أخبار -
2017.06.17
قِمةٌَّ...طَلْعُهَا كَأَنهَُّ رُؤوسُ آلشيََّاطِينِ
هذا المقال نصّ إنشائي انطباعي وليس نصّا تحليليا متجرّدا، فإزاء القمة العربية الإسلامية الأمريكية أو في الحقيقة، والفرق بيّن لكل ذي عينين، القمة الأمريكية الإسلامية العربية التي انعقدت في الرياض يوم الأحد 23 ماي 2017، لا يمكن للمرء أن يقف محايدا ولا متحرّرا من أحاسيس الألم والحزن والخوف (من المستقبل وعليه) التي ولّدتها مجريات ونتائج هذه القمة العجْلى المدبّرة بليل في النفوس المحبطة أصلا بمشاهد القتل والدمار والخراب التي ما فتئ العرب ينامون عليها كل ليلة ويفيقون كل صباح على امتداد أكثر من ستّ سنوات عجاف تعاقبت عليهم منذ ما سمّي بثورات «الربيع العربي»...
إنّ هـــذه القمّة التي عــاد منها الرئيس الأمـريكي دونالد ترامب إلى بلاده فرحا مسرورا، كما يقال، منتفخ الأوداج، وقد أخذه الزهو والتّيه بما رأى وسمع وبما جنى لبلاده من مغانم مالية ضخمة وبما مهّد الطريق لأن تجنيه مستقبلا ممّا زرعته القمة من بذور الخلاف والفتنة والفرقة الجديدة التي سرعان ما نبتت وبدا «طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤوسُ ٱلشَّيَاطِينِ»...
فمن الغارات التي يواصل الجيش المصري منذ العملية الإرهابية الأخيرة في مصر شنّها على بعض المناطق في جارته ليبيا، إلى قطع العلاقات بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين ومعها مصر واليمن وبين دولة قطر، ثم إلى التفجيرات التي شهدتها على التوالي كل من شيراز وطهران... يبدو أننا بتنا على أبواب، بل إننا قد نكون دخلنا فعلا في مرحلة جديدة من القلاقل والزلازل التي ستعصف بمناطق أخرى من هذه البلاد العربية الممزّقة أوصالها تمزيقا من أقصاها إلى أقصاها...
وليس اختيار الخامس من شهر جوان 2017 أي يوم الذكرى الخمسين لما سُمِّي بـ»النكسة» لإعلان قطع العلاقات مع دولة قطر إلا دليلا على أن العرب ما يزالون وسيظلون ينتقلون، مرغمين أحيانا وبمحض إرادتهم أحيانا أخرى، من نكسة إلى نكسة أخرى تأتي على الأخضر واليابس في المزيد من بلدانهم...
وليس الخوف ممّا هو آت من باب التطيّر أو التشاؤم بل هو من صميم الاستشراف الحصيف المؤسس على الوقائع واستتباعاتها..
ومن يقرأ البيان الذي صدر عن القمة دون أن يعلم المشاركون في أشغالها، وفقا لما جاء على لسان وزير الشؤون الخارجية اللبناني، حتى بوجوده فضلا عن المساهمة في صياغته، فإنّ الرعب لا بد أن يتملّكه من كمّ الحروب والمواجهات والمجابهات التي «بشّر» بشنّها أو بمواصلة شنّها مستقبلا على كافة الأصعدة العسكرية منها أساسا، والسياسية والاقتصادية والفكرية أيضا...
ثم إنّ هذا الرعب سيشتدّ عند ملاحظة هذا الالتقاء بين إرادتين خطيرتين، إرادة ملك دشّن عهده بشنّ حرب ما أنزل الله بها من سلطان على «اليمن السعيد» فذهب بالبقية الباقية من سعادته، وإرادة رئيس يتّفق الجميع على وصفه بالاندفاعي حتى لا يقولوا الأهوج دشّن عهده بضرب سوريا واحتلال أقسام من أرضها وباستخدام أم القنابل في أفغانستان...
أفلا ينذر كل ذلك بأنّ القادم سيكون أعظم؟ بلى إنه، يقينا، سيكون كذلك، خاصة إذا وضعنا في الحسبان الارتدادات الخطيرة التي بدأ قطع العلاقات مع قطر يفرزها، فهبوب تركيا التي كانت لها أياد «سوداء» فيما جرى ويجري في العراق أولا ثم في سوريا ثانيا وفي ليبيا ثالثا، لنجدة دولة قطر عسكريا وإيديولوجيا سيسمح لها بمدّ أياديها إلى منطقة الخليج وسيشكل حلَقة جديدة من حلقات المشهد السريالي الذي أنتجه عبث بعض الدول العربية بأمن بعض الدول العربية الأخرى واستقرارها...
وفي خضمّ هذا الواقع الأليم الخطير ينبغي لنا في تونس أن نحسن التقدير، وألا نعوّل أكثر من اللازم على «استثنائنا التونسي»... كما لا ينبغي أن ننشغل بالقشور وننسى لبّ المخاطر المحدقة بنا، وهي مخاطر تتجاوز بأشواط بعيدة أن تطالبنا دولة قطر بأموالها أو أن يضطر بضعة آلاف العاملين التونسيين فيها إلى المغادرة... إنها تتعلق بصميم واقعنا السياسي وتركيبة ساحتنا السيـــاسية التي لا ترضى عنها أمريكا والدول الخليجية التي قطعت علاقاتها مع دولة قطر...
فالأمر المؤكد أنّ الاستهداف وإن بدا أنه سيتركّز في هذه المرحلة على محاربة جماعة الإخوان المسلمين، فإنه لن يلبث أن يمتدّ إلى ما يصطلح عليه بـ«الإسلام السياسي» بكل أطيافه وألوانه وأشكاله، وحيثما وجد، مشرقا ومغربا، وعندئذ سيكون علينا أن نحسن التعاطي مع تركيبة ساحتنا السياسية... بل إن علينا أن نستعد من الآن لأن يكون «سقف بيتنا مـــن حــديد وركنــه من حجر» حتى إذا هبت العاصفة لم يصبنا ولم يصب بيتنا أذى.
محمد ابراهيم الحصايري
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
- اكتب تعليق
- تعليق
أصداء المؤسسات