أخبار - 2016.12.29

في حديث حصري لليدرز، الباجي قائد السبسي: برامجي الكبرى خلال سنة 2017

سنة ثالثة بقرطاج للباجي قائد السبسي: ٲهمّ ما تحقق منذ توليه الحكم وبرامجه الكبرى لسنة 2017

"لست مدينا بشيء لأحد. الالتزام الوحيد الذي قطعتُهُ على نفسي، هو ذلك الذي تعهدت به تجاه بلدي تونس، وتجاه الشعب التونسي". تردّد هذا الكلام كثيرا على لسان الرئيس الباجي قايد السبسي خلال الحديث الذي خَصّ به مجلّة ليدرز في نهاية شهر ديسمبر في قصر قرطاج. قايد السبسي متحرّر تماما من كل العقود.. دَيْدَنُهُ الذي طالما ردّده على مسامعنا هو: "اعملْ ما لا منه بُدٌّ، ولا عليك!" (ريبلاي - Rabelais). ما الذي بقي في البال من سنة 2016؟ وما هي برامجه للسنة الجديدة 2017؟
من رأي رئيس الدولة أن تونس بدأت مرحلة إقلاع لا يستهان بها، ولا بد من تأكيدها وتسريع وتيرتِها مع ملازمة اليقظة الكاملة في كل ما يتعلق بالوضع الأمني . تقوية الوحدة الوطنية وتوطيد أسس الإعلام المتعدد والحرّ والمسؤول أمور تبقى أساسية إلى أبعد الحدود. كما يبقى الحرص على إتاحة مناخ ملائم للتداول على الحكم في مواعيد ثابتة وِفْقَ ما ستفرزه صناديق الاقتراع من نتائج مظهرا أساسيا من مظاهر الديمقراطية. وعلى هذا الأساس، سيبرز التمثيل المحلي بوضوح وفي أبهى صورة من خلال الانتخابات البلدية القادمة.
وعلى المستوى الإقليمي يكتسي استقرار الأوضاع في ليبيا - هذا البلد الذي يخيّم عليه شبح الانقسام المخيف وتهدده مواجهات مسلحة داخلية تنذر بوخيم العواقب وفادح الضرر - أهمية قصوى، الأمر الذي يدعو تونس إلى العمل مع الجارين الأقرب الى ليبيا والمعنًِيَّيْنً بدرجة أولى بالأوضاع هناك، وأعني بهما الجزائر ومصر، إلى تسهيل سبل الحِوار بين مختلف الاطراف الليبية وتمكينها من تحقيق الوفاق المطلوب.

السيد الرئيس ما أهم ما تحتفظ به ذاكرتكم من سنة 2016؟

دخلْتُ الانتخابات من أجل أن أكون في خدمة تونس مجدّدا . وجَدْنَا البلد على شفا الهاوية. ونحن اليوم في الطريق الصحيح، في بدء مسار مغاير تماما. نحن في بداية إقلاع أتمنى أن يتواصلَ وأن تتسرع وتيرتُه. كنا في مواجهة مع الإرهاب وتلقينا ضربات موجعة إلى حدّ. حصل ذلك في باردو وفِي سوسة وفِي بن قردان وفِي تونس العاصمة... لكننا بذلنا جهودا كبيرة على مستوى الأمن، وحققنا تقدما مُهِمًّا. ضربة بن قردان ربّما كانت ستؤدّي إلى نتائج وخيمة. لقد هاجمتنا مجموعة من أكثر من مِئتي إرهابي في محاولة لإقامة إمارة في بن قردان. لم يكن ذلك مجرّد تهديد، إنّما كان مؤامرة بكل ما في الكلمة من معنى. المعركة ضد الإرهاب لا تكسب بسهولة وبسرعة. إنّها حرب حقيقية. لكننا نظل متفائلين من حيث قدرتنا على مواجهتها وعلى كسبها بفضل تعبئة التونسيين وعمل الحكومة وقوات الأمن والقوات المسلحة. وعلينا أن نلازم اليقظة في كل آن وحين.

وماذا عن عودة الجهاديين؟

أن نُحاكَمَ على النوايا وان يدَّعي البعض أننا نريد عودة الإرهابيين، فتلك قضية زائفة. نحن نحترم الدستور، وكل إناء بما فيه يرشح. نطبق القانون بكل صرامة ولا حرية على الإطلاق لمن يثبت أنه مجرم.

