العدد 17 من ليدرز العربية : ملفّ عن محمّد الطالبي وتحقيق عن ولاية قفصة

خصّصت مجلّة ليدرز العربية في عددها السابع عشر (15ماي/ 15جوان 2017) ملفّا أدرجت عنوانه في الغلاف، سلّطت فيه الضوء على مسيرة الراحل الدكتور محمّد الطالبي، العلمية والفكرية وعلى مواقفه النضالية الوطنية.
وقد ساهم في هذا الملفّ الدكتور احميدة النيفر بمقال تحت عنوان "الراحل محمّد الطالبي ومعضلة الحقيقة" أكّد فيه أنّ الفقيد أرسى مسلكا يجعله بحقّ، لجيل صاعد، عٓلَمًا من أعلام تونس المعاصرة، وذلك في الجامعة التونسية فكان الباحث المحقّق والمثابر الجريء. كما أبرز ما ميّز مساره ناقدا للسرديات الكبرى وما حقّقه من سبق يتجلّى من خلال جهوده ضمن خصائص عصره ومقارنتها بما أنجزه أقرانه في جامعة تونس وخارجها، حيث تمحّض عمله وفكره بإزاء زملائه في تونس خاصّة بما أولاه من عناية لقضية مركزية لديه هي : الإسلام حضارةً وفكرا وعقيدة.

وتناول الدكتور احميدة النيفر بالتحليل المشاغل الرئيسية التي كانت وراء صدور كتاب "قضية الحقيقة"، ملاحظا بالخصوص أنّ محمّد الطالبي سعى إلى التأصيل المنهجي لقضية الحقيقة التي يعتبرها ذهبت -تونسيا وعربيا- بقادة الرأي والفكر وصنّاع القرار مذاهب شتّى مُورثة إيّاهم الحيرة والشكّ المؤيديين في أسوإ الحالات إلى نفي الخالق والمعنى والغاية.
أمّا الأستاذ توفيق بن عامر الذي عرف من قرب الراحل، فقد حاول أن يختزل مسيرته الطافحة بالعطاء وأن يستكنه ما في شخصيته من أبعاد عميقة. فكان الحديث عن محمّد الطالبي الأستاذ والعميد بكليّة الآداب والعلوم الإنسانية في تونس ثمّ عن عالم التاريخ الكبير الذي اختصّ فيه بأطروحته الرائدة في بابها وزمانها حول "الإمارة الأغلبيّة"وبدرساته وبحوثه عن ابن خلدون التي شكّلت مدخلا إلى حقل آخر من حقول التاريخ وهو حقل تاريخ الأفكار، فانتقل الطالبي المؤرّخ إلى الطالبي المفكّر.
وأبرز الأستاذ توفيق بن عامر دور محمّد الطالبي رائدا من روّاد الحوار الإسلامي المسيحي الذي أرسى أسسه وسوّى مناهجه وضرب فيه بسهم نافذ ودوره مصحّحا لما اعتبره تستّرا وراء الانتماء الثقافي للإسلام "لدكّ أركانه واجتثاث أصوله والطعن والتشكيك في المصدر الإلهي للقرآن باسم المنهج النقدي للفكر الديني وبعنوان تجديد الفكر الإسلامي".

وأوضح كاتب المقال أسس تجديد الفكر الإسلامي من وجهة نظر محمّد الطالبي، إذ يعتقد الراحل أنّ التجديد في ذلك الفكر لا يكون إسلاميا بحقّ إلّا إذا كان نابعا من صلب الإسلام  ذاته ومن داخله بتحيين القراءة لنصوصه التأسيسية وبالتخلّي عن قراءة الأموات وابتكار قراءة للأحياء قادرة على معالجة قضايا العصر ومواكبة مسار الزمن المتغيّر.

وتعرّض الأستاذ توفيق بن عامر في الباب الأخير من مقاله إلى النضال السياسي لمحمّد الطالبي طوال العقدين الأخيرين من عمره وإلى معارضته لنظام الاستبداد من خلال المواقف التي جاهر بها في هذا الخصوص وتأليفه لكتاب "أسلاك وديمقراطية".
ونشرت ليدرز العربية شهادة عن محمّد الطالبي خصّها بها الدكتور عبد المجيد الشرفي رئيس المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون،"بيت الحكمة" الذي اعتبر أنّ محمّد الطالبي وكأيّ بشر "كانت له هفوات وحواجز نفسيّة  تمنع من الذهاب إلى أقصى ما يقتضيه البحث، ولكن مزيّته الكبرى ستبقى جرأته على إعادة النظر في ما يُعتبر عادة "معلوما من الدين بالضرورة" مثل الصبغة البشرية البحتة للشريعة، بالإضافة إلى معاداته للإسلام السياسي ولكلّ أشكال التعصّب والمسّ من حريّة الإنسان".

ومن ناحية أخرى تضمّن العدد السابع عشر لليدرز العربية تحية إلى روح علم آخر من أعلام الأدب والفكر في تونس الأستاذ الكبير توفيق بكّار، أحد أعمدة الجامعة التونسية، وذلك من خلال مقال لعامر بوعزّة الذي تحدّث فيه عن الفقيد المثقّف اليساري "الهادئ الرصين، الغامض أحيانا، غربال عيون المعاصرة، المتحمّس في دروسه للأدب التونسي المعاصر" و"المغامر الجريء في المناهج النقدية التي تشبّع بها من الغرب على أمّهات النصوص القديمة"..

وتركّز مقال عامر بوعزّة بالخصوص على إسهامات توفيق بكّار، عضوا في هيئة تحرير مجلّة "التجديد" في مطلع الستينات من القرن الماضي والتي شكّلت بذرة مشروع ثقافي كامل.

ومواصلة لانفتاحها على الجهات وحرصا منها على استجلاء مشاغل أهاليها، نشرت ليدرز العربية تحقيقا مدعوما بالصور عن جهة قفصة تناول تاريخها التليد ومعالمها الأثرية ومواردها الطبيعية وخصائصها الحضارية والاقتصادية والاجتماعية،  علاوة على كشف مفصّل عن معطياتها التنموية وتحليل لمعوّقات التنمية فيها وتطلّعات سكانها في مختلف المجالات.

كما تضمّن التحقيق  تعريفا بعدد من وجوه ولاية قفصة البارزين ممّن قدّموا إضافات قيّمة للجهة وجلبوا لهم الانتباه سواء بتألّقهم في مجال اختصاصهم أو بتحلّيهم بروح المبادرة والابتكار بما قاموا به من آعمال وأنجزوه من مشاريع.