المشهد السمعي البصري في تونس: الفوضى والشفافيّة المفــقودة
في غضون بضعة سنوات فقط، عرف المشهد السمعي البصري في تونس تضخّما لافتا في عدد القنوات الإذاعية والتلفزيّة. فقبل 14 جانفي 2011، كانت قائمتها تتألّف من 14 محطّة إذاعية منها 9 محطّات عموميّة ومن 4 قنوات تلفزية إثنتان منها عموميتان، في حين تضمّ حاليّا 46 محطّة إذاعية -البعض منها لم يشرع بعد في البثّ- من بينها 11 محطّة عموميّة، إذا ما اعتبرنا الإذاعة الإخبارية، و14 قناة تلفزيّة ، إثنتان منها عموميتان، وقناة «الزيتونة» التي تبثّ بشكل غير قانوني، فانتقلنا بذلك إلى عهد تنامى فيه دور الخواصّ بثّا وإنتاجا، وهي نزعة لا تختصّ بها تونس، بل هي راسخة في العديد من البلدان، ولاسيّما تلك التي اختارت نهج التحرّر والانفتاح في مجالي الإعلام والاتصال.
ويدفعنا هذا التطوّر الكمّي السريع إلى طرح جملة من الأسئلة وهي: ما مردّ هذه الطفرة؟ هل تعكس حرصا على تلبية رغبات ملحّة وميولات جليّة استقرئت لدى الجماهير؟ من يقف وراء المحطات والقنوات المستحدثة؟ ما هي مصادر تمويلها؟
ما هو مدى شفافيتها الماليّة؟ ما انعكاس ذلك على استقلاليتها؟ هل أنّ حجم سوق الإشهار كفيل بأنْ يوفّر عائدات ماليّة كافية؟ ماذا أضافت في الواقع إلى العرض البرامجي من حيث الجودة والتنوّع؟ أيّ تقييم لدور الهيئة المستقلّة للاتصال السمعي البصري ، بصفتها سلطة تعديلية، إلى جانب الهياكل المعنية الأخرى، في فرض الالتزام بالقانون وبأخلاقيات المهنة؟ إلى أين يسير القطاع السمعي البصري في تونس؟
من بين المطالب التي رُفعت إثر 14 جانفي 2011 تكريس حريّة التعبير وحريّة الصحافة وإصلاح قطاع الإعلام وإعادة هيكلته وتعديله ومزيد تحرير المجال السمعي البصري بما يتيح إنشاء قنوات جديدة وذلك للقطع مع عهد رقابة الدولة على هذا القطاع وهيمنتها عليه.
كخطوة أولى على درب إصلاح القطاع، أحدثت في مارس 2011 الهيئة الوطنيّة لإصلاح الإعلام والاتصال التي عُهد إليها بتقييم وضع الإعلام وأدائه وتقديم مقترحات للنهوض به، وصدر في 2 نوفمبر 2011 المرسوم 116 المتعلّق بحرية الاتصال السمعي البصري وبإحداث هيئة عليا مستقلة للاتصال السمعي والبصري.
الهايكا والأمر الواقع
لمّا باشرت هذه الهيئة أعمالها في ماي 2013 بعد تسمية أعضائها، كان عليها أن تتعامل مع وضع نجم عن فراغ قانوني وعن غياب سلطة تعديلية استمرّ زهاء السنتين، ممّا أدّى إلى بروز ظاهرة البثّ الإذاعي والتلفزي العشوائي وتزايد الاخلالات والتجاوزات على مستوى المضامين الإعلامية بسبب عدم احترام أخلاقيات المهنة وطغيان نزعة البحث عن الإثارة، على حساب أهداف الرسالة الإعلامية.
إزاء شتّى أشكال الانفلات والفوضى والقرصنة، اضطرّت الهايكا إلى النظر في مطالب التسوية لعدد من المنشآت التي سبق لها الحصول على موافقة مبدئية من الوزير الأول سنة 2011 بناء على رأي الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال، واعتماد «منهجيّة إدماج» القنوات التي تبثّ بدون ترخيص من خلال فتح باب الترشحات للحصول على إجازات بعث إذاعات وتلفزات جديدة، بعد إنجاز أربع كراسات شروط لضبط كيفيّة إحداث واستغلال قنوات إذاعية وتلفزية وذلك في مارس 2014. فمعظم القنوات التي كانت تبثّ بصفة غير قانونية منحت تراخيص، باستثناء قنوات «متمرّدة» ظلّت إلى اليوم مارقة عن القانون، تواصل البثّ غير عابئة بالعقوبات التي تسلّطها عليها الهايكا بما في ذلك اللجوء إلى حجز المعدّات عملا بالفصل 31 من المرسوم 116 الصادر في 2 نوفمبر .2011
التّسابق نحو التّموقع
قبل 14 جانفي 2011، كان البعض من أهل المهنة ورجال الأعمال يأمل في بعث إذاعة أو تلفزة خاصّة، لكنّ إجازة البثّ والاستغلال منحت إلى عدد محدود من القنوات وفق كرّاس شروط ضبط هامش تحرّكها لا سيّما في مجال الأخبار.