ما هي أهم أهدافكم في سنة 2017؟

هنالك على أقل تقدير أهداف ثلاثة.
سنسعى أولا إلى ضمان شروط الوحدة الوطنية. علينا أن نفعّل ذلك على مستوى الشعب وعلى مستوى المجتمع السياسي بكل مكوناته والمجتمع المدني، وأن ندرج ذلك ضمن الأولويات القصوى باعتباره شرطا أساسيا من شروط النجاح. والتحديات الكبرى التي لا بدّ من رفعها تحتاج كلّها إلى وجود التزام جماعي لا يستحيل الاهتداء إليه وإقراره رغم الاختلافات بين شتى القوى الفاعلة.
كان انشغالي الأول منذ تأسيس حزب نداء تونس متمثّلا في وضع حدّ للاستقطاب والتباين المذهبي والانقسام، لاعتقادي أنهّا أمور لا طائل منها.
لقد توفّقنا إلى بناء مسار ديمقراطي. هنالك 16 حزبا منتخبا ممثلا في مجلس نواب الشعب، إلى جانب عدد من المستقلين، وتشكّلت حكومة وحدة وطنية؛ لكن الديمقراطية لا تؤسس بمجرّد قرار، إنما تنشأ بالممارسة. أعلم أنّ الطريق إليها طويل وصعب، لكننا ستنوفّق إلى تحقيقها بحول الله. والسبيل الى ذلك بدايةً يبقى دولة القانون والحقّ.

وما ثاني الأهداف الثلاثة؟

أن يفسح المجال إلى إعلام متعدد، حرّ ومسؤول. ظلّت تونس طيلة أكثر من نصف قرن تحت حكم حزب واحد أوحد. كانت عندنا قناة تلفزية يتيمة وبعض الصحف. أما اليوم فلنا من المنشورات ما يناهز 85 عنوانا، ومن الجرائد الالكترونية ما يقارب 85 جريدة، الى جانب 44 محطة إذاعية و12 قناة تلفزية، وكل هذه الوسائل الإعلامية تشتغل على مشهد سياسي واقتصادي واجتماعي واحد.

إني باق دوما على دفاعي عن حرية التعبير، سأظلُّ مناصرا لاستقلالية وسائل الإعلام واحترام المهنة  الصحفية. إلا أنّ ممارسة هذه المهنة ينبغي أن تستند إلى جملة من المبادىء التي يوكل تحديدها والسهر على احترامها إلى المهنة ذاتها من خلال هيآتها التمثيلية. ولا أرى أنّ السلطة مؤهلة أكثر من غيرها للقيام بهذا الدور. وأعتقد أن أمر المهنة بيد آصحابها .

وما هو الهدف الثالث؟

هو تأمين مناخ ملائم  للتداول على السلطة.
التداول في ذاته لا يمثل فرضا لا غنى عنه إثر كل عملية انتخابية. فالأمر موكول إلى الناخبين يحسمونه في مواعيد انتخابية ثابتة. ومن حسن الحظّ أنّ الشعب التونسي شعب ناضج، مدرك تمام الإدراك لأهمية مثل هذه الرهانات ومتشبّث بحقوقه.
وهنالك بطبيعة الحال مشاغل كبرى أخرى تستحق المتابعة والاهتمام خلال السنة الجديدة.

ماذا يعني ذلك؟

كان أهم مشكل واجَهَنا غداة الاستقلال متمثّلا في مقاومة الأميّة. أما مشكلتنا اليوم فتتمثّل في توفير الشغل لأولئك الذين نالوا حظّا من التعلّم وخاصة أصحاب الشهائد العلمية. نعاني من بطالة خانقة، نعاني من الفقر، هناك جهات مهمشة.. إنّه وضع متفجّر يحتاج منا إلى لفتة، ويتطلب تدخلا عاجلا. وقد بدأنا نرى منذ وقت كيف أنّ التوترات آخذةٌ في التقلص، وعلينا أن نشمّر على ساعد الجد، وأن لا نتوانى في إصلاح أوضاعنا.

الانتخابات البلدية تكتسي أهمية بالغة. أليس كذلك؟

بالتأكيد. ستكون مرحلة في منتهى الدقّة من حيث إقرار الديمقراطية المحلية وتدعيم أركان الديمقراطية في تونس.

الانتخابات المحلية ستشمل 365 بلدية، وستشهد مشاركة قائمات مستقلة وقد تُغَيِّرُ الخريطة السياسية برُمَّتها و تدفع الى المشهد  بوجوه جديدة منبثقة في الغالب من المجتمع المدني...

