محمّد الطرابلسي: أســرار الاتّفـاق مـع الاتّحــاد ومــؤشّرات العــودة القـــويّــة للعمــل الاجتـمــاعـي
كشف وزير الشؤون الاجتماعية، محمد الطرابلسي، في لقاء خاص مع «ليدرز العربية›› عن خفايا وأسرار الاتفاق الحاصل بين حكومة الوحدة الوطنية والاتحاد العام التونسي للشغل والذي جنب البلاد الدخول في مسار من التصعيد والحراك الاحتجاجي، وأفصح بالأرقام عن حقيقة الأزمة المالية الخانقة للصناديق الاجتماعية بما يفرض فتح حوار وطني عميق للتوافق حول الحلول الجذرية التي لا تحتمل مزيد الانتظار.
وتناول الوزير بكامل الصراحة عديد الملفات الحارقة الأخرى وفي طليعتها مقاومة الفقر ورعاية الفئات المحتاجة وضرورة طرح كل القضايا الاجتماعية على بساط التشاور وإعادة تفعيل العمل الاجتماعي، وذلك من خلال رؤية جديدة ستكون بمثابة الإعلان عن عودة العمل الاجتماعي.
أكّد وزير الشؤون الاجتماعية، محمد الطرابلسي، أن المفاوضات الأخيرة التي تمّت بين الحكومة والاتحاد تميزت بالحكمة وتفهم كل طرف لمطالب الطرف الآخر وحججه، والحرص أيضا على تغليب مسار الحوار والتفاوض على القطيعة، و«تمترس» كلّ طرف وراء مواقفه. واعتبر الوزير أنه من الطبيعي أن تشهد هذه المفاوضات فترات من المد والجزر، اتجه فيها الاتحاد نحو التصعيد بعد إعلان تاريخ 8 ديسمبر الماضي، كموعد لتنفيذ إضراب عام في الوظيفة العمومية يكون مقدمة لسلسلة من التحركات الأخرى في الجهات وفي القطاعات، وهذا توجه لم يمنع قيادة الاتحاد من الاستمرار في المسار التفاوضي مع الحكومة ومع مؤسسة رئاسة الجمهورية، من خلال لقاءات دورية بين الرئيس الباجي قائد السبسي والأمين العام للاتّحاد حسين العباسي، وهذه المنهجية في التعاطي بين الطرفين اعتبرها بمثابة تقليد جديد لأنموذج تونسي يقوم على الحوار لا على المغالبة والتصعيد.
وبيّن الوزير أنّ المفاوضات تمّت تحت الضغط الناجم بالأساس عن وجود «أزمة ثقة» لا يمكن إنكارها أو القفز عليها، لكنها تمت أيضا في إطار من الوضوح والشفافية، وهو ما يفرضه المناخ الديمقراطي الذي تعيشه البلاد. والمهمّ أنها أكّدت وجود قطيعة مع الشكل الذي سبق الثورة، في العلاقة بين الفاعلين السياسيين والاجتماعيين في تونس، فاليوم هناك تأسيس في الفكر وأيضا في الممارسة لما يعرف بــ «الديمقراطية التشاركية» أو «التوافقية»، ولعلّ هذا ما يميّز مسار الانتقال السياسي والديمقراطي، الأمر الذي سمح بوجود استقرار اجتماعي وسياسي نسبي برغم التباينات الكبيرة والصعوبات التي واجهت وتواجه المسار الانتقالي، وساهمت بالتالي في حماية الوضع من الانزلاق نحو الفوضى.
