أخبار - 2017.02.25

رشيد خشانة: يحتطبون من الاعتصامات الـوحشية لإشعــال نار الفتنة

يحتطبون من الاعتصامات الـوحشية لإشعــال نـار الفتنة

مع بداية ظهور خيوط الأمل في عودة الاستثمار وتحقيق نسبة نمو إيجابية، تبدو تنقية المناخ السياسي وتحسين الأوضاع الأمنية شرطين لابد منهما لتعزيز تلك الانتعاشة ووضع البلاد على سكة النهوض. وإذا كانت المؤشرات الإيجابية واضحة على صعيد مكافحة الإرهاب، وما أفرزته من طمأنة للمستثمرين، فإن المعارك الدونكيشوتية داخل الأحزاب وفي ما بينها، وكذلك موجة الاعتصامات «الوحشية»، مازالت تُلقي ظلالا كثيفة على المشهد السياسي وتُثير التهيُّب لدى من يُراهن على التوجه إلى بلادنا.

ولو وضعنا أبرز المؤشرات الإيجـــابية في جدول ووضعنا إلى جانبها المـؤشرات السلبية، لأدركنا أن العنصر السياسي هــو المحــدّد فيها، فهـــو القــــادر على ترجيح الكفّة نحو  مسار الصعـــود أو النزول.

ما من شك في أن الحكومة هي التي تُمسك بالمفتاح، لكن تُمسك به معها أيضا الأحزاب والأطراف الاجتماعية، القادرة إما على الدفع بالمسار إلى الأمام أو تعطيله وإرباكه. لنبدأ أوّلا بقراءة بعض المؤشرات الإيجابية، فقد أظهرت دراسة ألمانية أن أمام تونس فرصة مهمّة لتحسين قدرتها التنافسية والتحوُّل إلى وجهة جاذبة لقطاع صناعة مُكوّنات السيارات. وهذا يقتضي من الحكومة وضع خطة عمل وإجراء الاتصالات اللازمة مع كبريات الشركات العالمية في هذا القطاع. كما أبدت شركــات تصنيـــع سيـــارات آسيـــوية رغبتهـــا في الاستثمــار في هذا القطاع بتونس.

لكن هذا لا يكفي، فمن الضروري بحسب الدراسة الألمانية، إنشاء ميناء مياه عميقة ومنطقة صناعية وتخزينية ملائمة. ويُحيلنا هذا الشرط على مشروع ميناء المياه العميقة بالنفيضة، الذي ينام في الأدراج منذ عهد بن علي، والذي آن الأوان لنفض الغبار عنه، خاصة أن قسما كبيرا من الدراسات جاهزٌ.

ويُرسل قطاع الفسفاط أيضا مؤشرات إيجابية مبنية على قرب انطلاق الوحدة الصناعية الثانية بالمظيلة، التي يُتوقع أن تُؤمّن 600 موطن عمل وأن تنتج، مع الوحدة الأولى، مليوني طن من الفسفاط في السنة المقبلة. ويمكن أن نسرد مزيدا من المشاريع الأقل أهمية والمبرمجة للسنة الجارية أو المقبلة. غير أننا نلاحظ على الجانب الثاني من المشهد خطوطا رمادية لا تسمح للنمو بالانطلاق من عقاله ولا تبعث بذبذبات إيجابية إلى المستثمرين في الداخل والخارج على السواء. فزيادة على استشراء الفساد وتلوّث المناخات الحزبية تُثابر بعض الأطراف على الدعوة للعصيان وزرع الفوضى باسم المعارضة. كما تتواصل سلسلة الاعتصامات في منطقة الحوض المنجمي مُعطلة الإنتاج ومُكبدة شركة فسفاط قفصة، أحد أعمدة الاقتصاد الوطني، مزيدا من الخسائر بعدما تراجع الإنتاج خلال السنة الماضية إلى 3.2 مليون طن فقط بعدما كان يعادل 8 ملايين طن في 2010.

