حدود البلاد التونسية الأقدم في تاريخ البلدان؟
ماتمّ أخذه بالقتال وترسّخ في الخيال وتوارثته الأجيال لايمكن أن يباع بمال أو التّنازل عنه أصبح مكسبا له ثمن ورمزيّة وجزء من الموروث الجماعي. وهذا الأمر ينطبق على أشياء عديدة وفي مقدّمتها الحدود ذلك أنّها تشكل سياج ما نملكه فما بالك لو تعلق الأمر بحدود الوطن. إنّها رسم تباين مع الجيران توّج مسار طويل من الأخذ والردّ، والامتداد والانحسار، والاعتراف والتشكيك، والسّلم والحرب......
وفي النّهاية حصل التّفاهم حوله والاتفاق على إقراره...ولن يكون في حصانة أبديّة بل يمكن أن يعتريه التشكيك وإعادة الرّسم.
ولذلك تدرّس الحدود للأطفال من بداية مراحل التّعليم فيتعرّفون على خريطة بلادهم ويحفظون عن ظهر قلب إسم الجيران شمالا وجنوبا وشرقا وغربا.....ويقع التّذكير بشكل الحدود في كلّ المناسبات الوطنيّة للابقاء على ذكراها حيّة في الأذهان.
والحدود تحميها الجيوش وليس قوات الأمن، وهي تتوفر على سجّل حافل بالمرجعيّات والذكريات والتّضحيات والشهداء والرّموز...وبعد كلّ ذلك هي سياج البيت ورمز السّيادة ولذلك تتميّز بالاعتبار والمكانة المرموقة والقدسيّة أحيانا...
وعندما نقصد الوطن فذلك يعني كيانا معلوما بحدوده وهويتّه،ويعتبر سكانه أنهّم يغادرون وطنهم عندما يجتازون الحدود ولذلك يستظهرون بجواز سفر ويُسجّل تاريخ مغادرتهم وتاريخ دخولهم سواء برّا أو بحرا أو جوّا...
ومن الطرافة أن تتغيّر اللباس والعادات والطقوس الاجتماعيّة وأحيانا الدّينيّة....وتلك أبرز علامات الإنتماء.... ولا أزال أتذكر العطار الذي لم يفهمني، عندما طلبت منه شراء "دبوزة ماء" .....فردّ علي: "آه " قرعة الماء".......فقلت نعم وشعرت أني في بلد آخر.
ولعلّ الجغرافي الكبير إيف لاكوست (YVES LACOSTE) لم يخطىء عندما قال ان الجغرافيا تصلح لخوض الحروب....ومن عناصر جغرافية الأوطان نجد الحدود التي عرفت كلها نزاعات وحروب دامية...والعالم يعيش اليوم عودة محمومة لهذه الظاهرة التي اعتقد المتسرعون أنها في عداد الماضي.....وأن العالم أصبح قرية مفتوحة...ويالها من وهم وغفلة....فالامة والوطن والهوية مفاهيم وانتماءات عنيدة لا تزال تشكل محركات فاعلة للتاريخ.
وقد أردت أن أقدم لقراء ليدرز هذا النص الرشيق مترجما من الفرنسية للجغرافي "ايف لاكوست" والذي يؤكد فيه رسوخ حدود البلاد التونسية وعراقتها...و هذا ليس متاحا لكل الأمم.
طرافة جيوبوليتيك المغرب الكبير حدود قديمة جدّا ضمن نفس الجماعة الثقافية إذا كانت الجيوبوليتيك هي تحليل نزاعات النفوذ والتنافس حول المجالات، وإذا كان يتعين الأخذ في الاعتبار أكثر ما يمكن الأفكار والتصورات المنحازة والتي يصنعها بصفة متنافرة أبطال مثل هذه النزاعات، فإنّ الأمّة تبقى حسب اعتقادي هي المفهوم الجيوبوليتيكي الأساسي. ولكن فكرة الأمة تنبني على تركيب لمعطيات ثقافية متنوعة وبصفة رئيسية وفي أغلب الأحيان على لغة مخصوصة.
ففي أوروبا وفي الجزء الأكبر من آسيا، تعتبر كل أمة أن مجالها الترابي يتطابق إن قليلا أو كثيرا مع الامتداد الترابي للغتها رغم تغيرات رسم حدود الدولة.
وفي المقابل ليس الأمر كذلك في أمريكا بالنسبة لعديد "الدول – الأمم" التي لها نفس اللغة الإسبانية أو الإنقليزية، و لدول شمال إفريقيا و آسيا الغربية حيث اللغة المشتركة هي العربية.