الاتحاد العام التونسي للشّغل طرف وشريك أساسي في الحكم
وأوضح محمد الطرابلسي أن الاتحاد العام التونسي للشغل طرف رئيسي في الحكم اليوم، حتى وإن كان لا يشارك بصفة رسمية في الحكومة، مشيرا إلى المساهمة القوية والمؤثّرة للاتحاد في إنجاح مبادرة حكومة الوحدة الوطنية وفي صياغة وثيقة قرطاج. وبيّن أن اعتراض المنظمة الشّغّيلة على قرار تجميد الزيادات، في ميزانية الدولة لسنة 2017، لا يجب أن يفهم على أنّه تصعيد أو معارضة راديكالية للحكومة، بقدر ما هو تأكيد على ضرورة الالتزام بالاتفاقات المبرمة، وبالتالي على استمرارية الدولة. ويندرج هذا الموقف ضمن رؤية شاملة للاتحاد في مواجهة استحقاقات المرحلة الحالية وصعوباتها ، وهذا ما تدركه جيدا الحكومة ممّا جعل إرادة الوصول إلى حل توافقي أمرا ممكنا، وهذا ما حصل فعلا. وشدّد محمد الطرابلسي على أن مسار تشكيل الحكومة ووثيقة قرطاج والمفاوضات الأخيرة حول ميزانية الدولة، كلها عناصر أثبتت أن المنظمة الشغيلة تعدّ بمثابة السند الحقيقي والفعلي للحكومة، في ظل تواصل غياب السند السياسي والحزبي الكافي، في دعم خياراتها، وإسنادها في مواجهة الاكراهات التي تواجهها.
ولاحظ محمد الطرابلسي أنّ الاتحاد تمسك بضرورة الاعتراف «بحقه» المتمثل في تفعيل ما هو متفق عليه، ما جعل الوصول إلى اتفاق لا يكون إلا عبر حصول «تنازل» منه، وهو ما حصل بالفعل ومكّن من إمضاء اتفاق قبل به الطرفان، وفي هذا تعبير عن تفهم كبير من القيادة النقابية للوضع الحالي الذي تمر به البلاد، خاصة الأزمة الحادة التي تعرفها المالية العمومية.
وقال الطرابلسي إنّ الاتحاد طالب منذ البداية بمده بالمعطيات التي بُني على أساسها مشروع الميزانية، نظرا لعدم اقتناعه بتلك المعطيات التّي بدت عامة ومتداولة حول توازنات الميزانية، وذلك من أجل المساهمة في تقديم مقترحات وحلول لإعدادها، وليس لوجود أزمة ثقة مع الحكومة. وعبّر عن اعتقاده بأن العمل النقابي مقبل على تحولات هامّة، مشيرا إلى أن الممارسة النقابية تبقى مرتبطة بصفة عضوية بالمشهد السياسي والحزبي في البلاد، مشددا على أننا بصدد التحول من ممارسة نقابية نضالية الى العمل النقابي في إطار مقاربة تشاركية، وقد بدأنا نلمس هذا التحول في خطاب الاتّحاد وكذلك في الممارسة النقابية (المشاركة في وثيقة قرطاج).
الاستقرار الاجتماعي والتهدئة مطلب مجتمعي
أوضح وزير الشؤون الاجتماعية أن مسار التفاوض بيّن أنه لا يوجد اختلاف جوهري بين الطرفين، وأن لهما تقريبا نفس التشخيص، فكلاهما ركز على ضرورة تكريس نظام جبائي عادل وعلى التحكم في الاقتصاد الموازي ومقاومة التهريب ومتابعة ملف ديون الدولة التي تقدر بنحو سبعة مليارات دينار. وأضاف الطرابلسي أن الاتحاد لم يركز على ملف الأجور فقط، بل إنّ له مقاربة شاملة للوضع الاجتماعي والاقتصادي في البلاد، مشيرا إلي أن الحكومة أخذت بعين الاعتبار العديد من المقترحات والملاحظات التي تقدم بها الاتحاد عند إعداد مشروع الميزانية لسنة 2017.
كما أشار الوزير الى أن الاتحاد يدرك جيّدا أنّ التهدئة اليوم هي بمثابة مطلب مجتمعي، وهو عنصر مهم ساهم في تخفيف التوتر أثناء المفاوضات، إلى جانب تدخل الرئيس الباجي قائد السبسي، الذي أكّد منذ البداية أن الإضراب لَن يتمّ وأن الحكومة ستصل إلى اتفاق مع النقابة، وهذا ما أثّر ايجابيّا في مناخ المفاوضات، علاوة على أنّ رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، قد أعطى توصية للوفد الحكومي المفاوض بأن يتم منح الأولوية المطلقة للوصول إلى اتفاق مع الاتحاد، ممّا سيجعل بلادنا تذهب للتفاوض مع صندوق النقد الدولي من موقع قوة.
حاوره منذر بالضيافي
- اكتب تعليق
- تعليق