والغـــريب أن مـــن أوقف العمـــل في مـــواقع استخـــراج الفسفــاط في كاف الشفاير وكاف الدور وأم العرايس والمظيلة والرديف ليسوا عمال المناجم، وإنما هم من يُطلقون على أنفسهم «المُعطلون عن العمل». هؤلاء نصبوا الخيام وشلّوا المنشآت الحيوية لشركة الفسفاط، إلى جانب حجزهم قاطرة تابعة للشركة الوطنية للسكك الحديدية، في إطار موجة اعتصامات اجتاحت المعتمديات ومقر ولاية قفصة. ماذا يغنم هؤلاء عندما يشلّون مؤسسة تشغل 7500 عامل وتقني؟

غير بعيد عن قفصة أعلنت مؤخرا شركة «ويستار» النفطية الكندية أنها أوقفت الإنتاج في حقلها بصحراء تطاوين، وبالرغم من التوصل إلى اتفاق هش مع النقابة لتفادي طرد عشرين عاملا، فإن الوضع لا يُبشّر بخير.

وأيا كانت المبرّرات فنحن اليوم في وضع لا يتحمّل أن تُغادر البلاد أية مجموعة استثمارية ولا أن يُقفل أي مصنع أو شركة أبوابها مهما بلغ حجمها. فبالإضافة إلى الانعكاسات السياسية والرمزية لمثل تلك القرارات، ستكون مداخيلنا غير كافية لمواجهة تضاعف كتلة الأجور (في القطاع العام وحده) التي ستبلغ 13.7 مليار دينار أي ما يُعادل 45 في المائة من موازنة الدولة و14 في المائة من الناتج الداخلي الخام.

كما أننا سنكون غير قادرين أيضا على تعبئة موارد مالية بقيمة مليار يورو من أوروبا ستُخصّص لدعم موازنة 2017. وحتى إذا ما استطعنا تعبئتها سنُواجه صعوبة كبيرة في تسديدها بسبب المناخ الاجتماعي غير المستقر. من هنا تأتي خطورة التداعيات السلبية لتوتير المناخ الاجتماعي في ظل استمرار الدعوات التحريضية على تعكير الأمن وإرباك الحكومة بدافع اللهفة على اقتناص الفريسة إذا ما وقعت.

لو ألقينـــا نظرة ثانية على قائمـــة المــــؤشرات الإيجـــابية في الوضـــع الراهـــن وعلى جـــدول المؤشرات السلبية، لوجـــــدنا أن الفاعلين السياسيين والاجتماعيين يلعبون دورا حاسما في مفترق الطرق الذي نقف عنده، فإدراك الأحزاب لمسؤوليتها الوطنية وكذلك النقــابات ومنظمات المجتمع المــدني، يجعلهـــا تُرجّـــح كفة البنـــاء والإصلاح على زرع الهشيم والسعي لتقويض أركان مجتمعنا الوسطي.

ولنضرب مثلا بسيطا على الروح التي لا ينبغي أن ننساق وراءها في التعاطي مع المعضلات الاجتماعية والسياسية، فهذا خبرٌ صغير مفاده أن أعوان شركة البيئة والغراسة بالرديف أغلقوا مُجمع شركة فسفاط قفصة بالمدينة، بسبب عدم حصولهم على منحة زي الشغل، مع الإصرار على تسلّم المنحة نقدا.

صحيح أن مطلبهـــم مشروع لاسيمـــــا أن نظـــراءهم في شـــركــــات البيئــة بڤــــابس وصفـــاقس حصلـــوا على تلك المنحــــة، لكن هـــل يُبرّر ذلك إغـــلاق مجمـــع الشـــركة وتكبيد المجموعة الوطنية خسائر فادحة؟ صحيح أيضا أن الشبان المُعطّلين الذين تظاهروا مؤخرا في معتمديات ولاية سيدي بوزيد يرفعون مطالب مشروعة تماما، لكن هل ستُحلّ مشاكلهم بإحداث الفوضى والاعتصام في المقرات الرسمية، فيجدون أنفسهم منساقين نحو أجندات سياسية عدمية وهم غافلون؟ الأمثلة كثيرة على أشكال النضال المبتكرة التي يمكن أن تتخذها الاحتجاجات والحركات الاجتماعية، من دون أن تُسبّب خسائر فادحة للمجموعة الوطنية. غير أن إبرة الميزان لا ينبغي أن تميل نحو الاعتداء على مكاسب المجتمع والإضرار بالاقتصاد الوطني وشلّ المؤسسات العمومية بدعوى الدفاع عن المطالب، مهما بلغت درجة  شرعيتها، فالمستفيدون من هذا المُنزلق هم أولئك الذين يحتطبون من الاحتجاجات الاجتماعية لتأجيج نار الفتنة في البلاد.

رشيد خشانة

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.