أخبار - 2017.01.15

نـور الدّيــن الطبّـوبي: نقـابي كلاسيكي بدون لـون سياسي وإيديــولوجي

نـور الدّيــن الطبّـوبي: نقـابي كلاسيكي بدون لـون سياسي وإيديــولوجي

يُعدّ المؤتمر القادم للاتحاد العام التونسي للشغل، الذي تقرّر عقده أيام 22 و23 و24 و25 جانفي 2017، أبرز حدث في مطلع السنة الجديدة 2017، بالنظر إلى الدور الوطني الهامّ والمؤثر للمنظمة الشغيلة، وهو دور تعاظم أكثر خلال مرحلة ما بعد ثورة 14 جانفي 2011هو دور مرشّح للاستمرار، خاصة وأنّ هناك اتّجاها نحو «التوافق»، على قيادة نقابية تضمن التواصــل لا القطيعة مع الخيارات والسياسات الحالية للمنظمة، بما في ذلك منصب الأمين العام، الذي أصبح تقريبا في دائرة المعلوم بل المؤكد منذ أشهر، نعني هنا «التوافق» على ترشيح الرجل الثاني في القيادة الحالية، الأمين العام المساعد الحالي المكلف بالهياكل والنظام الداخلي، نور الدين الطبوبي، الذي بدأ فعلا في الاستعداد لخلافة إرث سلفه حسين العبّاسي، مع جرعة من التجديد والإضافة، ومواكبة التحولات في الشأن الوطني وأيضا في الفكر والممارسة النقابية، وهو ما أكّده لنا في «دردشة» حرّة ومفتوحة معه.

قبل تقديــم الأمين العام المنتظر، أيّاما قليلة قبل مسكه رسميا بالمكتب الأول بساحة محمد علي، وسط العاصمة تونس، نشير إلى أنّه سيكون حارسا - مثلما صرح لنا بذلك - على بعدين أساسيين، يهمّ الأول الدور الوطني، الذي لعبته المنظمة ولا تــزال منذ الجيل المؤسس مع الشهيد فرحات حشاد.

وللتذكير فإن الاتحاد قام بدور حاسم في حماية مسار الانتقال الديمقراطي، عبر إدارة حوار وطني في مرحلة لافتة، وكان له فيها الفضل في إدارة الخلاف وصولا إلى  التعايش بين الفرقاء السياسيين، وبالتالي تمكّن من المساهمة في تجنيب البلاد مخاطر الانزلاق نحو أهوال التناحر والحرب الأهلية، التي انقادت إليها دول «الربيع العربي» الأخرى مثل سوريا وليبيا.

أمّا البعد الثاني، الذي يضعه الأمين العام القادم نصب عينيه، ولا يمكن له أن يحيد عنه، فهو المحافظة على الدور الاجتماعي للمنظمة في إطار الاستقلالية والحياد، المتمثل في الدفاع عن مصالح الطبقة الشغيلة، عبــــر آلية الحوار والتفـــاوض ومراعاة المصلحة الوطنية.

للإشارة، فقد أصبحـت للمنظمـة الشغـــيلة تقاليـــد في إدارة المفـاوضات بصفة دورية مع القطاعين العام والخاص، وفق منهجية سمحت بإقرار زيادات منتظمة في الأجــور، ساهمت في المحافظة على القدرة الشرائية لفئات وشرائح واسعـــة من التونسيين، فضلا عن كونها حمت الطبقة الوسطى من التفكّك، وبالتالي مثّلت أفضل ضمان لتثبيت الاستقرار الاجتماعي، الذي هو عماد النظام الديمقراطي.

الأمين العام المرتقب، نور الدين الطبوبي، المولود في 8 فيفري 1961 بباجة، ينحدر من وسط اجتماعي «متوسط الحال» ومن بيئة «محافظة» جعلته أكثر التصاقا بأســرته المتكــونة من ولدين وبنتين، أما نقابيا فــإنّ باجة والشمـــال الغربي لا تعرف لهما تقاليــد كبيـــرة في العمل النقـابي مـقـــارنة بجهات أخـرى، مثل صفـــاقس والعاصمة والساحل.

على الرغم من أنّه يشغل مهمة الأمين العام المساعد المكلف بالنظام الداخلي، وهي مهمة تجعل منه، حسب تقاليد الاتحاد الرجل الثاني بعد حسين العباسي، فإنّه يكاد يكون في الظلّ وليس له بروز إعلامي كبير، مفضّلا أن يكون أداؤه متسما بـ«النجاعة» و«البراغمـــاتية»، دون ضجيــج، لـذلك اختار منذ البدايات الاهتمام بالهياكل والنظام الداخلي (أي الجهاز)، معتبرا أنّها عصب «الارتقاء النقابي»، وهذا ما سيؤكده ويثبته مسار الرجل.