وفي حالة الشرق الأوسط يقع التذرّع غالبا بكون الحدود التي تفصل ست دول عربية قد رسمت فرضت حديثا بعد الحرب العالمية الأولى عند تجزئة الإمبراطورية العثمانية من قبل القوى العظمى الإمبريالية ولا سيما انقلترا وفرنسا.
ونتساءل عن "حقيقة" الأمة السورية والعراقية والأردنية واللبنانية والفلسطينية والسعودية مع التسليم بأن انقسام الأمة العربية ذاتها إذا تواصل كل هذا الوقت الطويل، أي خمسون سنة بعد نهاية الهيمنة الاستعمارية فإن ذلك يرجع أساسا إلى المشاحنات المتأججة بين مختلف هذه الدول وإلى الخلاف الإسرائيلي العربي. وفي حالة المغرب الكبير يبدو لي أنّ الأمر يختلف إذ يمكننا القول بأن بين المغرب والجزائر وتونس هناك حدود ذات عراقة إستثنائية تماما، ورسمها ليس ناتجا في شيء عن الهيمنة الأجنبية. فلا تطابق إن مع وعورة طبيعية أو تناقضات ثقافية "(وهذا يبدو لي أساسيا)". إن هذه الحدود هي سابقة بالكثير عن إنتصاب الهيمنة العثمانية في بداية القرن السادس عشر في الجزائر و تونس. وهذا هو الحال على الأقل مع المناطق الشمالية حيث يوجد دائما أغلب السكان. وبالأكيد فإن الحدود رسمت منذ أقل من قرن وحسب إجراء إستعماري في الجزء الجنوبي للدول المغاربية، أي في الصحراء. ولنسجل أن ذلك لم يكن تحت التأثير الكلاسيكي للنزاعات الامبريالية "(باستثناء الحدود مع ليبيا)" كما نقول ذلك غالبا، و لكن بقرار من قوة استعمارية بذاتها.
إنها السلطات الفرنسية التي قررت مدى إتساع المناطق الخلفية (arrière pays) الصحراوية الممتدة لكل من مستعمرات إفريقيا الشمالية أو إفريقيا السوداء وخاصة الجزائر التي إنطلق منها الغزو.
وإذا اكتفينا بإقرار طول الحدود المرسمة في بداية القرن العشرين من قبل السلطات الاستعمارية الفرنسية فإنه يمكننا استخلاص أن حدود الدول المغاربية ليس لها أصل يختلف جدا عن تلك الموجودة لدى الدول العربية في الشرق الأوسط "كما يفعل الاسلاميون والبعثيون والوحدويون العرب" فمن جملة 5800 كم من الحدود التي تضبط التراب الجزائري ﴿2381000 كم 2﴾ هناك 5800 كم رسمها الفرنسيون، ومن مجمل 2700 كم من الحدود التي يعدها المغرب ﴿باعتبار الصحراء الغربية﴾.هناك 2400 كم هي حدود استعمارية. وبنسبة أقل لتونس اذ من جملة 1400 كم من الحدود هناك 1100 إستعمارية.إلا أنه ومهما كانت أهمية الامتدادات الصحراوية بالنسبة للأقطار المغاربية اليوم أوبا لأمس فإنه ليس في الصحراء و إنما في المناطق الواقعة شمالا نشأت تدريجيا أمّة مغربية وأمّة تونسية وأمّة ستسمى لاحقا جزائرية. ومن المؤكد أن طرقات تجارة الذهب العابرة للصحراء هي التي أعطت أهمية لهذه الأقطار المغاربية بين القرن الثامن والقرن الرابع عشر والخامس عشر في هذا الإقتصاد المعولم كما قال فرناند برودال والذي كان مركزا في القرون الوسطى على الشرق الأوسط والبحر المتوسط.
فالذهب الذي يتم التقاطه في المناجم النهرية الصغيرة جنوب الصحراء والذي تتم جبايته على أساس ضريبة من قبل أعوان الملوك الأفارقة كان يتبادل مقابل الملح و بضائع تحملها القوافل القادمة من المغرب الكبير. وتصعد هذه الأخيرة نحو الشمال في إتجاه أسواق تبادل كبيرة في مرحلة أولى ﴿مثل سجلماسة في الجنوب المغربي﴾ وخاصة نحو المدن التجارية مثل مراكش وفاس ومكناس وقسنطينة وتونس والقيروان. ولم تكن هذه المدن التي ترجع إلى الفترة الوسيطة ﴿قسنطينة أكثر قدما﴾ تضمن فقط عبور الذهب (مقابل عديد البضائع﴾ نحو الشرق الأوسط وأوروبا المتوسطية وإن كانت تشكل مراكز سياسية نشأت إنطلاقا منها وانتظمت سلالات حاكمة متتالية في كل من الأجزاء الثلاث للمغرب الكبير.
