أخبار - 2017.04.19

سليـم‭ ‬خلــبـوس: ما ننوي تغييره في منظومة التعليم العالي (فيديو)

سليـم‭ ‬خلــبـوس: هكذا‭ ‬سنغـيـّـر‭ ‬التعليم‭ ‬العالي والبحث‭ ‬العلمي

من الملفّات الحارقة التي تشغل بال الرأي العام الوطني إصلاح التعليم العالي الذي بات في مقدّمة الأولويات الوطنيّة. فرضت هذا الإصلاح عوامل عدّة منها تدنّي جودة التعليم العام العمومي الذي تعطّل دوره مصعدا اجتماعيا وانحدار قيمة الشهادات العليا في العديد من الاختصاصات واختلال الخارطة الجامعية وغياب التلاؤم بين مناهج التكوين ومتطلّبات سوق الشغل، ممّا ساهم في تعميق معضلة البطالة في صفوف المتخرّجين من التعليم العالي، فضلا عن القطيعة بين الجامعة ومحيطها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. مخرجات الإصلاح الجامعي التي نظرت فيها لجان وطنية ستكون محلّ درس وتمحيص  خلال المؤتمر الوطني حول «تفعيل إصلاح التعليم العالي» المزمع عقده يومي 30 جوان وغرّة جويلية 2017 والذي سيشرع إثره في تنفيذ خطط تندرج في إطار تصوّرات جديدة لمنظومة التعليم العالي. ما الذي سيتغيّر في هذا القطاع؟ سؤال محوري حملناه إلى السيّد سليم خلبوس، وزير التعليم العالي والبحث العالمي منذ أوت 2016.

يقول الــوزير إنّ اللجنــة الوطنية للإصلاح الجامعي قامت خلال الفترة الممتدّة من سنة 2012 إلى سنة 2015 بعملية تشخيص شامل للقطاع تناول 344 محورا أغلبها يمثّل إشكالات في خمسة محاور كبرى تمّ الانطلاق منها في عمليّة الإصلاح وهي:

  • الانفتاح على المحيط والتشغيلية، اعتبارا إلى أنّ واحدا على ثلاثة من العاطلين عن العمل حامل لشهادة جامعية، وهذا رقم غير مقبول في بلد راهن على العلم والمعرفة.
  • طرق تكوين الأساتذة الجامعيين وتقييمهم والقانون الأساسي الخاصّ بهم، إذ أنّ العديد من المسائل مرتبطة بالأستاذ وبالتجديد البيداغوجي.
  • الحوكمة في مجال التعليم العالي، علما وأنّ استقلالية الجامعات هدف لم يتسنّ بلوغه إلى حدّ الآن، نظرا إلى ما تثيره طريقة تحقيق هذه الاستقلالية من جدل كبير..
  • الخارطة الجامعية، إذ تمّ في الماضي إحداث العديد من المؤسّسات الجامعية دون القيام بدراسات علميّة، وقد توخّى النظام السابق في ذلك أحيانا أسلوب الترضيات، ممّا أفضى إلى خارطة مختلّة، من سماتها انعدام اندماج الجامعة في محيطها والقطيعة بينها وبين الخصائص الاقتصادية والاجتماعية للجهة التي توجد فيها.
  • البحث العلمي والتّجديد وطرق تثمينهما وتقريبهما من العالم الاقتصادي تحقيقا لنجاعة أكبر.

ما الذي سيتغـيّر في منظـومة التعليـم العــالي؟

أشياء عديدة ستتغيّر في هذه المنظومة التي تواجه انتقادات كبيرة تطال مجالات عدّة كطرق التدريس ونظام «إمد» (إجازة، ماجستير، دكتوراه) وتحسين نظام الهندسة والعلاقة بين القطاع الخاصّ والقطاع العام والحوكمة وأهمية البحث العلمي في تنمية البلاد، وهي مسائل خطيرة لا يمكن أن نتّخذ فيها قرارات متسرّعة، لذلك غيّرنا منهجيّة العمل فدعونا مختلف الفاعلين إلى الجلوس إلى نفس المائدة للتفكير في الإصلاح، لأنّ من شروط نجاح المنظومة انفتاحها على المحيط. فكيف لنا أن نشغّل حاملي الشهائد العليا إذا لم نتحاور مع المشغّلين وكيف لنا أن نغيّر العلاقة مع الطالب في غياب الحوار مع المنظمات الطلّابية؟ ولمّا كنّا نعتزم إعادة النظر في الخارطة الجامعية دعونا نوّاب الشعب إلى الحوار في هذا الشأن، إذ يعتبرون أنفسهم الأقدر على الإلمام بواقع جهاتهم. ونظرا لما لبعض المهن من خصائص وقواعد مقنّنة دعونا إلى الحوار ممثلين عن  الأطباء والخبراء المحاسبين والمحامين، كما وجّهنا الدعوة إلى عدد من مكوّنات المجتمع المدني من بين جمعيات علميّة لتبدي رأيها في الإصلاح، إلى جانب كلّ النقابات الأساسية الممثّلة  للأساتذة والإداريين والعملة.

