ولاية ڤفصة: تــاريـخ تلـــيـد

اعتبارا لعوامل جغرافية ولوسط طبيعي ثريّ يتميّز بعدد هام من عيون الماء برز النشاط البشري مبكّرا وانتشرت الحضارة القفصية انتشارا واسعا وأثّرت في عدة حضارات أخرى. لولاية قفصة تاريخ تليد إذ تعود حضارتها، المعروفة بالحضارة الكبصية أو القفصية، إلى ما يقارب الثمانية آلاف سنة وقد أجمع المؤرخون على أنّها من أقدم المناطق في القارة الإفريقية، وعرف سكانّها بالميل للسّــلام والعـدل ومقـاومة الاستبـداد والشّغف بالعلم والعمل في مجالات الزراعة والصناعة.

تمّ اشتقاق تسمية قفصة من التسمية اللاتينية (capsa) وقد ابتكر منها الباحث «دي موغان» كلمة «capsien» اسما للحضارة التي تعود إلى العصور الحجرية القديمة. توالت على مدينة قفصة عدة حضارات منها القرطاجنية والبونيقية ثم الرومانية التي تمتّعت بنظام بلدي مرن توّج بالحصول على قانون المدينة اللاتينية في عهد الإمبراطور «طراجانوس» سنة 117م. وبعدما احتل الرومان قفصة في القرن الثاني قبل الميلاد نمت المدينة لتتحوّل إلى ولاية. وتم تشييد حوضين كبيرين يعرفان اليوم بالأحواض الرومانية استعملت مياهها لريّ الواحة القريبة.وبداية من 534م جعل البيزنطيون من قفصة عاصمة لإقليم البيزاسانا وعرفت ازدهارا حضاريا بقيت آثاره إلى اليوم ومن ذلك «البرج الأثري». أما الفتح الإسلامي فقد تم نهائيا سنة 693م على يد القائد العربي حسّان بن النعمان.

وقد حافظت مدينة قفصة على أهميتها خلال العصر الوسيط ضمن شبكة من الطرقات الرابطة بين المشرق والمغرب وبلاد السودان عبّر عنها الإدريسي بقوله: «مدينة قفصة مركز، والبلاد بها دائرة».

وفي العهد الأغلبي شيّد بها خلال القرن التاسع ميلادي الجامع الكبير الذي لا يزال شامخا كما عرفت مدينة قفصة بمدينة القصور لأنها كانت محاطة بقصور عديدة وتوفّر شتّى أنـواع الفـواكه وخاصّة الفستق الذي يصدّر إلى ســـائر مـــدن إفـــريقيـة ومصــر والأنـدلس وسلجمـاسة.

نمت هذه المدينة بعد أن تمّ اكتشاف الفسفاط في ربوعها سنة 1885م على يد فيليب توماس. وخلال الفترة الاستعمارية التي امتدّت من 1881 إلى 1956 خضعت المنطقة إلى الحكم العسكري المباشر وقد جسّدت نموذجا للنضال الوطني المتنوّع في أشكاله . تعتبر قفصة رابع منتج للفسفاط في العالم حيث يتمّ سنويّا استخراج أكثر من 7.5 ملايين طن من مناجمها. تخصصّت قفصة في الصناعات الحرفية التقليدية للسّجاد البربري أو المرقوم منذ القديم وقد قام الفنان المعروف حميــدة وحــادة سنة 1958 ببعــث صناعة للسّجــاد لأوّل مرة في تونس.