لقد كانت طرقات الذهب العابرة للصحراء أساسية للدول المغاربية ولكن ليتسنّى مراقبتها لم يكن ممكنا أبدا تحديد المجال الصحراوي.
وفي القرن التاسع والعاشر كانت الطريق الأهم تمر من الصحراء الوسطى غرب وشرق الهقار، وتمنح من الوهلة الأولى أهمية لمملكة تاهرت ﴿الجزائر الوسطى﴾ ثم للقيروان عاصمة الأغالبة ثم المهدية عاصمة الفاطميين ﴿شيعة﴾. والذين إندفعوا نحو غزو مصر حيث أسّسوا القاهرة بفضل قوتهم وثرواتهم المستمدّة من مراقبة طرقات الذهب. وفي القرن الحادي عشر انتقل مسار الذهب نحو الغرب وتولى البدو ولصحراويون الذين هم المرابطون رقابة طرق الصحراء الغربية وأسّسوا مراكش سنة 1066 والدولة المغربية الكبرى الأولى، وعقبهم في القرن الثاني عشر الموحدون وهم جبالية الأطلس الأعلى الذين أنجزوا وحدة كامل المغرب الكبير و الأندلس المسلمة بعد أن حققوا التحكم في طرقات الذهب. وبداية من القرن الثالث عشر وعلى إثر تفكك الإمبراطورية الموحدية تمّ شمالي الصحراء تثبيت الحدود التي لاتزال هي نفسها حدود الأقطار المغاربية الثلاث في ناحيتها الشمالية.
وقد تنافست سلالة المرينيين التي خلفت الموحدين في المغرب طويلا مع مثيلتها في تلمسان وبين مجاليهما تركز الحدّ أخيرا في وسط السهول العليا طبق رسم سيصبح في القرن السادس عشر الخط الفاصل للحدود الغربية للامبراطورية العثمانية. وهي الحدود التي سيعتمدها المستعمرون الفرنسيون للجزائر في القرن التاسع عشر. ونحو الشرق ستعتمد حدود السلالة الحفصية التي حكمت بتونس من القرن الثالث عشر إلى القرن السادس عشر لتفصل بين إيالة تونس وإيالة الجزائر، وستثبّت هذه الحدود خلال القرن التاسع عشر من قبل السلط الفرنسية. وفي الحقيقة فإن للحدود الحالية للبلاد التونسية أقدمية إستثنائية: إنها بدون شك الأقدم في العالم. إنّها تتطابق في الواقع مع نهاية الحدود الشرقية لنطاق النفوذ الترابي لقرطاج ﴿بداية من القرن السادس ق م﴾، ثم وبصفة أكثر دقة إثر سقوط قرطاج ﴿سنة 146 ق م﴾ تتماهى مع حدود نطاق التأثير للولاية الرومانية الإفريقية مع نوميديا و هي الأخرى تحت الهيمنة الرومانية. إن تسمية "أفريكا" المنطبقة في الأصل مع الأراضي القرطاجية، قبل أن يشمل مجموع القارة المسمى إفريقيا بداية من القرن الرابع عشر، كانت تعني بالنسبة للعرب تواصل معناها الأول, إفريقية أي تونس الحالية.
إن رسم الحدود القرطاجية ثم الرومانية و البيزنطية و الافريقية ظهر من جديد في القرنالثامن والتاسع مع الإمارة الأغلبية من القرن العاشر إلى القرن الحادي عشر،ثم مع الفاطميين عند قطيعتهم مع أتباعهم الزيريين و الحماديين، ثم إثر عهد الوحدة الموحدية مع حدود الدولة الحفصية وهي الحدود التي سيستعيدها الأتراك ثم وأخيرا الفرنسيون.وإجمالا فإن الحدود الحالية التي توجد بصفة تكاد تكون متواصلة ترجع إلى 2600 سنة.
