مشاهدات إيطالية: نحن والهجرة الآسيوية إلى أوروبا (3/3)...
خَرَجْتُ من زيارتي، مؤخرا، إلى إيطاليا بانطباع يبدو لي من خلاله أن هذا البلد بالذات والبلدان الأوروبية عامة بصدد النزوع إلى تعويض الهجرة التقليدية إليها بهجرة بديلة من البلدان الآسيوية، فلقد لاحظت أن العمالة الآسيوية اكتسحت بعض مرافق سوق العمل الأوروبية وخاصة منها المرفق السياحي حيث يمكنك أن تلاحظ، بكل يسر، كثرة أعداد العاملات والعاملين الآسيويين في الفنادق والمطاعم والمقاهي...
وفي رأيي فإنه من المهم أن نولي هذه النزعة الأوروبية المستجدّة، ما ينبغي من العناية... لأن توجّه أوروبا التي تؤكد الدراسات الاستشرافية أنها تسير بخطى سريعة نحو التهرّم وأنها ستكون بحاجة متزايدة إلى المهاجرين، إلى تلبية احتياجاتها ولو جزئيا في المرحلة الراهنة، وربما بصورة متنامية مستقبلا، من مصادر هجرة أخرى غير المنطقة المتوسطية المجاورة وغير القارة الافريقية القريبة منها جغرافيا وتاريخيا، أمر يهمنا من قريب وستكون له آثاره المؤكدة على مستقبل علاقاتنا بشريكنا الأوروبي الذي هو الآن وسيظل إلى أمد بعيد شريكنا الأول.
ودون الدخول في مناقشة الأسباب والدوافع التي قد تكون كامنة وراء هذه النزعة الأوروبية، فإنه مما لا شك فيه أنها ستضر بمصالحنا وبمصالح البلدان الشبيهة ببلادنا، وربما ستزيد من عمق الهوة التي ما فتئت تتسع بيننا وبين الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط....
ولا جدل في أنه من حق أوروبا أن تشعر بالخوف من مخاطر تدفّق مهاجري البلدان المتوسطية والإفريقية عليها بسبب استمرار اضطراب الأوضاع الأمنية وتدهور الأحوال الاقتصادية والاجتماعية في العديد من هذه البلدان، خاصة وأن جزءا من هؤلاء المهاجرين يأتون إليها بطريقة غير شرعية وكثيرا ما يتسببون في خلق مشاكل للبلدان التي تضطرّ لاستقبالهم، غير أن هذا لا يعني ولا يجب أن يعني أن تتّجه أوروبا نحو آسيا لتلبية احتياجاتها من المهاجرين، وأن تدير ظهرها للبلدان المجاورة والقريبة التي تجمعها بها روابط وثيقة ومصالح متبادلة منذ زمن طويل...
لكل ذلك، وفي الوقت الذي تنهال فيه الضغوط على بلادنا في ملف الهجرة، أريد أن أؤكد أننا ينبغي أن ننتبه إلى هذه النزعة الأوروبية وأن نتابعها عن كثب وان ندرجها في خططنا التفاوضية مع الجانب الأوروبي ثنائيا وجماعيا حتى لا يحتكر الأوروبيون إدارة هذا الملف المعقّد وحتى لا يعالجوه، كالعادة، بطريقة آحادية لا ترعى لنا مصلحة ولا تضمن لنا منفعة...
ومعنى ذلك أننا مطالبون بأن نعمل على توظيف حقيقة أن أوروبا ستكون بحاجة متزايدة إلى المهاجرين مستقبلا، وحقيقة أن الروابط التاريخية والجغرافية والاقتصادية والثقافية التي تربطنا بها قديمة ووثيقة، ولا يمكن تجاهلها لكي نعالج هذا الملف ومتعلّقاته بصورة مشتركة ومتوازنة تراعي مصالح الجانبين... وإلا فان هذه الملفّ لن يزداد إلا تعقيدا...
وغني عن القول إن للدبلوماسية التونسية دورا محوريا عليها أن تضطلع به في متابعة مستجدّات هذا الملفّ وفي رسم معالم الطريق إلى مقاربته بطريقة محيَّنَة تضع في حسابها متغيرات المرحلتين الراهنة والقادمة./..
محمد ابراهيم الحصايري
- اكتب تعليق
- تعليق