منذ بـــداية انخراط نور الدين الطبوبي في العمل النقابي، في مطلع تسعينات القرن الماضي، حينما شغل خطّة كاتب عام نقابة أساسية في شركة اللحوم (1990)، وهي أوّل مسؤولية له، اختار العمل في صمت، بعيدا عن الأضواء، وهو خيار لا يزال يلازمه إلى يوم الناس هذا، بعد ما يقارب ثلاثة عقود من النضال النقابي المتواصل، استطاع خلالها معرفة «الماكينة» من الداخل، الأمر الذي سمح له بالتخطيط بهدوء لاعتلاء هرمها.

تدرّج نور الدين الطبوبي في سلّم المسؤوليات، من نقابي قاعدي، إلى مسؤول عن  نقابة أساسية (شركة اللحوم - جامعة الفلاحة، قطاع هام في هيكلة الاتحاد) سنة 1990، إلى كاتب عام للاتحاد الجهوي بتونس، مكلف بالنظام الداخلي، بعد عشرية كاملة تفصله عن أوّل مهمّة له في المنظمة، تحديدا سنة 2001، وفي نفس السنة شغل خــطة كاتب عام الفرع الجامعـي للفـلاحة بتونس الكبرى، ثـم بعـــد تسع سنوات أصبح الأمين العام للاتحاد الجهـــوي بتونس (سنـــة 2009) أهمّ جهة نقـــابية مـــن حيــث الثقل المؤسّساتي والنقـــابي وأيـــضا السياسي.

وقد ٲهلته هذه الخطة المهمّة لأخذ موقع له في القيادة المركزية، خلال المؤتمر الوطني الذي انعقد بعد الثورة في طبرقة (2011)، ليشغل خطة أمين عام مساعد، مكلف بالنظام الداخلي. وذلك «حلم» تمّ التمهيد له في المؤتمر الوطني العام عدد 21 للاتحاد الذي انعقد سنة 2006 بالمنستير، حينها بدأت تكبر طموحات الطبوبي، حيث مسك بلجنة النظام الداخلي، التي مكّنته من اكتشاف كيفية «هندسة» المؤتمرات.

يعتبر نور الدين الطبوبي، وفق تصنيفات النقابيين «ولد الجهاز» أو «الماكينة»، وفي «البطحة» هو محسوب على «الخط العاشوري» (نسبة للنقابي الكبير الحبيب عاشور)، وهو تيار «يتشرف بالانتساب إليه»، وفق قوله، و يرى أنه نهج متحرر من كلّ ارتهان للسياسي والإيديولوجي، لصالح البعد «النقابي البراغماتي» و«الوطني».

لعلّ هذا ما يجعل من نور الدين الطبوبي، «نقابيا كلاسيكيا»، غير بعيد عن مواصفات الأمين العام الحالي، حسين العباسي، وهي مواصفات تحظى بمساندة الأغلبية المطلقة في الجسم النقابي في مختلف مستوياته، فضلا على أنها مطلوبة أيضا، من قبل بقية الفاعلين الاقتصاديين والسياسيين في البلاد، باعتبارها ستمثل أكثر نهج الاستمرارية في سياسات وخيارات المنظمة النقابية ومـــواقفها،  خيار يشدّد عليه نــورالدين الطبوبي، وهــو المتشبع بالبعد «الوطني العـــاشــــوري» للمنظمة الشغيلة، مؤكّــــدا ٲنه متمســــك به،  مثلما هو متمسّك بمواصلة «الدور الوطنـــي للاتحــاد»، خــاصّة في مـرحلة يقــــول إنهـا «صعــبـــة وتفترض التوافق» و«الحوار» و«الشراكة»، بين كل القـوى الـوطنية لتنفيذ الإصلاحات الاجتماعية الكبرى، مثــل معالجة أوضاع الصنـاديق الاجتماعية ومأسسة الحوار الاجتماعي.

كما يعد الطبوبي بالشروع في تنفيذ إصلاحات داخل الاتحاد، ويقــول إنّ لــه برنامجا هامّا ســـوف يشمـل إعادة الهيكلة، وتدعيم الممارسة الديمقراطية الداخلية في اتخاذ القرار، مشيرا إلى أنّ الديمقراطية الداخلية في التسيير، هي التي حمت جسم المنظمة من الصراعات، وجعلتها قادرة على مواجهة الأزمات.

 

منذر بالضيافي

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.