ومن جهة أخرى، شرّكنا في الحوار في صلب كلّ لجنة من اللجان المحورية العشر مستشارين في القانون ليبيّنوا التداعيات القانونية لاقترحات الإصلاح والإجراءات التي يتعيّن اتّخاذها في كلّ حالة لوضع هذه المقترحات موضع التنفيذ.

ولسائل أن يسأل لماذا اخترنا موفّى جوان موعدا لبداية تفعيل الإصلاح؟ اخترنا هذا الموعد لأنّه يتزامن مع الانتخابات الجامعية. جرت انتخابات موسّعة سنة 2011 وتجدّدت سنة 2014 وسيحين موعدها في جوان القادم .وستشهد هذه السنة تغيير أغلب رؤساء المؤسّسات الجامعية. وقد أردنا أن يكون المؤتمر فرصة للتّواصل بين المسؤولين المغادرين الذين ساهموا في بلورة المقترحات والتصوّرات والمسؤولين الجدد الذين سيوكل لهم تجسيمها على أرض الواقع. كما سننظّم خلال شهر جويلية - وسيتمّ هذا لأوّل مرّة- تكوينا سريعا للعمداء والمديرين الجدد، إذ غالبا ما يفتقر هؤلاء، على أهميّة مكانتهم الأكاديمية، إلى تجربة إدارية تمكّنهم من التصرّف على الوجه الأكمل في المؤسسة التي يشرفون عليها. وسيتولّى خبراء من جامعات أجنبية كبرى مساعدتهم على حذق فنّ القيادة بما يساهم في تطوير حوكمة المؤسسات الجامعية.

توطيد الدّيمقراطية في الجامعة

هل هناك آليات جديدة لانتخاب العمداء ورؤساء المؤسسات الجامعية؟

نحن بصدد مناقشة هذا الموضوع لأنّنا نحرص على توطيد الديمقراطية في الجامعة. في سنة 2011 تقرّر تعميم انتخاب المسؤولين الأول في المؤسسات الجامعية، وهذا مكسب كبير. وقد اتّخذ هذا القرار في سياق ثوري ولم يتم التفكير فيه بتروّ. قبل الثورة، كان الانتخاب يخصّ ثماني مؤسسات فقط من بين مائتي مؤسسة، وبعد الثورة عُمّم الانتخاب على كلّ المؤسسات بدون استثناء. وفي ضوء تجربتي 2011 و2014 تبيّن أنّ النظام الانتخابي له إيجابيات كما أنّ له نقائص فطرحنا هذه المسألة على بساط النقاش الذي كان جيّدا جدّا وساهمت فيه كلّ الأطراف المعنية بغية مزيد دمقرط الجامعة. ومن بين الأفكار المطروحة أن يكون الانتخاب على البرامج وليس على الأشخاص وأن تكون الجلسة العامة الانتخابية فرصة للحوار حول البرامج بين المترشّحين والناخبين الذين هم الأساتذة الجامعيون القارّون، فضلا عن توسيع قاعدة الانتخاب بما يجعل تمثيلية المترشّحين أقوى من خلال مشاركة كلّ الأساتذة في عملية الاقتراع. كما طُرحت فكرة سحب الثقة تحقيقــا لتــوازن السلطات داخـل المــؤسسات الجـامعية بين المسؤول الأوّل والمجلس العلمي. لم نشأ اتخاذ قرار فوقيّ في ما يخصّ انتخاب العمداء ورؤساء المؤسسات الجامعية، بل تقـــدّمنا بمقترحات بعد تقييم التجربتين السابقتين.

وطلبنا عن طريق مجلس الجامعات من المجالس العلمية لكلّ المؤسسات الجامعية النظر في هذه المقترحات وإبداء الرأي فيها سواء بتزكيتها أو بالتقدّم ببدائل عنها، ونحن منفتحون على كلّ مقترح جديد، وتلك هي الديمقراطية التي نأمل أن تعطي الجامعة أحسن مثال في تكريسها.