واقتصر الأمر على قناتي «حنّبعل» و«نسمة» في الميدان التلفزي و«موزاييك أف.أم» و«إكسبريس أف. أم» و«جوهرة أف.أم» و«شمس أف.أم» في الميدان الإذاعي. ومنذ أن تحرّر القطاع السمعي والبصري في مستوى التشريع ورفعت القيود التي كانت تكبّله في السابق، إزداد التسابق نحو احتلال المواقع في المشهد الجديد، كلّ من منطلق ما كان يروم بلوغه من أهداف وتحقيقه من مصالح.
ولا نعتقد أنّ باعثي القنوات الجديدة استندوا كلّهم، قبل إنشاء محطّاتهم، إلى دراسات جدوى اقتصادية وإلى مخطّطات ماليّة واقعية، وكذلك إلى بحوث ميدانية لاستطلاع انتظارات الجماهير قصد رسم توجّهات القناة المزمع إحداثها وتحديد مضامينها وسياستها البرامجية. ولعلّ ما يدفعنا إلى تبنّي هذا الرأي أنّ كلّ القنوات المستحدثة هي قنوات جامعة باستثناء عدد قليل منها («شبكة تونس الإخبارية» و«إذاعة الزيتونة» و«إذاعة تونس الثقافية») وكأنّ الرغبة قد انتفت لدى المتلقين في متابعة قنوات متخصّصة تستجيب لأذواقهم وميولاتهم في عصر الطفرة الإذاعية والتلفزية الناجمة عن الثورة الرقميّة ، في حين أنّ الدراسات أثبتت أنّ وفرة العرض البرامجي أدّى إلى انشطار كتلة الجمهور وانقسامها إلى كتل جماهير أصبحت لها رغبات مخصوصة ومعايير محدّدة لتقبّل المادّة السمعية البصريّة. لم يكن بعث هذه القنوات إذا نابعا من طلبات فعليّة للجماهير أريد أن يستجاب لها من خلال عروض برامجية، بقدر ما كان وليد حرص من أصحابها على التموقع في المشهد السمعي البصري حتّى ولو شابه الاكتظاظ، وذلك بعيدا عن منطق تسديد الخدمة لطالبيها الذي هو أساس كلّ مشروع اقتصادي ناجح.
وقد يكون من الهيّن اليوم تحديد الجهة أو الجهات التي تقف وراء قناة ما، وذلك بمتابعة ما تبثّه من مواد وتتناوله من مواضيع وكذلك من خلال رصد التوجّهات الفكرية والسياسيّة لمنتجي برامجها والمشاركين فيها، ممّا يمكّن من استكشاف خلفية خطّها التحريري ومنطلقاته. ولعلّنا لا نبالغ إذا قلنا إنّ بعض القنوات تحوّلت إلى سلاح اقتصادي وسياسي بين أيدي لوبيات متنفّذة تستخدمه خدمة لأجنداتها. وقد أكّد النوري اللجمي رئيس الهايكا أنّ «بعض وسائل الإعلام مطوّقة بنفوذ المال ورجال الأعمال والسياسيين».
الإذاعات الخاصة والجمعياتية التي تبث على شبكات التشكيل الترددي
قبل 14 جانفي 2011
إذاعات متحصلة على الموافقة المبدئية في أوت 2011 وأمضت لاحقا اتفاقية مع الهايكا
بعد 14 جانفي 2011
إذاعات متحصلة على الترخيص من الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري
بعد إحداث الهايكا
إذاعات غير مرخصة من الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري وتستغل ترددات دون الحصول على موافقة الوكالة الوطنية للترددات
إذاعات عشوائية
الإذاعات العمومية
القنوات التلفزية
القنوات العمومية
- الوطنية الاولى
- الوطنية الثانية
القنوات التلفزية الخاصّة الحاصلة على إجازة قبل 14 جانفي 2011
- قناة حنّبعل
- قناة نسمة
القنوات التلفزية الخاصّة الحاصلة على إجازة بعد 14 جانفي 2011
- شبكة تونس الإخبارية
- قناة المتوسط
- فرست تي في
- تلفزة تي في
- قناة الجنوبية
- قناة التاسعة
- قناة الإنسان
- قناة الحوار التونسي
- قناة تونسنا
قناة غير مرخّص لها
- قناة الزيتونة
عبد الحفيظ الهرقام
لقراءة المزيد:
المشهد السمعي البصري في تونس: التوازن المفقود بين الكمّ والكيف
المشهد السمعي البصري في تونس: تجهيزات مهرّبة وخروقات بالجملة
المشهد السمعي البصري في تونس: سلاح بن أيدي لوبيات المال والسياسة
- اكتب تعليق
- تعليق