محمد ابراهيم الحصايري: دعوة إلى إنشاء "مجلس تونسي للشؤون الخارجية"
بمناسبة الاحتفال، اليوم الأربعاء 03 ماي 2017، بذكرى إحداث وزارة الشؤون الخارجية الحادية والستين، أريد، في هذا المقال، أن أوجه إلى كافة الجهات المعنية بسياسة تونس الخارجية دعوة إلى المشاركة، بالتفكير والعمل، في إنشاء ما يمكن أن نسميه بـ"المجلس التونسي للشؤون الخارجية" كهيكل جديد مكمّل لوزارة الشؤون الخارجية لكنه مستقل عنها، على أن يضم بالأساس قدامى الدبلوماسيين التونسيين ولا سيما رؤساء البعثات الدبلوماسية والقنصلية السابقين، وذلك بهدف الاستفادة من خبراتهم ومن العلاقات والصداقات التي تربطهم بمختلف بلدان العالم وتوظيفها في خدمة مصالح تونس، وفي مقاربة القضايا الاقليمية والدولية ذات العلاقة بهذه المصالح مقاربة مجدية ونافعة.
وفي رأيي، فإن تونس، بعد سنوات "التيه" التي مرت بها دبلوماسيتها منذ 14 جانفي 2011، باتت بحاجة إلى مثل هذا المجلس الذي يمكن أن يرفد جهود وزارة الشؤون الخارجية الرامية إلى تجاوز مرحلة التخبط والارتجال واختلاط المفاهيم وتداخل الخيارات، والعمل على إعادة إرساء سياسة البلاد الخارجية على قاعدة من الثوابت الراسخة التي لا تتبدل بتبدّل الأشخاص أو الأحزاب أو الاطراف الممسكة اليوم أو التي يمكن أن تمسك غدا بزمام العمل الدبلوماسي التونسي.
كما إن المجلس يمكن أن ينخرط في الجهود الرامية إلى معالجة الأخطاء المرتكبة وإلى تلافي ارتكاب المزيد منها لا سيما في ظل تعدّد "الدبلوماسيات الموازية" للدبلوماسية الرسمية وتضارب آراء ورؤى الفاعلين على الساحة السياسية التي ما تزال تعاني من الاضطراب.
وحتى يحقق المجلس المقترح انشاؤه أهدافه، فإنه يستطيع، في رأيي، أن يضطلع بجملة من الوظائف المتنوعة التي يمكن أن أعدّد منها التالية:
- توفير منبر حر ومحايد تستطيع مختلف الأطراف السياسية والفكرية أن تبحث في كَنَفِهِ أمّهات القضايا الخارجية التي تهم تونس وأن تناقشها من أجل الإسهام في فهمها فهما عميقا وموضوعيا يمكن أن يلقي عليها أضواء إضافية تساعد على إنارة الطريق للتعاطي معها التعاطي المجدي المطلوب.
- التعاون مع الجمعيات العديدة التي تنشط في حقل الشؤون الخارجية والعلاقات الدولية والعمل على إحكام التنسيق معها وفيما بينها قصد تجنب التشتت في أعمالها وتلافي التضارب بين أنشطتها...
- الإسهام في أنشطة الأكاديمية الدبلوماسية التي ينتظر أن تحل خلال سنة 2020 محل المعهد الدبلوماسي للتكوين والدراسات سواء فيما يتعلق بتحديد برامج ومناهج عملها، أو فيما يتعلق بتدريس وتأطير دفعات المنتدبين الجدد للعمل في وزارة الشؤون الخارجية، أو فيما يتعلق بإعداد الدراسات والمحاضرة والمساهمة في الملتقيات والندوات التي تنظمها.
والى جانب ذلك يمكن لأعضاء المجلس أن يشاركوا في الدورات التكوينية التي تنظمها الأكاديمية لفائدة الطلبة القادمين إليها من الخارج، أو في الدورات التكوينية التي تنظمها لهم في بلدانهم.
- المساهمة، عند الاقتضاء، في معالجة بعض المسائل التي تشغل تونس من خلال القيام بمهمات غير رسمية إما بمبادرة من المجلس أو بإيعاز من الوزارة لكن دوما بالتنسيق معها.
أما عن الوسائل التي يمكن للمجلس تسخيرها لتحقيق أهدافه فيمكن أن نذكر منها التالية:
- العمل إما بصفة منفردة أو بالتعاون مع الجامعات ومراكز البحوث والجمعيات التونسية المختصة على عقد سلسلة من الندوات وحلقات النقاش والورشات حول القضايا والمسائل التي تتطابق مع أولويات تونس على الأصعدة السياسية والأمنية والاقتصادية وغيرها...
وسيكون من المحبّذ ألا تقتصر هذه الأنشطة على العاصمة وأن تمتدّ إلى مختلف أنحاء البلاد.
- عقد لقاءات مع أعضاء الحكومة والقيادات الحزبية وكبار المسؤولين في مختلف المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية بهدف محاورتهم حول أوضاع البلاد ومتطلبات التحرك الناجع في اتجاه الخارج.
- توثيق الصلات مع السلك الدبلوماسي المعتمد في تونس والتحرّك في اتجاهه كلما دعت الحاجة الى ذلك لكن بصورة ودية وغير رسمية بما يوسع من هامش التعبير عن المواقف والرسائل التي يراد إبلاغها.
- السعي إلى التواصل ومد جسور التعاون مع الهياكل المماثلة في المنطقة والعالم بهدف التحاور معها حول القضايا ذات الاهتمام المشترك، والسبل الكفيلة بتعزيز العلاقات بين بلدانها وبين تونس.
وسيكون من المفيد أن ينظّم المجلس مع المجالس المماثلة بعض الفعاليات المشتركة وأن يتبادل معها المشاركات في أنشطته وأنشطتها...
- بالتنسيق مع الوزارات أو الجهات المعنية، استضافة ومحاورة بعض الشخصيات البارزة التي تزور تونس حول العلاقات بين بلدانها وبين تونس وحول أهم القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.
- العمل على إصدار نشريات أو كراسات عن أهم قضايا الساعة للتعريف بمواقف تونس منها، أو شرحها.
ومن المهم أن يصدر المجلس آخر كل سنة تقريرا يستعرض فيه أهم منجزات الدبلوماسية التونسية خلالها سواء على صعيد التعاون مع مختلف بلدان العالم أو على صعيد المساهمة في معالجة أهم القضايا التي شغلتها وشغلت الساحتين الإقليمية والدولية.
وبعد،
فإن ما تقدم ليس سوى جملة من التصورات المبدئية التي يمكن إثراؤها وتجويدها إن حظيت فكرة احداث "المجلس التونسي للشؤون الخارجية" بالتبني، وأنا أرى أنها جديرة بذلك لان هذا المجلس يمكن أن يقدم لسياسة تونس الخارجية وللدبلوماسية التونسية خدمات جُلَّى حاضرا ومستقبلا بفضل هامش الحرية والموضوعية الذي سيميز عمله وهو ما سيجعله، دون شك، قادرا على الدفع نحو التعديل والترشيد والإصلاح./..
بقلم السفير السابق محمد ابراهيم الحصايري
- اكتب تعليق
- تعليق