أخبار - 2017.02.21

مبادرة نجيب الشابي بحزب جديد الحركة الديمقراطية: ما الذي يقلق حركة النهضة؟

نجيب الشابي

أيام كنت طالب دكتورا في أوروبا في أواخر الثمانينات وأول التسعينات من القرن الماضي، تعرفت على كثير من الطلبة الأوروبيين وكذلك من عدة دول أخرى من العالم. وعندما كنا نخوض أحيانا في نقاشات سياسية مع الطلبة القادمين من دول أنظمتها ديمقراطية، كنت ألاحظ باستغراب شديد عدم مبالات أغلب هؤلاء الطلبة بحرية التعبير والإعلام وبالديمقراطية في بلدانهم وكنت أقول لهم بأن تلك الحرية والديمقراطية هي حلم من أحلام نخبتنا وشعبنا في تونس وبأنهم لا يقدّرون النعيم الذي يعيشون فيه حق قدره. ولكن الآن، وبعد ست سنوات من الحرية والديمقراطية في بلادنا، أصبحت أتفهم شعور وموقف  زملائي الطلبة القادمين من بلدان ديمقراطية. لقد عاينت بنفسي كيف أن جزءا كبيرا من الطبقة السياسية يستغل هذه الحرية وهذه الديمقراطية لمجرد التموقع في الخارطة السياسية والتقرب من الحكم أو المشاركة فيه، هدفهم في ذلك الحصول على منافع شخصية قبل كل شيء، وبعيدا كل البعد عن المصلحة الوطنية، ولا أظن أنني الوحيد الذي يحس بهذا الإحساس. إن جزءا كبيرا من الطبقة السياسية وصل في ممارسة السياسة إلى حد الابتذال مما أدى إلى فقدان ثقة أغلبية الشعب التونسي في كامل الطبقة السياسية. ولقد أصبح نادرا استساغة مداخلات قلة من السياسيين والإحساس بأنهم صادقين في كلامهم وأفعالهم. وحتى أتجنب الإحراج، لا أريد ذكر أسماء البعض من الساسة الذين أحسهم صادقين، باستثناء الأستاذ نجيب الشابي الذي يتمتع برصيد نضالي ثابت وتجربة ثرية جعلته يجلب احترام أغلبية الشعب التونسي رغم أنه لم ينجح كثيرا في مشواره السياسي ما بعد الثورة، إلا أنه كان دائما واضحا في أفكاره، مقنعا في مداخلاته، ثابتا على مبادئه. ورغم أنه تمت مؤاخذته على عدة مواقف منها انسحاباته سنة 2013 من جبهة إنقاض تونس ثم من الحوار الوطني ثم من الكتلة الديمقراطية بالمجلس الوطني التأسيسي، إلا أن الأيام بينت بأنه لم يكن مخطئا كثيرا. فعندما نرى الوضع الكارثي الذي آل إليه نداء تونس من انقسامات وانشقاقات وصراعات على التموقع السياسي خيبت آمال منتخبيه، لا يجوز اللوم على الأستاذ نجيب الشابي في ابتعاده عن التحالف مع نداء تونس. وهذا الوضع لا يختلف كثيرا عن أغلبية الأحزاب الأخرى التي تشتت أو اندثرت لأسباب غير مقنعة مثل المؤتمر والتكتل والجمهوري وغيرهم، باستثناء حركة النهضة التي بقيت موحدة ومتماسكة واستطاعت أن تحافظ على موقعها المتقدم رغم أن جزءا كبيرا من قواعدها لم يتناغم مع انفتاح الحركة واتجاهها نحو الاختصاص السياسي بقيادة الشيخ راشد الغنوشي الذي يتمتع ببعد نظر وواقعية وفهم جيد لنفسية المواطن التونسي.

إن المواكب للنشاط السياسي في تونس منذ مدة يتبين له أنه بينما ينحدر نداء تونس نحو الأسوإ، تتطور حركة النهضة نحو الأفضل في ما يهم احترام المنافس والمدنية والديمقراطية مما جعلها محل رضا عدة شرائح تونسية حداثية غير منتمية لهذه الحركة. إلا أن إيجابيات حركة النهضة التي أمكن ملاحظتها على مدى السنوات الثلاث الأخيرة، لا يمكن أن تغطي بعض سلبياتها وأهمها التمسك المبالغ فيه بالتوافق. لقد بينت التجربة ما بعد الثورة أن التوافق في نطاق الترويكا ثم التوافق الحالي، أديا بالأحزاب المتحالفة مع حركة النهضة إلى التفكك والانحلال وكانت نتائجه عدم النجاعة في تسيير البلاد وبذلك عدم تحقيق أغلب استحقاقات الثورة الاقتصادية والاجتماعية وبدون أن يتحمل بعد ذلك أي طرف مسؤولية الإخفاق في وضع البلاد على سكة الإقلاع والتطور نحو الأفضل. وهنا تكمن أهمية مبادرة الأستاذ نجيب الشابي الذي يرى أنه يجب التداول على الحكم بين قطب إسلامي ديمقراطي تقوده حركة النهضة وقطب ديمقراطي اجتماعي ليس له حاليا حزب قيادي وهو ما يطمح له الأستاذ نجيب الشابي الذي يود بعث حزب جديد (الحركة الديمقراطية) يوحد التيارات الوسطية والوسطية اليسارية ويقدم مشروعا منافسا لمشروع حركة النهضة وحلفائها ويبقى صندوق الاقتراع الفيصل في اختيار أفضلهما. إلا أنه من الغريب أن حركة النهضة أظهرت قلقا كبيرا إزاء مبادرة الأستاذ نجيب الشابي لا مبرر له، رغم أنه كان من أول المدافعين عن الحركة الإسلامية أيام القمع النوفمبري ثم إنه لم يُعرف عنه أي معاداة لا للدين ولا للإسلاميين الديمقراطيين. إن كل ما يسعى له الأستاذ نجيب الشابي هو منافسة شريفة بين مشروعين سياسيين يختار منهما الشعب التونسي ما يراه أصلح، بعد أن تبين أن التوافق لم ينجح في التقدم بالبلاد ثم لا يتحمل بعد ذلك أي طرف مسؤولية الإخفاق باعتبار غياب معارضة حقيقية للتحالف الحاكم. إن على حركة النهضة عدم معاداة هذه المبادرة الجديدة والتعرض لها حتى لا تعيد خطأها الذي حصل مع نداء تونس حيث شيطنته في البداية ثم تحالفت معه بعد ذلك مما أربك وسبب امتعاض جزء هام من قواعدها. ثم إن وصف الأستاذ نجيب الشابي بالسياسي الفاشل هو وصف مجحف في حقه لأننا لا نستطيع أن نعتبر الترويكا في البداية ثم التحالف الحالي الآن مثالا للنجاح خاصة على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي وبذلك يبقى موضوع الفشل مسألة نسبية. إنه من مصلحة حركة النهضة عدم فرض التوافق على الأحزاب، بل من الأفضل لها أن تجد أمامها حزب أو تحالف حزبي متماسك وقوي، تتنافس معه على الحكم في نطاق نظام مدني ديمقراطي بعيدا كل البعد عن الإقصاء والشيطنة.

د. بوزيد نصراوي

أستاذ جامعي

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.