رسالة مراكش: ملف الطاقة النووية في مفاوضات مراكش
مراسل موقع ليدرز من مراكش : حمدي حشاد - شكّلت فعاليّات قمّة المناخ بمرّاكش فرصة لاستعراض الخطط واستراتيجيات الاستثمار في الطاقات المتجددة والنظيفة من قبل العديد من الأطراف المشاركة، حيث قدّرت الوكالة الدولية لطاقات المتجددة قيمة الاستثمارات في هذا المجال لسنة 2015 بمبلغ 286 مليار دولار. والملاحظ أنّ هناك شبه إجماع دولي على أن يكون الاستثمار في الطاقة المتجددة على أعلى سلم أولويات برامج الاقتصاد الأخضر في العالم وخصوصاً في العالم النامي.
والمميّز في هذه القمة بروز خيار الاستثمار في الطاقة النووية كطاقة نظيفة وخيار أساسي لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، حيث تبنّت العديد من الشخصيات والمنظّمات غير الحكومية الناشطة في مجال الاقتصاد المناخي هذا التوجّه وسط موجات تنديد من بقيّة المنظمات الدوليّة المشاركة التي لم تستسغ هذا الخيار واعتبرته خرقاً لفلسفة حماية البيئة. فمبدأ الفكرة يقوم على كون أنّ الطاقة النووية أكثر الطاقات نظافة ومن شٲنها أن تفي بحاجيّات البشرية في المستقبل القريب، ذلك ٲنّ سيناريوات خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري دون المرور عبر الطاقات النووية لن تتجاوز 8/1200. أبرز المؤيدين لهذا التوجه الملياردير الأمريكي بيل غيتس الذي بات منحازاً لهذه الفكرة، كون خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري يجب أن تمرّ عبر الاستثمار في جيل جديد من الطاقة النووية، حيث غرّد على حسابه في تويتر قائلا "نحتاج إلى مبالغ ضخمة للاستثمار في مجال البحث وتطوير الطاقات النظيفة، والجيل الجديد من المحطات النووية سيكون أكثر أمناً من نظيرتها اليوم".
وفي كلّ مرّة يقع فيها طرح ملف الطاقة النووية خلال قمّة المناخ مع البعض إلا ويدبّ الخوف في أوساط الناشطين البيئين ! والسبب واضح، فقد ورثت الإنسانيّة الرعب من القنابل والحوادث النووية الكارثية، وقصّة الطاقة النووية تبدأ عند عنصر اليورانيوم. فقبل 80 عاما، اكتشف العلماء قابلية النظير 235 من عنصر اليورانيوم للانشطار، وإطلاق طاقة حراريّة. ويصاحب ذلك تحرّر أجسام نوويّة تتسبب في حدوث سلسلة من الانشطارات في عيّنة من ذلك النظير.
وقد مضى اليوم 60 عاما على إنطلاق أول محطّة نوويّة سلميّة، حتّى وصل عدد المفاعلات النوويّة في العالم لما يقارب 437 مفاعلا متفرقة بين 31 دولة وتعمل على مدار الساعة. وموازنة بالطرق الأخرى لتوليد الكهرباء، كالنفط والغاز والفحم الحجري، فإن إسهام الطاقة النوويّة في توليد الكهرباء اقترب من 18 في المائة من إجمالي الكهرباء في العالم، وذلك أثناء ذروة الاعتماد عليها في الثمانينات والتسعينات. أما اليوم، ولأسباب سياسية بالدرجة الأولى وٲسباب ايكولوجية بدرجة ثانية، فقد قلّ استخدام الطاقة النووية حتى أصبح ما تولده يمثل 11 في المائة من الكهرباء في العالم.
وإلتقت ليدرز ببعض المشاركين المناصرين لحملة الاستثمار في الطاقة النوويّة وحاورتهم عن مدى نجاعة الطاقة النووية لمستقبل البشرية، حيث ٲعربت المديرة العامّة للجمعيّة الدولية للطاقة النوويّة، السيدة أغنيثا رايزينغ "كلّ سنة يلقى 6 مليون شخص على أقل حتفهم نتيجة تلوث الهواء الناتج عن اصدارات الغازات الضارة لذلك وجب التوجّه لطاقات أكثر نظافة كالطاقة النووية. كما من شأن الطاقة النوويّة أن تفي بالطلب المتزايد على الكهرباء في أنحاء العالم خلال السنوات المقبلة. و تنوي 26 دولة منها 4 دول عربيّة التوجّه في الاستثمار في الطاقة النووية في المستقبل القريب ".
كما واكبت ليدرز فعاليات الجانب الروسي، أكبر الداعمين لنظرية الاستثمار في الطاقة النووية كأفضل وسيلة لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، حيث صرّح كيريل كوماروف، الرئيس التنفيدي للشركة الحكومية الروسية روساتوم للطاقة النووية، أنّ روسيا تستثمر مبالغ هامة في مشاريع الطاقة النووية في روسيا وعبر العالم، مما سيُمكّنها من خفض الانبعاثات من غازات الاحتباس الحراري بنسبة كبيرة.
ومن الجهة المقابلة، لم يُخفي الناشطين في المجال البيئي امتعاضهم الشديد من فكرة الطاقة النووية كحلّ لخفض درجة حرارة الكوكب، واعتبروها تحريفاً وتشويشا متعمّد لمسيرة دعم التوجه للاستثمار في الطاقات المتجددة، فالاستثمار في الطاقة النووية سيعد إنتحاراً للبشرية، ذلك ٲنّ عمر الطاقة النووية يقدر بـ 27000 يوم، حدث خلالها 33 حادث نووي بعضها كان قاتلاً وكارثيا. وبالإضافة إلى التكاليف العالية وحسابات الجودة الاقتصادية، فإن أحد أسباب نفور بعض الدول من الطاقة النووية هو الحوادث النووية وصعوبة صيانة المنشآت النووية. ولا ننسى الكارثة التي وقعت في فوكوشيما اليابانية في عام 2011، فهي الحادثة النووية الثانية بعد كارثة تشرنوبيل التي تصنّف في أعلى درجة في مقياس الحوادث النوويّة INES، وهي التي تتدرج في سبع درجات ما بين أحداث عرضية وكوارث عالمية.
ومع نهاية فعاليات قمّة مرّاكش للمناخ، قيّم المشاركين مفاوضات هذه القمة واعتبروها بمخيبة للآمال كون أبرز محورها، ألا وهو صناديق التأقلم المناخي، لم تأتي بثمارها المنشودة لتعمّد بعض الأطراف المانحة التملّص من مسؤوليتها وإيفائها بجزء بسيط من التزاماتها، بالإضافة إلى تسجيل ارتباك لعديد من الكتل المفاوضة وتشتت موقفها مثل G77. ويبقى أمل الانسانية والأجيال القادمة في العيش في وسط سليم ومناخ معتدل رهين توجهات واستثمارات خضراء في مجال الطاقات المتجدّدة ونأي بالبشرية بعيداً عن الخيارات الخطرة والغير محسوبة العواقب.
حمدي حشاد
- اكتب تعليق
- تعليق