ولاية ڤفصة: المعوّقات والطّموحات
المعوّقات
اجتماعيّا
شهد الوضع الاجتماعي بولاية قفصة بعد الثورة ظروفا صعبة ودقيقة تمثّلت خاصة في حـراك اجتماعي كبير أفضــى إلى تعطّل الإنتاج وتراجعـــه ونسق التنمية في سائر المجالات وعديد القطاعات، وخاصة منها استخراج وإنتاج الفسفــاط الذي عرف انحدارا حادّا بعد سنة 2010 بسبب احتجاجات العاطلين عن العمل المطالبين بالتشغيل.
اقتصاديا
اتّســم المجـــال الاقتصادي بتراجع كبير للأنشطة وركــود في الإنتاج وغلق العديد من المؤسسات وتسريح أعداد هامة من اليد العاملة على غرار مصنع «yazaki «بـــأم العــــرائس وتأثّر قطاع الصناعات التقليدية، كما سجلت التجارة الموازية ومختلف أشكال الاقتصاد غير المنظم تزايدا ملحوظا واستفحلت ظاهرة الانتصاب الفوضوي مع نقص الرقابة ممّا أثّر سلبا على قواعد المنافسة. أما على مستوى النهوض بالاستثمــار ودفع المبادرة الخاصة وبعث مشاريع منتجة ومشغلة فلا يزال المردود ضعيفا ودون المستوى المطلوب بحكم محدودية تدخل الدولة في إرساء محيط استثمار ومناخ أعمال ملائم وغياب التنسيق بين مختلف هياكل الإحاطة والمساندة وتداخل مهامها وطول الإجراءات الإدارية وتشعّبها وصعوبة النفاذ للتمويل.
وفي بـــاب التشغيــل تواصل ارتفاع عدد الوافدين على ســوق الشغـل سيّما من أصحاب الشهائد العليا مقابل ضعف وتراجع عروض الشغل خاصة في صفوف الإطارات وأصحاب الخبرة.
أما الاستثمـــار الخــارجي المبــاشر فقد ظل يعتمد على بعث وحدات موجّهة للتصديــر تستخدم اليد العاملة المكثفة ذات الكلفة غير المرتفعة ودون أن يكــون لها ارتباط بالأنشطة المحلية.
ويعتبر القطاع الصناعي ضعيفا إذ يتكوّن نسيجه من حـوالي 90 مؤسسة بطاقة تشغيلية تساوي أو تفوق 10 أشخاص رغم توفّر الجهة على مـواد خام قابلة للتصنيــع، إضافة إلى ما تمتلكه من بنية أساسية غير مستغـــلة «وهي المطار وخطوط سكك حديدية».
كما يشكـو القطـاع الفـــلاحي مــــن عديد الصعــوبات المتعلّقـة خـاصـة بقلـــّة التشجيعات والحوافز الممنوحة لفائدة الراغبين في الاستثمار فيه، فضلا عن شحّ الموارد المائية وتشعّب الإجراءات الإدارية.
بيئيــــــا
عرف الوضع البيئي ضغوطات كبيرة أثّرت سلبا على المنظومة الإيــكولوجية والــموارد الطبيعية والتصرف في النفايات بمختلف أنواعها. كما اتّسم بتفاقم ظاهرة التلوّث خاصّة في الحوض المنجمي إلى جانـــب التصحّـــر وتـــزايد الطلبات على الموارد الطبيعية والاستغلال المفرط للمواد المائية الجوفية مما تسبّب في نقصها وتدهور نوعية المياه التي أدّت بدورها إلى بروز إشكاليات بيئية حضرية فاقمها ضعف نسبة الربط بشبكة التطهير. وقد شملت الإخلالات البيئية كذلك منظومة التصرّف في النفايات المنزلية بمختلف أصنافها وتزايد المصبّات العشوائية وما رافقها من تلوّث للهواء والتربة والطبقات المائية بسبب حرق الفضلات إضافة إلى ارتفاع حالات التعدي على الملك العمومي والأراضي الفلاحية واستفحال ظاهرة البناء الفوضوي الأمر الذي تسبّب في تقلّص المساحات الخضراء، فضلا عن التّلوّث الخطير الناتج عن صناعات تحويل في قطاعات الفلاحة والصناعات التحويلية الغذائية.
الطّموحات
يتطلّع أهالي الجهة إلى حلول جذرية لمعالجة هذا الواقع من خلال:
- تنويع النسيج الاقتصادي والعمل على القطع بصفة نهائية مع أحادية النشاط (القطاع المنجمي).
- توفير محيط أعمال محفّز بفك العزلة الاقتصادية عن الجهة وتمتين العلاقات وتشبيكها مع الأقطاب الصناعية الكبرى.
- إيجاد حلول للمشاكل العقارية ومحدودية المخزون العقاري.
- العمل على تحسين مردودية القطاعات المنتجة ومعالجة أسباب هشاشتها وعدم اندماجيتها.
- السّعي إلى استيعاب الأعداد المتزايدة من اليد العاملة وخاصة الإطارات العليا وإحداث مؤسّسات صناعية كبرى قادرة على الإشعاع حولها وخلق ديناميكية اقتصادية.
- بعث مصانع تحويل المنتوجات الفلاحية وإيجاد حلول لمعالجة إشكالية مديونية صغار ومتوسطي الفلاحين.
- التّسويق لصورة إيجابية مشجّعة وجاذبة للاستثمار الوطني والأجنبي.
