حرب رمضان بين بطني وجيبي

يوميّـات مـواطن عيــّاش: حرب رمضان بين بطني وجيبي

في إحدى ليالي شعبان، وفي سهرة بين الخمائل والأغصان جلست إلى صديقي العيّاش، وكان بين نشوة وانتعاش. ولما أتى الحديث على شهر الصيام، ولم تعد تفصلنا عنه إلا بضعة أيّام، قال صديقي الهمام: «عندما يقترب شهر رمضان، لا أعرف هل انتظره ويديّ على قلبي أم استقبله وأنا فرحان. وخوفي كل خوفي على جيبي المسكين، أمّا الفرح ففرح البطن، شأني في ذلك شأن كل الصائمين.

وبين الإثنين علاقة جدليّة، كما تقول الجماعة  الماركسيّة، فجيبي يوفّر أسباب الفرح المطلوب، وذلك الفرح يسبّب انخرام المكتوب... لكن ما العمل يا فلان، فرمضان هو رمضان، ولابدّ من التضحية من أجل الكريشة، ومن غيرها ماتحلاش العيشة». فقاطعته  قائلا: «لكن رمضان هو شهر العبادة والصيام، والصلاة والقيام، قيام الليل بالدعاء والتسبيح وأداء صلاة التراويح، وليس شهر المآدب وشحن البطون، ومناسبة  لملء الصحون، بما تشتهي الأنفس والعيون».

وعندما سمع العيّاش هذه الكلمات استوى في جلسته، وانطلق في مرافعته، وكأنّه لسان الدفاع المتطوّع، عن منوّب جائع متضوّع، بسبب يوم كامل من الإمساك جعله يلخّص الحياة، في بريكة وصحفة شربة وأصناف عديدة أخرى من المأكولات، لا يستقيم من دونها رمضان، ولا يعلو له شأن. قال العيّاش «دعك يا صديقي من هذا التفكير الأحادي وانظر إلى الدنيا من هنا ومن غادي: أي بنظرة ثنائية، تراعي ما في الإنسان من ازدواجية : ازدواجية الخير والشرّ، والكرّ والفرّ، والحبّ والكره،والتعب والراحة، والضحك والبكاء والكذب والصراحة...ونحن كذلك في شهر رمضان: لنا وقت للعبادة والصيام، ووقت لفنون الأكل والطّعام، فلماذا تريد يا صديقي أن تحرمنا من ملذّات لم يحرّمها دين ولم تنزل فيها آيات؟».

تعجّبت من تفلسيف صديقي، وكأنّي به قادم للـتوّ من بلاد الإغريق، وقلت له: «إنّ الجوع أبو المنطق، وقد جعلك بالحكمة تنطق، لكن هذه الملذٰات لها ثمن هائل، يثقل الكاهل، والسبب إسراف وتبذير من الذين يشابهونك، واستغلال فاحش من تجّار ومضاربين يركبون على هذا الشهر وينهبونك»...؟ فقاطعني العيّاش: «إنّي أعلم مسبقا القصّة التي سترويها، والحكاية التي ستحكيها، قصّة ارتفاع الأسعار، وحكاية الدنيا شاعلة فيها النار. لذلك لا تتعب حالك، وحافــظ على صوتك وأحبالك، ففئة المستهلكين» متعوّدة ديما».كــما قال عادل إمام- على غلاء كل شيء في شهر الصيام، لكـن قل لي يا صديقنا هل كان الإفطار من هذه الناحية أرحم بنا، وانت تعلم سعر الفلفل والطماطم والبطاطا، وكم تكلّـف في غيـر رمضان شكشوكة او عجّة او سلاطة؟».

فقلت للعيّاش: «والله شماتة فيك، ما دامك تمشي للبلاء بساقيك»، فأجابني: «في سبيل متعة البطون، كل شيء يهون، وحتى الدولة فهي معنا في هذا الاختيار، وتعمل بنفس الشعار، إذ توفّر للصائمين آلاف اللترات من الحليب وملايين «العظم» تستوردها من الخارج إذا الأمر لزم»، فقلت له: «بارك الله في هذه الدولة التي تشجّع على استهلاك قاتل، يذهب نصفه إلى المزابل، كما تشهد على ذلك في رمضان حاويات البلديٰة، وقد  ضاقت بفواضل الأطعمة الشهية».

فصاح العيّاش ، بعد أن وضع يده على أنفه، وكأنّ الروائح قد وصلت قاع حلقه: «مالك هكذا يا إنسان، تريد أن تفســد علينا فرحــة رمضان؟  انظر– بالله-  ولو مرّة إلى جوانب هذا الشهر الإيجابية: تذكّر أجواء السهريّة والبوزة والمخارق والمحلبيّة، وشيشة وطرح نوفي مع أولاد الجمعيّة، وشبعة مسلسلات تلفزية، للذين يفضّلون الركشة البيتية».

فقاطعت العيّاش قائلا: «لكن ألا تفكر في جيبك يا بشر وكيف تستخدم ميزانيتك في آخر الشهر ؟» فأجابني: «نعم، سيكون – كما قال الشاعر حسين الجزيري-  «مخروما من الإفلاس» وأنا في ذلك مثل كلّ الناس.

عادل الأحمر

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.