس سوف لن يبقي ولن يذر

التوفيق الحبّيب - انهيار حصن المافيا في تونس سوف لن يبقي ولن يذر

هذا السداسي الثاني من السنة الذي حلُّ علينا في مطلع شهر جويلية يحمل تغيُّرات كبرى ستُلْقي بظِلالها علينا جميعا. ولا نخال الرئيس الباجي قائد السبسي، وقد بلغت عهدتُه منتصف الطريق، إلّا مقبلا على استحثاث الخُطى، ومبادرا إلى إعطاء الدفع القوي لكثير من الملفّات في أكثر من مجال على خلفية التحوّلات العميقة التي تشهدها البلاد.

***

الهزّة المهولة التي أحدثها سقوط شفيق الجرَّاية مع بعض أمثاله من المتنفِّذين قد أحدثت رجَّةً هزَّت حصن نظام  "ما فيوزي " سوف يُدَكُّ دكّا عما قريب. هذا الاخطبوط المترامي الأطراف يبدو في تشابك وارتباط وثيق بتفَرُّعات شتى تلامس العديد من المجالات من أوساط الجريمة إلى عالمي السياسة والإعلام. بدأت بارونات الفساد وأذنابهم يتساقطون كأوراق الخريف، الواحد تلو الآخر. سوف ينتهي بهم الأمر إلى الكشف عن المتواطئين معهم وعمّن يحرّكهم ويقف وراءهم وإلى الاعتراف بالتالي بما اقترفت أيديهم.
عملية إزالة القِناع وكشف المستور ستكون عنيفة مُدَوِّية، وستكون الحقيقة صادمة. سوف يُرفع الستار، عاجلا أو آجلا، عن العديد من الجرائم : مقتل شكري بلعيد ومحمّد البراهمي ولطفي نقض وسقراط الشارني وآخرين... سيتمّ الكشف عن خيانات وخيانات، بدءا من تسليم البغدادي المحمودي. سيماط اللثام عن عمليات تواطؤ مع التكفيريين هيَّأَتْ للرَّمْي بشبابنا وبأعداد كبيرة لُقْمةً سائغة في أحضان داعش، وأنبتت أرضا خصبة لتنامي الإرهاب. نعم! سيرفع الغطاء عن كل تلك الأموال الفاسدة التي حصلت عليها أحزاب ومنظمات غير حكومية ومنتخَبون ووسائل إعلام بدون وازع رادع وبلا ضمير، وأساءت للبلاد أيّما إساءة.
كثيرة هي الحقائق التي سترى النور في قادم الأيام، والتي ستدفعنا مستقبلا إلى مزيد من اليقظة حتى لا يتكرّر لنا أبدا هذا الذي حدث. إنّ مقتضيات الشفافية وتفاقم انعدام الثقة يجعلان من الرغبة في تطهير الحياة العامّة وتنقيتها من كلّ الشوائب ضرورة ملحّة. ولا سبيل إلى إعادة الثقة إلى النفوس إلا بتطبيق القانون، ولا سبيل كذلك إلى ترسيخ الديمقراطية دون إعماله. 
***
أحداث الكامور ستكون بمثابة المنعرج الحاسم. لقد أدركت الحكومة في النهاية أنّ لا طائل على الإطلاق من الاستمرار في التفاوض فقط مع الأطراف الجهوية المنتمية إلى الأطر المؤسساتية كأعضاء مجلس نواب الشعب وممثلي الأحزاب السياسية والمنظمات غير الحكومية التقليدية. فحقيقة الميدان التي نلمسها اليوم مختلفة تماما. لذلك بادرت إلى تغيير موقفها بعد تواصل الاعتصامات مدة ثلاثة أشهر ورفع شعارات ومطالب لم تلق تفهّما من الطرف المقابل، وحاول البعض التقليل من شأنها. لكن أمكن في النهاية الوصول إلى اتفاق بعد وساطة قام بها في ربع الساعة الأخير الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل الذي يتحلّى بقدرة فائقة على خوض غمار المفاوضات مهما كانت صعبة، كما أسهمت وساطة الاتحاد في تعزيز مكانة المنظمة الشغيلة على الصعيد السياسي. ولسائل أن يسأل: هل من قيمة تعاقدية لما تلتزم به جموع شعبية بدون استناد إلى أي تفويض قانوني؟ كيف تقبل الحكومة " كل هذه التنازلات " بدون ضمانة من أي نوع؟ ما قيمة التوقيع الرمزي الذي خطّه والد المرحوم أنور السكرافي الذي توفّي في المواجهات، وما حظّه من الصدقية؟ إنّه منطق جديد غير مألوف خرج من رَحِم المواجهات التي شهدتها جهة تطاوين-الكامور. معه ظهر فقه قضائي مبتكر، وأسلوب عملي مستحدث. فخلصنا إلى عِبَرٌ ودروس يمكن اعتمادها في تونس وفي العديد من البلدان التي تواجه أوضاعا مشابهة. الأكيد أنّ كل غال ونفيس يهون حينما يتعلق الأمر برفع المظالم التي وقعت على جهة كانت نسْيًا منسِيًّا، وحلَّت بشباب تُرك وشأنه، وأُغلقت أمامه كلُّ أبواب الأمل. 
***
كل الدلائل تنبئ بأن سنة 2018 ستكون صعبة بالنسبة إلى المالية العمومية. ميزانية 2017 تعاني هي الأخرى من نقص بمليار دينار على أقل تقدير. الدَّيْن الخارجي في تصاعد مستمر، والحصول على القروض لم يعد بالأمر الهيّن. لكن هناك من المؤشرات ما يتيح بعض التفاؤل على قلة أهميتها، وتتعلق خاصة بالاستخلاص الجبائي الذي تحسّن شيئا ما، وبالسياحة التي بدأت تنتعش ولو باحتشام، ومنها ما يخصّ الاستثمار وترشيد النفقات العمومية. وستكون الحكومة إزاء خيارات موجعة. ويبدو أنّ النية متجهة إلى رفع نسبة الأداء على القيمة المضافة بنقطة واحدة على أقل تقدير، خاصة بعد انقضاء أجل التوظيفات المقترنة بالمساهمة الاستثنائية بـ 7,5% التي تمّ إقرارها بعد أخذ وردّ في نهاية السنة الماضية. خلاص هذه الفاتورة سيمثل عبئا ثقيلا لا محالة، وعلى التونسيين أن يعُدُّوا العدّة لذلك.
***
الانتخابات البلدية اذا ما تأكد اجراؤها يوم 17 ديسمبر القادم سوف تفضي إلى تغيير المشهد السياسي تغييرا جذريّا في كلّ في البلديات المنتشرة على كامل التراب الوطني وعددها 365 بلديّة. هذا الاقتراع المحلي يعطي الأفضلية للمجتمع المدني وينتهي إلى بروز وجوه جديدة تكتسح المشهد. ويخطئ من يعتقد أن ما ستفرزه هذه الانتخابات سوف لن يكون له تأثير في الانتخابات التي ستليها، ونعني الانتخابات التشريعية.
***
كثير من الأوهام ستتبدّد خلال هذا السداسية الثانية من السنة... و عديدة ستكون المفاجآت.
 
التوفيق الحبّيب
 

 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.