- إحداث مصبّات مراقبة ووحدات رسكلة النّفايات للحدّ من التلوّث البيئي.
- تكثيف المجهودات لتنويع مسالك الترويج مع تثمين الصناعات التقليدية والإنتاج الفلاحي (زيت الزيتون، اللوز، الفستق، الخضر والغلال).
- التّرفيع من نسبة مساهمة القطاع البنكي في تمويل المشاريع.
- خلق ديناميكية متوازنة بمختلف مناطق الولاية من خلال توزيع الأنشطة الاقتصادية وفق الخصوصيات والموارد الخام المتوفّرة.
- دعم البنية التّحتيّة وتهيئة مناطق صناعية بمختلف معتمديات الجهة.
- تبسيط الإجراءات الإدارية وتذليل الصعوبات أمام الرّاغبين في الاستثمار من خلال التقليص من مركزية القرار.
- الإسراع باستكمال عديد المشاريع المحورية والهامة التي من شأنها تحسين مناخ الاستثمار (المنطقة اللوجستية/القطب التكنولوجي/تهيئة المطار / الربط بالغاز الطبيعي/ المستشفى متعدّد الاختصاصات...).
- معالجة إشكالية التلوث الناتج عن مغاسل الفسفاط والمعمل الكيميائي بالمظيلة.
- تفعيل الحوافز الخصوصية الممنوحة بالجهة وتطبيق التّمييز الإيجابي للحدّ من التّفاوت التنموي بين الجهات.
- الإسراع بإعادة هيكلة مركز التكوين المهني بالقصّر وإحداث آخر بالمتلوي.
- الانطلاق في تفعيل عمل شركتي البيئة والغراسة ونقل المواد المنجمية المحدثتين بعد الثورة وتمكينهما من الآليات والأدوات اللازمة لتطوير ٲدائها.
- العمل على إحداث مسلك سياحي منظّم ومنطقة سياحية مهيّأة.
- التّصدّي لمظاهر البناء الفوضوي والمصبّات العشوائية للفضلات.
- تجديد شبكات الماء الصالح للشراب وإحداث محطّات تطهير بعدد من المعتمديات (القطار / المتلوي / الرديف / أم العرائس / المظيلة).
- تطعيم المؤسسات الجامعية بالجهة بالكفاءات العلمية المطلوبة لتحسين مستوى الشهائد العلمية و ترغيب الطلبة في التوجه للدراسة بها.
- مزيد دعم دور المجتمع المدني في المساهمة الفعلية في المسار التنموي.
إلى جانب هذه التطلّعات لابدّ من بذل كل المجهودات لحسن الاستثمار في الموارد البشرية والعمل على إدماجها في الحركة التنموية والارتقاء بها من وضعية العبء على الدولة إلى الشريك الفاعل.
أمّا في الجانب الثقافي فلابدّ من إعادة المجد إلى جهة قفصة التي يشهد التاريخ بإشعاعها منذ العصور القديمة فهي التي احتضنت الحضارة القبصية قبل 8000 عام وهي التي شهدت وجود الإنسان قبل 40000 سنة (أقدم المعابد بالقطار) وهي التي سجلت تعاقب الحضارات الضاربة في القدم والتي خلّدت الكثير من أثارها وأنماطها العمرانية. وهي التي تميّزت ٲيضا بصناعات تقليدية فريدة من نوعها وتراث لامادي ثريّ ومتنوّع وتقنيات مميّزة في الفلاحة والريّ.
وخلاصة القول إنّ المقاربة التنموية الأنسب هي تلك التي ترتكز على تلازم البعدين الاقتصادي والاجتماعي في مقاومة الفقر والبطالة وإحداث التوازن بين الجهات من ٲجل إدراك أهداف الثورة وتعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني.
وتونس اليوم في أمسّ الحاجة لتعبئة جهود أبنائها من مسؤولين وسياسيين وشركاء اجتماعيين واقتصاديين وكل الطاقات والقوى الحية، لدرء المخاطر ودخول مرحلة جديدة في مسار التنمية خاصة أمام خطورة الوضع الحالي وحساسية الظرفية الزمنية التي تمرّ بها البلاد.
ولهذا فقد بات من الضروري إيجاد حلول عملية وعاجلة للتقليص من البطالة والحدّ من الفقر من خلال طرح سياسات وبرامج دقيقة وفعّالة وتغيير النموذج الحالي للنمو إلى نموذج يستجيب للتحديات الراهنة والانتقال من اقتصاد يقوم على المناولة إلى اقتصاد يستهدف التموقع في شبكات الإنتاج والتوزيع العالمية.
وفي هذا الإطار لابدّ من دفع الأنشطة الاقتصادية الواعدة وذات المحتوى المعرفي الجيّد والقيمة المضافة العالية والعمل على تعميق مسار الإصلاحات الهيكلية للاقتصاد ومواصلة تطوير مناخ الأعمال وتيسير إحداث المؤسسات وإزالة كل الحواجز البيروقراطية والمعوقات التي تحول دون تحرير المبادرة الخاصة.
كما يجب تفعيل مساهمة الجهات الداخلية في خلق الثروة الوطنية بالمرور أساسا عبر العمل على حسن استغلال الثروات الطبيعية والتراثية والثقافية والفكرية وكذلك عبر التوزيع العادل لثمار التنمية بين الجهات وهو ما يتطلّب إعادة النظر في معايير توزيع الموارد العمومية المتاحة بين الجهات وفق أسس تأخذ في الاعتبار حقيقة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في الجهات.
- اكتب تعليق
- تعليق