وبالمقارنة فإن الحدود الشرقية للقطر المغربي و التي رسمت منذ القرن الثامن عشر لها أقدمية أقل بكثير، ولكن قليلة هي الدول في العالم التي لها نفس الحدود منذ تسعة قرون. إنّ قدم هذه الحدود هي مدهشة أكثر لأنها لا تتماهى مع أي عارض طبيعي، وأنّ بلاد المغرب التي رسمت فيها تشكل منذ تسعة قرون﴿منذ إختفاء التشيع في إفريقية﴾ مجموعة ثقافية ﴿لا سيما دينية﴾ متجانسة، رغم تنوعها اللغوي النسبي، ومن المهم أن نحاول شرح هذا الإستقرار المثير للحدود في بلاد المغرب، ولأجل هذا نتفحص الخصوصيات الثقافية لهذا الجزء من العام العربي. وبخلاف بلدان الشرق الغربي أو المشرق حيث تتنافس إلى اليوم طقوس ومفاهيم متنوعة للإسلام، وحيث تتواجد خاصة أقليات شيعية مع السنة الأصوليين، فإنّ المغرب يتسم منذ تسعة قرون ﴿منذ نهاية الفاطميين بإفريقية﴾ بتجانس ديني كبير، بإستثناء بعض النواتات الاباظية الصغيرة في المزاب وجربة لا تكفي لكسر إحتكار الإسلام السنّي والمذهب المالكي. وعلى العكس من ذلك، وتيجة هيمنة اللغة العربية فإن المشرق متجانس كليا على المستوى اللغوي، في حين تتميّز بلاد المغرب بإستمرارية اللهجات البربرية.
ومن المؤكد أنه بإمكاننا إلى اليوم تمييز جهات لا تزال بربرية في هذه المجموعة المعرّبة بشكل عريض مثل منطقة القبايل الكبرى والأوراس بالجزائر أو أغلبية الجبال المرتفعة بالقطر المغربي. لقد كانت اللغة البربرية ما تزال منتشرة على نطاق واسع في القرن التاسع عشر بإستثناء تونس حيث أن التعريف قديم. ولكن حتى في الحالة التونسية فإن الملامح مختلفة للثقافة البربرية سواء في المجال الغذائي ﴿الكسكسي الشهير﴾ أو اللباس ﴿البرنس الذي لا يقل شهرة﴾ أو في مجال الثقافة الشفوية وهي تكون كلها الأساس الثقافي لمجم وع بلاد المغرب.
وفي مجملهم تقريبا فإن "العرب" بمعنى الذين يتكلمون العربية هم في واقع أمر المغرب بربر مستعربون وليسوا عربا قدموا من الجزيرة العربية. إن "الغزوات العربية" في القرن الحادي عشر هي مجرد أسطورة ﴿طوّرها بعض المؤرخين العرب أو الفرنسيين﴾ وبعض القبائل التي قدمت فعلا من الشرق الأوسط إختلطوا بالساكنة العربية البربرية المغاربية إلى حدّ لم يكونوا فيه أبدا غزاة.
وعبر التاريخ الطويل لتعدد النزاعات في بلاد المغرب لم تعرف أي حقبة منذ نشر الإسلام مواجهة بين دول بربرية ودول عربية أو مستعربة.
وبما أن البربرية بقيت لغة غير مكتوبة فإن كل سلالة حاكمة جديدة يجب أن تخص نفسها بجهاز دولة من مثقفين يكتبون العربية طبعا، وينضاف دورهم إلى دور فقهاء الشرع الإسلامي ﴿العلماء﴾ الذين يتقنون اللغة العربية، ودور تجار المدن الكبرى الذين يستعملون اللغة العربية في علاقاتهم التجارية مع مجموع العالم العربي. ولكن كل سلالة حاكمة جديدة وللتغلب على سابقتها ومراقبة المدن التجارية الكبرى والتي هي عاصمة أيضا يجب أن تعتمد على المخزون الحربي الذي ستشكله مجموعة من القبائل من أهل البلاد في السباسب والجبال، أي يعتمد على قبائل مغربية جزئيا وتواصل التكلم بالبربرية.
وكل سلالة حاكمة جديدة تكون إذا جهاز دولة عربي – بربري: بربري للقاعدة الحربية وعربي لوظائف التأطير الفكري والتجاري. وقد بين ابن خلدون المؤرخ المغاربي الكبير في القرن الرابع عشر سيرورة تكوّن وتداول السلالات الحاكمة في المغرب الكبير في العصر الوسيط وذلك بواسطة لعبة ساسة القبائل في مجتمع لا إقطاعي حيث يكون لكل شخص أسلحته وجواده، وينتمي إلى تنظيم حربي هو قبيلته.
وتقابل كل سلالة حاكمة قبيلة ما حازت الملك بعد أن كانت توصلت إلى طرد سابقتها والسيطرة على المدينة الكبرى وذلك بفضل مؤازرة قبائل أخرى يجب أن توزع عليهما فوائد السلطة. ولكن ببلوغ جيل أو جيلين تفقد القبيلة الملكية مثل القبائل المتحالفة معها فضائلها الحربية في حين تنمو داخلها النزاعات الأسرية لتقاسم النفوذ والثروات.