هل سيعرض هذا الأمر على المؤتمر حول «تفعيل الإصلاح الجامعي»؟

هناك مرحلتان في مقاربة هذا الموضوع. نعتقد أنّه بالإمكان في مرحلة أولى القيام بتحسينات آنية بجعل انتخابات 2017 أكثر شفافية ووضوحا، لكن لن تكون تغييرات جذرية كتلك التي ستعرض على لجان الإصلاح. تفكّر هذه اللجان في تغييرعميق للحوكمة كإلغاء تصنيف الأساتذة الجامعيين (صنف أ وصنف ب) - وهو بدعة تونسية اقتضتها ظروف معيّنة- بيد أنّ الواقع تغيّر اليوم، بتحسّن التأطير في الجامعة بصورة ملحوظة. ومن بين الإصلاحات الهيكلية المزمع إنجازها ما له علاقة بالمجالس العلمية في المؤسّسات الجامعيـــة. في الحقيقة المجلـس العلمي يهتمّ الآن بالغيابات وبشؤون العملة وبالامتحانات وأحيانا بمسائل لوجستيكية، هذه أمور هامّة لا محالة ولكن ليست بعلميــة في شيء، لذلك رأينا ضرورة إحداث مجلسين على غرار ما هو موجود في جامعات كبرى: مجلس علمي بحت مشكّل من الأساتذة فقط ومتفرّغ للمسائل العلمية والبيداغوجية ومجلس مؤسسة يمثَّل فيه العملة إلى جانب الطلبة ويكون بمثابة مجلس إدارة يضمّ جميع الأطراف، علاوة على المشغّلين والمجتمـع الــمدني. مثل هذه الإصلاحات الهيكلية ستعرض على المؤتمر وسيشرع في تنفيذها بعد المصادقة عليها، خلال السنوات الثلاث المقبلة.

تغيير على المدى الطويل

ما هي الأسس التي ستُعتمد في إعادة النظر في الخارطة الجامعية؟

ستستند هذه العمليّة إلى عدّة أسس وستكون مرتبطة أوّلا بالمستوى العلمي الموجود حاليا في المؤسسات الجامعية، وثانيا بعدد الطلبة الذي ما فتئ يتناقص، على سبيل المثال بين سنة 2016 و2017 قُدّر انخفاض عددهم بـ 28 ألف طالب. وسيستمرّ هذا الانخفاض مدّة خمس سنوات على الأقلّ لسبب يعود إلى تغيّر الهرم العمري في البلاد. وستساعدنا عمليّة إعادة النّظر في الخارطة الجامعية على التركيز على جودة التعليم. فالارتفاع المهول لعدد الطلبة في الماضي حمل الدولة على إحداث جامعات في ظروف غير عادية وفي غياب التأطير الكافي ونقص الإمكانيات البشرية والمادية، ممّا أدّى إلى تدنّي الجودة. اليوم وقد بدأ عدد الطلبة يتناقص وتطوّر التأطير وتوفّرت بنية جامعية، يجدر بنا تحسينها، بإمكاننا الاشتغال خلال السنوات القادمة على الجودة.

لكن لمّا نتطرّق إلى إعادة النظر في الخارطة الجامعية لا بدّ أن يعلم الجميع أنّنا نتحدّث عن المدى الطويل، أي أنّ التّغيير لن يتمّ في سنة أو في سنوات قليلة وإنّما سيمتدّ على 10 أو 15 سنة. لا بدّ من حجج قويّة ليقبل الناس في مدينة ما غلق مؤسّسة أو مؤسّسات جامعية. كما أنّ دمج مؤسّســات يستوجب إعداد الطلبة والأساتذة والمجتمع المدني وكلّ الأطراف.

لن تكون إعادة النظر في الخارطة الجامعية بقرار فوقي، بل ستكون نتيجة حوار مكثّف، ونأمل أن يشارك فيه نواب الشعب.ومن المعايير الأخرى التي ستعتمد في هذا الشأن وجود الخدمات الجامعية بالجودة المطلوبة من إقامة ومأكل ونقل، إلى جانب توفّر الأنشطة الرياضية والثقافية وقرب هذه المرافق والمؤسّسات الجامعية من بعضها البعض في نطاق مركّب مندمج (campus intégré). كما سيؤخذ في الاعتبار معيار التخصّص، فلنا اليوم عديد المؤسسات التي لها نفس التخصّص وهذا لا يسـاعد الجـامعات الــداخليّة. فهنـاك من الطلبة مــن لا يـــرغـــب في الالتحاق بهـــذه الجامعــات، نظرا إلى أنّ الاختصاص نفسه موجود في العاصمة أو في مدن ساحلية... ولمّا تتخصّص مؤسسات جامعية في منـــاطق سياحيّة في الفندقة والخدمات السيــاحية مثـــلا، فإنّ ذلك لن يزيد إلّا في جاذبيتها وييسّر قيـــام الطالب بتربّص في إحدى المنشـــآت ذات الصلة بتخصّصه... وعندما تتخصّص تطاوين مثـــلا في التكوين في مجـال الطاقة ومنـها الطاقة الشمسية، علما وأنّ  قرابة 50 بالمائة من مواردنا الطاقية مصــدرها هــذه الجـهــة، فإنّها ستصبح حتما قبلة الرّاغبين في تلقّي هذا التكوين. وضمانا لانخراط الجميع في عملية الإصلاح وسّعنا قاعدة التشاور والحوار، لأنّ قضية الجامعة هي قضيّة المجتمع بأسره.

حاوره عبد الحفيظ الهرقام

قراءة المزيد

سليم خلبوس: الجامعة كما نراها،،، البحث العلمي في خدمة التنمية (فيديو)

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.