ليس هناك مسؤول صالح لكل مكان وزمان. التمثيل المحلي والجهوي والوطني ينبغي أن يكون مرآة تعكس حقيقة البلاد.

المشاهد تتوالى، التوترات آخذة في التقلّص، الأمن يتعزز والاستثمارات تتم تعبئتُها .. ها أنكم اليوم بدأتم تخوضون غمار المسألة الليبية.. مسألة كانت موضوعة على بساط البحث في العاصمة الجزائرية في لقاء جمعكم بالرئيس بوتفليقه، وأوفدتم وزيركم للشؤون الخارجية إلى القاهرة لدى الرئيس السيسي. هل يمكن الحديث عن مبادرة تونسية؟

سياسة الدولة، أي دولة، تأخذ في الاعتبار عاملي التاريخ والجغرافيا. وتتوسّط تونس بلدين جارين. وقد قمنا بالكثير مع الجزائر على الصعيد الأمني. حدودنا مُؤَمَّنة بشكل أفضل. إلَّا أن الوضع ليس بهذا الشكل مع ليبيا. الحدود ممتدة على طول 500 كيلومتر أو أكثر، يمرّ منها دفق من السلع ومن المهرّبين ومن الإرهابيين.
نحن لا نكف عن القول إنّ تونس وليبيا تشكّلان بلدا واحد، بدولتين. لكن اليوم  لم تعد هناك دولة في ليبيا، غاية ما هنالك مجموعات عديدة مدججة بالسلاح.
 وليس لتونس أيّ موقف لا لفائدة هذا الطرف، ولا ضدّ الطرف الآخر. تونس تقف مع ليبيا البلد وتحرص على أن لا تكون ليبيا عرضة إلى الانقسام أو إلى التجزئة.
 ولجيران ليبيا الأقربين ما يقولونه في شأن الوضع في هذا البلد، هنالك آخرون باستطاعتهم تقديم المساعدة، لكن البلدان المحاذية مباشرة لليبيا وهي الجزائر ومصر وتونس لها مصلحة أكبر في أن ترى ليبيا جادّة في رأب الصدع، متّجهة إلى الوفاق والوحدة الوطنية .ولا يحق لأيّ بلد جار أن يتدخّل اعتمادا على أجندا خاصّة. الأجندا الوحيدة تبقى أجندا ليبيا والليبيين. إنّ خطر التقسيم داهم حقّا، وعندها تكون الطامة الكبرى.
تونس بصدد العمل من أجل رأب الصدع وإصلاح ذات البين وتقريب الشقّة وإحلال الوئام والوحدة الوطنية وكلّها أشياء لا تصب إطلاقا في صالح الأطراف المترددة. بوسعنا أن نمضي قدما على هذا الدرب وأن نعقد اجتماعات على مستوى وزراء الشؤون الخارجية للبلدان الثلاثة، وبعد ذلك على مستوى رؤساء الدول.

ما هي تمنياتكم لعام 2017؟

أن تتأكّد بوادر الفرحة وأن ينكشف الغمّ. أؤمن بديناميكية التغيير، وهي ديناميكية أحسب أنّ جذوتها ستزداد توقّدا في قادم الأيام، وعلينا أن نظل يقظين ومتمسكين بالعروة الوثقى.
هنالك أيضا ما هو مهمّ وما هو أهمّ . علينا أن نتوقّى الاختلاف في الأهمّ. الأهمّ هو مصلحة تونس العليا. يستحيل كسب أي رهان ورفع أي تَحَدّ دون الاتحاد والتوحّد في كنف حبّ الوطن ورفعة الدولة .
مغالبة النفس أمر لا غنى عنه على الإطلاق بالنسبة إلى كل فرد على حدة، وبالنسبة إلى الناس جميعا. لقد أتيت في كتابي "تونس، الديمقراطية في بلاد الإسلام" على ذكر آيتين من الذكر الحكيم هما: "فأما الزبد فيذهب جُفَاء وأما ما ينفع الناس فيمْكُثُ في الأرض" [الرعد 17] و "إن الله لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حتى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ " [الرعد - 11]
أنا واثق في المستقبل. سوف يتّخذ التونسيون هذه المعاني القرآنية نبراسا وهديًا . شعب تونس شعب ناضج، هو نتاج 60 سنة ما بعد الاستقلال، نَهَلَ طوالها من معين المعارف والعلوم، وهو وريث حضارة عريقة ضاربة في القِدَم.

أجرى الحديث توفيق الحبيب

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.