مواقف وآراء -
2016.11.10
فوز ترامب: الزلزال
قبل أسبوعين أو ثلاثة كتب رضوان المصمودي رئيس منظمة الاسلام والديمقراطية القريبة من النهضة ما معناه: "أعود من واشنطن مطمئنا، إلى أن أمر ترامب قد انتهى، وأن هيلاري كلينتون ستكون رئيسة الولايات المتحدة". لم يكن ذلك هو اعتقاد الصديق رضوان المصمودي وحده، بل الغالبية في العالم. ولذلك بدت هذه الهزيمة غير منتظرة (وقد عاد الأستاذ رضوان من تونس إلى واشطن لحضور الإعلان عن فوز السيدة كلينتون)، كما إنها اتخذت طعم الزلزال المدمر، لأن الكثير من المسلمات قد اهتزت بهذا الفوز المعزز لمن سيقال له مستقبلا الرئيس دونالد ترومب. والمؤكد أن غياب هيلاري كلينتون عن مقدمة المسرح السياسي العالمي، بعد أربع سنوات تولت فيها وزارة الخارجية الأمريكية (قبل مغادرتها للتفرغ لترشيح نفسها للرئاسة)، واستمرار السياسات التي رسمتها وخططتها ونفذتها في مختلف أنحاء العالم وخاصة العالم العربي، سيترك بصمات في مختلف المناطق، فقد رافقت مسيرة "الربيع العربي" إن لم نقل أكثر، انطلاقا من تونس إلى مصر إلى ليبيا إلى سوريا إلى اليمن، وشهدت سقوط أو على الأقل اهتزاز أنظمة هشة، وصعود الإسلام السياسي، الذي كانت الولايات المتحدة تعاديه قبلا.
وإذ لا يعرف ماذا ستكون عليه سياسة الرئيس الأمريكي الجديد، ومن سيختاره وزيرا للخارجية، فإن المطلعين على حقيقة كيفية اتخاذ القرار في الولايات المتحدة، يدركون جيدا أن الرئيس في الولايات المتحدة لا يتمتع بالنفوذ المطلق كما يتهيأ للكثيرين، وأن قراره يبقى خاضعا "للهضبة " أي الكونغرس وقيادات الخارجية والدفاع وكذلك اللوبيات، التي تتخصص في مناحي الاهتمامات المختلفة، ومن أقواها لوبي السود الأمريكان ولوبي الأسبان واللوبي اليهودي ولوبي المال واللوبي الجامعي وغيرها. ومهما يكن من أمر، فلعل الاسلام السياسي في العالم العربي المتمثل في الإخوان المسلمين وتفرعاتهم، قد يكون خسر داعما قويا بما حصل من خسارة لكلينتون خاصة والديمقراطيين عموما، ولكن المؤكد أن السياسات الأمريكية مستمرة عادة باعتبار أن أمريكا هي دولة مؤسسات، يعتبر استمرار الدولة فيها قائما على ثوابت تحافظ عليها، وإن أدخلت عليها ظلالا، وتغييرات ليس في العمق دوما.
وبقطع النظر عن الدول العربية الأخرى، فإن إسلاميي تونس قد استوعبوا الدرس منذ صائفة 2013، واقتنعوا بأن ما حصل في مصر، كان في جانب منه ناتجا عن أخطاء ثقيلة من حكم الإخوان لا ينبغي أن يسقطوا في مثلها، فأخذوا يحاولون تطوير أنفسهم، وما زالت الطريق أمامهم طويلة ليتحولوا إلى حزب مدني فعلي على غرار الأحزاب "المسيحية الديمقراطية " في الغرب، التي لا تخلط بين الدين والسيـــاسة، والتي تنضبط لمجتمع مدني، وهو ما ينبغي أن يحصل وفقا لما رسمه دستور جانفي 2014. وفي انتظار ذلك فإنه لا بد من أن تعي النهضة وبصراحة، وقادتها يعرفون مواقفي الشخصية منذ بداية الثمانينات، في دفاعي عن حقهم في الوجود العلني والقانوني،_لا بد أن تعي ـ أن المجتمع التونسي الذي يكاد الخط الإصلاحي فيه قد مضى على انطلاقه القرن ونصف قرن من الرسوخ، وعززه بورقيبة بقوانين متقدمة، ليس قابلا لأن ينحرف به أحد عن هذا الخط، سواء "بالتدافع المجتمعي" أو بدونه، وبقدر ما تبرز الحركةـ من ارتكاز على مظاهر مدنية المجتمع، بقدر ما تتسع دائرة المقتنعين بضرورة تواجدها على الساحة لا فقط بالقانون ولكن أيضا بالاقتناع بأنها حزب سياسي، ليس هناك من يشكك فيه.
عبد اللطيف الفراتي
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
- اكتب تعليق
- تعليق
أصداء المؤسسات