إن وفاة كل سلطان تفتح أزمة خلافة بين الطامحين في الحكم من أبناءه وأبناء إخوته من أمهات مختلفات والذين سيبحثون عن مساندة قبائل أمهاتهم مقابل الوعود. وبما أنّ الحاكم المسلم يجب أن يختار وأن يملك مبدئيا من طرف فقهاء القانون فإنّ ذلك يقوي المنافسة بين الطامحين والمنافع التي تجنيها مختلف القبائل الحليفة للسلالة الحاكمة. وهذا ما يفسّر تموقع القبائل في شعاع يتسع ويضيق حول مدينة عاصمة كبيرة، وهي في الآن ذاته قبائل حليفة ودائنة نوعا ما للسلالة الحاكمة ﴿وهي ستشكل بالنسبة إليه المخزن﴾ وعندما تنهار هذه السلالة بعد نخرها بالنزاعات الداخلية .يمكن أن يوحّد البديل أحيانا من بين القبائل الحليفة أو من بين قبائل تتموقع إلى هذا الوقت في أطراف الدولة سواء في الجبال أو السباسب.
وفي حين تتغير السلالات فإن العواصم والمدن التجارية الكبرى تصمد. وفي القطر المغربي لا يعني تعدّد المدن العواصم وجود دول عديدة متنافسة ولكن هي لعبة التنافس والتجمعات بينها والتي هي ناجحة خاصة بين الطامحين داخل السلالة الواحدة.
وهذه العواصم البديلة لا وجود لها في البلاد التونسية بالنظر أكيدا إلى حجم الدولة الأقل اتساعا من المغرب. وتعتبر فضاءات النفوذ الحضري حيث تتموقع القبائل التي تشارك في المنافع الموزعة من طرف السلطان انطلاقا من العاصمة عامل تفسير لاستقرار الحدود في المغرب الكبير بما أنّ المراكز الحضرية إستمرت تبعا لتغيير السلالة واستقرار المدن هذا يبدو ملحوظا بقدر استمراريته بعد العصر الوسيط أي بعد أن انقطعت طرقات الذهب عن المرور من الصحراء الغربية وبلاد المغرب. وبداية من القرن الرابع عشر والخامس عشر فإنّها ستسلك حوض النيل الذي فتحه مماليك مصر ودفعا نحو أثيوبيا بالممالك المسيحية لبلاد النوبة والتي شكلت عائقا لزمن طويل وهذا التحويل لطرقات الذهب، والذي أعلن بالنسبة للأوروبيين مرحلة "الإكتشافات الكبرى" كانت له نتائج وخيمة على دول المغرب. فقد حرمها من جزء كبير من ثرواتها وأضعفها أمام محاولات ملوك إسبانيا مواصلة "إعادة الاسترجاع. (Reconquista﴾ المسيحي جنوب المتوسط. وأدّى هذا في المغرب الأوسط وتونس إلى طلب حماية الإمبراطورية العثمانية والتي لم تستطع مع ذلك أن تفرض نفسها في القطر المغربي.
وبفعل غياب الجباية كما كان على مسالك الإقتصاد المعولم لدفع مقابل نجدة القبائل الكبرى إكتفت أجهزة الدول بالتخلي لفائدة هذه القبائل عن مقادير الجباية التي كان لها إمتياز أخذها من المجموعات القبلية الأضعف.ولكن في القطر المغربي واصلت قبائل المخزن التموقع حول العواصم لتوظيف أزمة السلالات.
لقد كان تنظم الفضاء المغاربي كما كان سائدا في العصر الوسيط خلال القرون الذهبية ومعه شبكة من المدن الكبرى وحدوده المستقرة يتوفر بلا شك على قوة عتيدة إذ أنّها إستمرت طيلة خمسة قرون بعد نهاية هذا الإقتصاد المعولم المتمركز حول الشرق الأوسط وبعد إكتشاف مصادر أخرى للمعادن الثمينة في أمريكا.
في هذا الفضاء حيث سهلت مبادلات الأمس التوحيد الثقافي تطورت تدريجيا ظاهرة ثقافية أخرى هي الأمم المغربية والت ونسية ثم الجزائرية في أطر ترابية مستقرة موروثة من ماض عظيم.
سعيد بحيرة
أستاذ محاضر بالمعهد العالي لتاريخ تونس المعاصر. جامعة منوبة
- اكتب تعليق
- تعليق